تتجاوز معاناة ضحايا مرضى السيدا في تطوان الجانب الاقتصادي المرتبط بكلفة العلاج الباهظة، لتتمركز أساسا على مستوى التوعية والتحسيس من أخطار هذا الوباء القاتل. فخريطة مرض السيدا في تطوان لا تنحصر في أماكن أو في تكتلات سكانية محددة، بقدر ما لها علاقة بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمصابين. ووفق آخر الإحصائيات التي تتوفر عليها «المساء» فإن أكثر من 200 حالة إصابة بداء السيدا تتوزع بين ولاية تطوان، وبين عمالة المضيق- الفنيدق. وإذا كانت مناطق سوس ماسة درعة ومراكش الحوز والدار البيضاء تعرف انتشارا للوباء بسبب التعاطي للبغاء فإن انتشارمرض السيدا في تطوان يعرف توسعا خطيرا بسبب المدمنين على تعاطي المخدرات القوية عبر الحقن، مما يعتبر مشكلا خطيرا ينخر صحة وسلامة هذه الفئة من مستهلكي المخدرات القوية في تطوان. «إن حالة الإدمان على الهيروين بتطوان كارثية»، يقول الدكتور حسنوني علوي، وهو خبير دولي في الإدمان على المخدرات القوية، ورئيس لفرع الجمعية المغربية لمحاربة داء فقدان المناعة المكتسبة. كلام الدكتور حسنوني لا يأتي من فراغ فالرجل بحكم خبرته في معالجة الإدمان يدق ناقوس الخطر لتفاقم الظاهرة في تطوان،والتي تعد السبب الرئيسي والمباشر للإصابة بداء السيدا بسبب حقن أكثر من 30 في المائة من نسبة المدمنين على الهيروين لجرعاتهم عبر الوريد، وتبادلها فيما بينهم. غياب أرقام رسمية بسبب مشاكل تقنية «ما تتوفر عليه مدينة تطوان والمناطق المتفرعة عنها بكل من المضيق والفنيدق ومرتيل هو بعض الإحصائيات التي أنجزها فرع الجمعية نظرا لبعض المشاكل التقنية التي اعترضته أثناء إنجازه للدراسة/الإحصاء»، يقول الدكتور حسنوني. من جهته ذكر مصدر من المهتمين بهذا المجال أن ما يميز مدينة تطوان عن باقي المدن المغربية هو كون حالات الإصابة بالسيدا بتطوان والنواحي ستزداد مستقبلا في المدينة بسبب تبادل أغلبية المدمنين على المخدرات القوية للحقن فيما بينهم، فيما نسبة قليلة من الإصابات بالسيدا انتقلت عبر الممارسة الجنسية، ويضيف المصدر ذاته أن نسبة كبيرة من المتعاطيات للدعارة مازلن يمارسن «عملهن الجنسي» بحرية مطلقة في المدينة رغم علمهن بإصابتهن بداء السيدا، مما يهدد معه صحة وسلامة «الزبناء». خروج الفتيات والنساء الممتهنات للدعارة للعمل مجددا في الشوارع العامة مع إمكانية نقل الوباء بوتيرة سريعة للزبناء يطرح إشكالية صحية كبرى في تطوان، ومرتيل والمضيق والفنيدق، «لكننا لا يمكن لنا فعل أي شيء فذلك ليس من اختصاصنا»، يقول حسنوني، مضيفا أن كل ما يمكن أن تقدمه جمعيتهم هو العلاج المجاني للراغبين عن طواعية فيه، مع الحفاظ دائما على سرية التحاليل وهوية المصابين. أما «الكارثة» الكبرى على حد تعبير المتحدث فهي تكمن في المتعاطين للمخدرات القوية عبر الحقن. «إن تبادل الحقن فيما بينهم هي بمثابة ثقافة الأخوة لدى هذه الفئة من المدمنين»، يقول مصدرنا، مضيفا أن أغلب المدمنين يعمدون إلى تبادل الحقن بشكل جماعي فيما بينهم كعربون أخوي لتقاسم كل شيء فيما بينهم»، أحد المدمنين قال إن من يتقاسم معه حقنته هو في وضعية أخيه في الدم، فهو يضخ في شرايينه بقايا دمه التي بقيت عالقة في الحقنة، وبالتالي فإنهم بمثابة أسرة واحدة. طرد وإقصاء وعزل للمصابين معاناة ضحايا مرض الإيدز مثيرة للاستغراب خصوصا في شقها الاجتماعي المتعلق بنظرة «التقزز والنفور والإقصاء» فمصدرنا مازال يتذكر حالة طرد شابة مصابة بمرض السيدا من مدينة مرتيل من طرف أحد أعوان السلطة رفقة ساكنة الحي، إذ بلغ الأمر بهم حدَّ تهديدها بالقتل، بسبب انتشار خبر إصابتها بالوباء. طرد عون السلطة للشابة ولجوئها إلى مفوضية الأمن بمرتيل، قبل أن يوفر لها فرع الجمعية المغربية لمحاربة داء فقدان المناعة المكتسبة بيتا للسكن مع إعانة شهرية تتزامن مع خضوعها للعلاج يعتبر نموذجا صارخا للإقصاء من طرف عون يمثل السلطة بالمدينة. وتعتبر إشكالية تعامل المواطنين بالنفور والإقصاء مع المصابين بالوباء، بالإضافة إلى انعدام التكافل الأسري أمرا ملموسا لدى المصابين، حيث «يؤدي بأغلب المصابات وخصوصا من عاملات الجنس إلى مغادرة مدينة تطوان»، يقول الدكتور حسنوني في معرض حديثة للجريدة. حالة أخرى من مظاهر الإقصاء ونظرة الخوف من المصابين بداء السيدا وقعت في شفشاون. ففي إحدى قرى المدينة حضر أغلب سكان القرية لتقديم العزاء في وفاة سيدة من القرية. لكن ما إن تناهى إليهم بأن وفاتها بسبب داء السيدا، بعد انتقاله إليها عن طريق زوجها الذي كان مهاجرا في الديار الإيطالية قبل رحيله عن الدنيا كذلك بسبب ذلك الداء الذي أودى بحياته، حتى ترك جل الحاضرين لتقديم العزاء مائدة العشاء وخرجوا مسرعين من البيت وهم يسبون المرحومة، نادمين عن حضورهم لتقديم العزاء لذويها. كما أن عددا كبيرا من المصابين حاولوا مرارا وضع حد لحياتهم بسبب الإقصاء الذي يعانونه، كحالة شابة من تطوان، حاولت وضع حد لحياتها ثلاث مرات قبل أن يتم إخضاعها لعلاج نفسي تخفيفا لأزمتها وإنقاذا لحالتها الصحية. 8000 مدمن في اليوم الواحد «إن الوقاية من تفشي داء السيدا في تطوان يبدأ من القضاء على المخدرات القوية في تطوان»، يقول الدكتور حسنوني. فقبل 15 يوما اعتقلت عناصر الشرطة القضائية التابعة لولاية أمن تطوان تاجرا للمخدرات وبحوزته 8 آلاف جرعة من الكوكايين والهيروين، أثناء تواجده في نقطة البيع المعروفة ب «البينيا» بتطوان. وهي كمية كبيرة من اللفافات كان سيتم بيعها في المنطقة، مما فسره الخبراء بأنها كانت مخصصة ل 8000 مدمن، 30 بالمائة منهم يتناولونها عن طريق الحقن المتبادلة فيما بينهم، والتي تعتبر السبب الرئيسي لانتقال داء السيدا من مصاب لآخر. مصدر آخر صرح للجريدة، بأن حادثة اعتراض سبيل أحد الأشخاص مؤخرا لوسيط يعمل لفائدة أحد باعة الهيروين في منطقة الباربورين وبحوزته أكثر من 60 ألف درهم، يكشف عن الدخل اليومي لهؤلاء الباعة. فإذا ما احتسبنا ثمن الجرعة الواحدة الذي لا يتعدى 20 درهما، فإن المهرب باع في ذلك اليوم ما يعادل 3000 جرعة، 30 بالمائة منها، يتم تناولها، عبر الحقن الجماعي، للإحساس بما يطلق عليه «الفلاش» أي النشوة السريعة، مما يكشف السرعة الكبيرة لانتشار داء السيدا وسط هؤلاء المدمنين بمدينة تطوان. في انتظار فتح مركز سيدي طلحة يحذر الدكتور حسنوني علوي في معرض حديثة ل «المساء» من احتمال انتشار داء السيدا في منطقة تطوان والمضيق والفنيدق، في حالة عدم محاربة المخدرات القوية والتحسيس بأضرارها والتقليل منها. كما أن عددا من المراقبين بتطوان يستغربون إصرار مندوبية وزارة الصحة بتطوان على عدم فتح مركز سيدي طلحة لمعالجة الإدمان، وهو المركز الذي من شأنه أن يقلل من حالات الإدمان مع تقديمه العلاج والتحسيس والتوعية لتقليل المخاطر من تعاطي الهيروين. فالمركز حسب ما عاينته «المساء» مكتمل منذ فترة طويلة لكنه لم يفتتح لعلاج المدمنين على غرار مركز حسنونة لعلاج الإدمان بطنجة. «إن انتشار داء السيدا بتطوان مرتبط أساسا بتعاطي المخدرات عبر الحقن، وبالتالي فإن الحل في يد مندوبية الصحة بتطوان». من جهة أخرى علمت الجريدة أنه يوم إنجاز هذا التقرير تم توقيع اتفاقية بين الوكالة الكاتالانية للتعاون، ووزارة الصحة، وفرع تطوان للجمعية المغربية لمحاربة داء فقدان المناعة المكتسبة، وذلك لوضع برنامج للتقليل من أضرار المخدرات القوية بتطوان. وتتضمن الاتفاقية تطبيق برنامج للتوعية والتحسيس داخل المؤسسات التعليمية، وتقديم مساعدة للمدمنين تتجلى في إقناعهم بتغيير الحقن مع مدهم بحقن جديدة كل يوم، أو ما يطلق عليه «الكيت» أي مستلزمات تناول المخدرات عبر الحقن، وذلك كبداية للتقليل من خطر انتقال داء السيدا وسط المدمنين، في انتظار افتتاح مركز سيدي طلحة لعلاج الإدماج والذي «تعتبر الدولة ووزارة الصحة المسؤولة عن عدم فتحه لعلاج المدمنين».