«حالة الإدمان على الهيروين في تطوان كارثية»، يقول الدكتور رشيد حسنوني علوي، بصفته خبيرا دوليا في الإدمان على المخدرات القوية. كلام الدكتور حسنوني لا يأتي من فراغ فالرجل بحكم خبرته في معالجة الإدمان لا يتوقف عن دق ناقوس الخطر بشأن تفاقم الظاهرة في تطوان، حيث يتعاطى أكثر من 30 في المائة من نسبة المدمنين على الهيروين لجرعاتهم عبر الوريد، وتبادلها في ما بينهم. فولاية تطوان لوحدها تؤوي أكثر من 10 آلاف مستهلك للهروين والكوكايين، فيما زحف أغلب المدمنين إلى الشوارع العامة في تطوان، محتلين مواقف السيارات، علهم يظفرون ببعض الدراهم لاقتناء جرعاتهم من الهيروين «فعلا أشاهد أغلب المدمنين وقد أعادوا انتشارهم في المدينة كحراس للسيارات في عدد من المواقع» يضيف حسنوني. ورغم بعض الحملات التي تشنها فرقة مكافحة المخدرات القوية في مدينة تطوان، فإنها تبقى غير كافية حيث لا تطال سوى بعض المزودين الصغار في «السخرة» وهي العبارة التي تطلق على المخدرات في المدينة. معاقل الهيروين في مدينة تطوان إلى منطقة كهف الريسوني المنعزلة يتوجه يوميا أكثر من 500 شاب وشابة لتبضع جرعاتهم من الهيروين. اتسعت خريطة تجارة واستهلاك الكوكايين والهيروين وانتعشت بشكل غير مسبوق حتى صارت أنشطة باعتها تخضع للمداومة ولا تعرف الكساد ولا المحاربة، سوى في بعض الأحيان حيث يتم اعتقال بضعة أشخاص بحوزتهم بضع جرعات، فيما يبقى الأباطرة الكبار في منأى عن الضبط والتفكيك. يغص حي دار مورسيا وحي البربوري، وحي الصنوبر، والإشارة، ومنطقة كهف الريسوني، وهي نقط من بين نقاط متعددة، بعدد هائل من التلاميذ والمشردين والمنحرفين المدمنين على هذا المخدر القوي من الذين يشكلون صفوفا طويلا لتلبية حاجياتهم من المخدر واستهلاكه في المكان نفسه لعدم قدرتهم على مقاومة الانتظار. يتراوح ثمن جرعة واحدة من الهيروين في تطوان ما بين 25 و20 درهما، بينما أغلبية مستهلكيه من الذين عاينتهم الجريدة هم شبان من مختلف الأعمار. لقد تضاعف عدد المدمنين الشباب في تطوان بشكل خطير، حيث يتراوح عدد المتعاطين للمخدرات القوية من الهيروين والكوكايين مابين 9 آلاف و11 ألف مستهلك، تتراوح أعمارهم ما بين 11 و25 سنة، وذلك حسب تقديرات الأطباء المختصين والمهتمين بالظاهرة. بينما لايزال حي دار مورسيا وومنطقة «كهف الريسوني» وغيرها بتطوان «تعتبر مناطق خضراء» لا تطالها دوريات أمنية أو حملات لمحاربة تجار المخدرات القوية من كوكايين وهيروين بسبب مسالكها الوعرة إلا بعد توصل المصالح الأمنية ببعض الإخباريات، حيث تتوجه حينها لتمشيط واعتقال بعض المزودين، لكن في بعض الأحيان تصاب دوريات الشرطة بأعطاب وحوادث مثلما حدث السنة الماضية حيث انقلبت دورية أمنية مخلفة بعض المصابين في صفوف رجال الأمن. أحد المدمنين على الهيروين، «أحمد» (24 عاما)، الذي لم يكمل دراسته الجامعية، قال إنه مجرد مستخدم عند شبكة، حيث يقوم ببيع الجرعات للمدمنين، لإعالة أفراد أسرته، مضيفا أن البارونات الكبار يمنحونهم مبلغ 5000 درهم مقابل نقل كيلوغرام من الهيروين، من الدارالبيضاء إلى تطوان. الانتعاش القوي الذي تعرفه تجارة المخدرات القوية في تطوان يثير تخوف العديد من الأسر على مستقبل أطفالها وبناتها، في الوقت الذي يغتني فيه البارونات الكبار مستفيدين من عدم محاربتهم وضبطهم. كارتيل تطوان يوم الخميس الماضي فككت عناصر الشرطة القضائية في تطوان شبكة لترويج المخدرات القوية، حيث اعتقلت ثلاثة مهربين وبحوزتهم 820 غراما من مخدر الكوكايين ، أي ما يعادل حوالي 70 ألف جرعة، بالإضافة إلى7 كيلوغرامات من الحشيش، ووقفت التحقيقات الأولية على كون الموقوفين الثلاثة، وجميعهم مغاربة، «ينتمون إلى شبكة تتمركز في جنوباسبانيا، تزودهم بالكوكايين في مقابل القنب الهندي». وتمكنت الشرطة أيضا، خلال عملية التفتيش، من حجز مبلغ 100 ألف درهم و1400 أورو لدى المهربين الثلاثة، بالإضافة إلى سكاكين وصفائح معدنية مهربة. لكن حسب المراقبين والمختصين في هذا المجال فإن «شحنات الهيروين التي تدخل سوق مدينة تطوان، تبقى في منأى عن الضبط والحجز نظرا إلى عدة اعتبارات»، يقول مختص في هذا المجال للجريدة، مضيفا أن الاعتقالات لا تتمكن من الوصول إلى بارونات هذه الشحنات الحقيقيين، حيث تقتصر على المزودين وبعض المستهلكين، إذ توصلت وزارة العدل خلال السنة الماضية بعدد من الشكايات موجهة من طرف عائلات عدد من المعتقلين في تطوان بتهمة انتمائهم إلى شبكات لتهريب المخدرات القوية فيما تم اعتقالهم، حسب قولهم، وهم يحملون لفافة للاستهلاك، وذلك «بهدف تضخيم الملف في محاربة المخدرات القوية في تطوان عبر بعض وسائل الإعلام»، يقول محام من هيئة تطوان ل «المساء». ومن ضمن الشكايات المتعددة ضد مصلحة الشرطة القضائية الموجهة للمسؤولين رسالة موجهة من طرف أحد المعتقلين في السجن المحلي في تطوان إلى الوكيل العام للملك في ابتدائية تطوان، تحت رقم 371 ش08، ضد أحد عمداء المصلحة الولائية للشرطة القضائية بتطوان، والتي يقول فيها إنه في «الواقع لم تكن بحوزته أي شيء مما ورد في المحضر، فلفافات المخدرات القوية لم تجد معه وإنما أخرجها الضابط من قمطر مكتبه قائلا له لقد وجدنا معك هذه اللفافات»، وذلك تقول الشكاية، «عندما فشلت مساعي المساومة والتفاهم»، ما يطرح تساؤلات عديدة حول حقيقة الشبكات التي كان يعلن عن تفكيكها. وفي لقاء سابق ل«المساء» مع رئيس الضابطة القضائية داخل ولاية أمن تطوان أكد فيه هذا الأخير عزمه على تطهير المدينة من المخدرات القوية، كما كشف للجريدة عن قرص مدمج يحمل شارة وزارة الداخلية، وهو عبارة عن مداخلة له في مؤتمر أمني حول محاربة المخدرات القوية ومسالكها نظم في دولة عربية، وشرح رئيس الضابطة القضائية للجريدة المسالك التي تعبرها مافيات تهريب الهيروين والكوكايين قبل أن تصل إلى المستهلك المغربي، مثلما كشف حينها عن أكثر من 2500 لفافة هيروين كان قد تم حجزها حينها. وإذا كانت سنة 2008 قد أسفرت، حسب مصدر مطلع من ولاية أمن تطوان، عن إحالة العديد من المتهمين في مجال الاتجار في المخدرات، مغاربة وأجانب، على العدالة فيما وصل عدد المخدرات القوية (الهيروين والكوكايين) إلى 2667 غراما من الهيروين و153 لفافة، و4725 غراما من الكوكايين و925 لفافة، فإن الأرقام الرسمية للسنة الماضية بخصوص حملات تفكيك شبكات ترويج الهيروين والكوكايين لم يعلن عنها بعد من طرف ولاية أمن تطوان. مدمنون يطلبون المساعدة يعرف مستشفى الأمراض العقلية في تطوان توافدا كبيرا من طرف مدمني المخدرات القوية بهدف الخضوع لفحص طبي يضمن لهم تناول جرعات محددة من الأقراص المهدئة، وذلك بعدما عرفت الأقراص المهلوسة ارتفاعا طفيفا في ثمنها في مدينة تطوان. ويعود ارتياد مدمني المخدرات المستشفى إلى عدم توفر ولاية تطوان على أي مركز خاص لعلاج المدمنين وتوعيتهم وتحسيسهم بمخاطر المخدرات القوية والابتعاد عنها في انتظار فتح مركز سيدي طلحة للإدمان على المخدرات القوية. ويحذر الدكتور حسنوني علوي في معرض حديثة ل»المساء» من احتمال انتشار داء السيدا في منطقة تطوان والمضيق والفنيدق، في حالة عدم محاربة المخدرات القوية والتحسيس بأضرارها والتقليل منها. كما أن عددا من المراقبين بتطوان يستغربون إصرار مندوبية وزارة الصحة في المدينة على عدم فتح مركز سيدي طلحة لمعالجة الإدمان، وهو المركز الذي من شانه أن يقلل من حالات الإدمان مع تقديمه العلاج والتحسيس والتوعية لتقليل المخاطر من تعاطي الهيروين. فالمركز، حسب ما عاينته «المساء»، مكتمل منذ فترة طويلة لكنه لم يفتتح لعلاج المدمنين على غرار مركز حسنونة لعلاج الإدمان بطنجة. خدمة «التيلي كوكايين» بعد نجاحها في مدينة مرتيل انتقلت خدمة توصيل لفافات الهيروين أو الكوكايين عبر الدراجات النارية إلى غاية الزبناء إلى إلى مدينة تطوان، وهي خدمة يصطلح عليها «التيلي كوكايين». الخدمة الجديدة التي انطلق العمل بها السنة الماضية في مرتيل، بدأت تمارس مهامها في بعض أحياء تطوان، حيث يختص وسطاء من أصحاب الوزرات الصفراء، زاعمين أنهم من ضمن جيش حراس السيارات التي تعج بهم المدينة. يقوم الزبون بمهاتفة بعض الوسطاء من أصحاب «الجيلي الأصفر» والذين لا يغادرون مكانهم، حيث يتوجه الوسيط إلى أقرب مخدع هاتفي ليجري المكالمة الهاتفية المشفرة مع صاحب السلعة. حيث لا تكاد تمر بضع دقائق، حتى تحل دراجة نارية يمنح سائقها اللفافات المطلوبة بعد أن يتسلم المبلغ المالي من الوسيط، مغادرا المكان بسرعة البرق. توزيع لفافات المخدرات الصلبة حسب الطلب عبر الهاتف أو ما يطلق عليه خدمة «التيلي هيروين» لا تقتصر على مرتيل أو تطوان فقط، بل تمتد إلى غاية بعض المركبات السياحة المجاورة، في كل من كابونيغرو والكولف، وبعض الحانات الواقعة بين مرتيل والمضيق. يتقاضي الوسيط في خدمة «التيلي هيروين» 5 دراهم عن كل جرعة يطلبها عبر الهاتف مع تأدية ثمن المكالمة الهاتفية. وحسب ما عاينته «المساء»، غالبا ما تباشر المكالمات عبر بطائق الهاتف الثابت للدفع المسبق، المقدمة له من طرف صاحب اللفافات، والذي لا يتم التعرف عليه، بل يكتفي أيضا بدوره بمكالمة الموزع عبر الدراجة النارية ليرشده إلى مكان ومقدار الطلب وثمن اللفافات التي يتراوح حاليا ما بين 600 و800 درهم للكوكايين، وبين 30 و40 درهما للهيروين. ويقول أحد المدمنين للجريدة إن أغلبية مستهلكي خدمة «التيلي كوكايين» هم شبان من مختلف الأعمار، كما لا ينفي وجود بعض الموظفين والمستخدمين الذين أصبحوا مقبلين عليها نظرا لسرعة توصل الزبون بالطلب دون مشاكل تذكر. الأمن يقترح ربط جسور التواصل بفعل تفشي ظاهرة الإدمان على الهيروين في مدينة تطوان، أضيف إلى طوابير المستهلكين عدد كبير من التلاميذ بل وحتى التلميذات، لينتقلوا من تعاطي مخدر «المعجون» إلى «قلي الهيروين» للإحساس ب«الفلاش» وتعني في قاموسهم النشوة. إدمان التلاميذ على هذا المخدر القاتل يعود إلى ارتياد بعض تجار الهيروين لبعض المؤسسات التعليمية. ردا على ذلك نظمت مؤسسة تعليمية بتطوان ندوة تحسيسية حول موضوع ظاهرة المخدرات التي تهدد أمن المؤسسات التعليمية، حيث عرف هذا اللقاء تدخلات بعض الأطر الصحية وكل من نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتطوان الذي تحدث عن دور قطاعي الأمن والقضاء في محاربة ظاهرة المخدرات بأنواعها المتفشية في المجتمع وداخل المؤسسات التعليمية وكذا دور الآباء في هذا الموضوع. خلال الندوة ذاتها تدخل سعيد الشطاني، عن مصلحة الشرطة القضائية بولاية أمن تطوان، مقدما «إحصائيات» عن الكميات من المخدرات المحجوزة بجميع أنواعها لدى مصلحة الشرطة القضائية والأشخاص المعتقلين، مغاربة وأجانب الذين يتاجرون ويهربون هذه المواد المخدرة الخطيرة، واعتبر في عرضه أن «تحصين المؤسسات التعليمية بالمدينة مسؤولية كل الفعاليات». وأشار عنصر الضابطة القضائية إلى أن ولاية الأمن بتطوان «ترتكز على تصور أمني مضبوط تولي من خلاله العناية والاهتمام بالمؤسسات التعليمية حماية لها من الجريمة والانحراف عن طريق تأمين الفضاءات وتجهيز وحدة أمنية متحركة لمحاربة الأنشطة غير المشروعة داخل المؤسسات التعليمية، وكذلك حصر النقط السوداء، وإيقاف مروجي المخدرات بالمؤسسات التعليمية»، وهو التصور الذي اعتبره بعض الحاضرين من الآباء غير كاف، نظرا لما تعرفه أبواب بعض المؤسسات التعليمية من تواجد لباعة المخدرات. ما أدى بالمتحدث باسم مصلحة الضابطة القضائية بتطوان إلى اقتراح «ضرورة ربط جسور التواصل مع المديرين والعمل على توعية التلاميذ بخطورة آفة المخدرات ودفع الآباء والأمهات للاهتمام بأبنائهم في هذا الإطار، وإعداد ورشات للتعريف بأضرار المخدرات ومخلفاتها الصحية والنفسية والعقلية على التلاميذ وكافة المدمنين»، مع الزيادة في التوعية والتحسيس بمخاطر هذه الآفة ومواجهتها عن طريق القيام بتعبئة موصولة للتصدي لها». لقد اتسعت رقعة ظاهرة الإدمان على المخدرات القوية وخاصة الهيروين بتطوان على نحو بات يبعث على القلق. إذ تقدر جمعيات محلية عدد المدمنين بمدينة تطوان وحدها بقرابة عشرين ألفا أغلبهم من الشباب. يأتي هذا في وقت، ذكر تقرير للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة لمنظمة الأممالمتحدة أن هناك تزايدا سريعا لتهريب الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا عبر غرب القارة الإفريقية ووسطها، مشيرا إلى أنه يجري تهريب ما بين 200 إلى 300 طن من الكوكايين إلى أوروبا كل عام عبر القارة.وأشار التقرير، الذي أعلن عنه السنة الماضية بمقر المكتب الإعلامي للأمم المتحدة في القاهرة، إلى أن متعاطي الكوكايين في إفريقيا يشكلون ما يقرب من 7.6 في المائة من مجموع متعاطيه في العالم، فيما لا يعتبر مستوى تعاطي الهيروين في شمال المغرب أمرا مستفحلا.