«أرقامه في تزايد والأشخاص المصابون به في المغرب يحتمل أن يتراوح عددهم بين 16000 و20000 حالة»، تؤكد الدكتورة نادية بزاد الرئيسة المنتدبة للمنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا بالمغرب. أما الحماية والوقاية فتعد الحل الأنجع للحد منه كداء يبقى على رأس أسباب الوفيات في إفريقيا.. إنه شبح السيدا الذي يخلف وراءه يوميا عشرات المصابين يتخبطون بين ازدواجية معاناتهم مع المرض والخوف من التهميش. عن هذا الفيروس ومن يتحمل مسؤولية انتشاره، ووسائل محاربته في القرى والمداشر، توضح نادية بزاد الرئيسة المنتدبة للمنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا بالمغرب ل«المساء»: - حسب الإحصائيات التي جاء بها التقرير السنوي لبرنامج الأممالمتحدة المشترك، تم التأكيد على أن نسبة النساء المصابات بالسيدا تصل إلى 40 في المائة، أليست هذه النسبة مخيفة، علما بأن هذا الفيروس ينتقل من الأم إلى الجنين؟ < فعلا هناك ظاهرة تصاعد تأنيث الإصابة، ذلك أنه إذا ما تأملنا الإحصائيات منذ سنة 1986، سنة اكتشاف أول إصابة بفيروس السيدا في المغرب، سنجد أن الأرقام بالنسبة إلى النساء لا تتوقف عن الارتفاع مقارنة بالرجال. فما بين 1986 و1990، تم تسجيل 16 في المائة من عدد الحالات المسجلة، وارتفع هذا العدد إلى 42 في المائة ما بين 2001-2005، ليصل إلى47 في المائة سنة 2006. وهناك عوامل متعددة لهذا التأنيث، منها عوامل بيولوجية، حيث إن الجهاز التناسلي للمرأة أكثر استهدافا بحكم هشاشته، ومنها بسبب عوامل ثقافية ترتبط بصورة المرأة في المجتمع ومكانتها، حيث تعتبر المرأة في غالب الأحوال ذات دور ثانوي ولا يباح لها الحديث في بعض الأمور، منها أساسا الأمور الجنسية التي تعتبر أصلا طابو، لكنها بالنسبة إلى المرأة طابو مضاعف. وهناك عوامل اجتماعية واقتصادية ترتبط بالوضع الاقتصادي للمرأة، فالفقر والأمية يعرفان ظاهرة التأنيث أيضا. وما أصبح مؤكدا هو أن الأمية والفقر يلعبان دورا مهما في قلة الوعي الصحي والوعي بالمخاطر. كما أن الوضع الاقتصادي للعديد من النساء يزج بهن في امتهان الدعارة. وفي ذلك كثير من المخاطر التي تؤهل المتعاطية للإصابة بالسيدا، بحكم أن العدد الأكبر من الإصابات يحدث عبر العلاقات الجنسية. ويمكن القول أيضا إن الفقر والأمية يدفعان إلى التداوي الذاتي من الأمراض المنقولة جنسيا والتداوي بالأعشاب بحكم غياب وعي صحي وكذا بحكم قلة إمكانيات الولوج إلى الخدمات الصحية. والأمراض المنقولة جنسيا، التي يحتمل أن يكون عدد الإصابة بها حوالي 600.000 حالة كل سنة، تشكل سرير السيدا ومهده. - سبق لك وأن حملت الدولة مسؤولية انتشار هذا الفيروس، أين يكمن تقصيرها؟ < المسؤولية في مجال محاربة السيدا مشتركة بين الجميع، حكومة وفاعلين سياسيين وجمعويين واقتصاديين وغيرهم. لأن أبعاد هذا الداء متعددة، فيها ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي وما هو سياسي وإعلامي وطبي وغيره.. لكن هذا التعميم لا ينبغي أن يسقطنا في التضليل، لأنه في كثير من الأحيان تعميم المسؤولية قد يزيح المسؤولية. وأنا لا أريد أن أحمل المسؤولية لطرف دون آخر، ولكن في نفس الوقت لا ينبغي إعفاء أحد من مسؤوليته بمن فيه نحن الفاعلون الجمعويون. صحيح أن بلادنا تشكل نموذجا في العالم العربي من حيث تعبئتها ضد السيدا ومن حيث جرأتها في طرح كثير من القضايا، حيث ساهمت الإرادة السياسية على أعلى مستوى في البلاد في توفير الظروف السياسية لذلك. وقد حققنا مجموعة من المكتسبات، منها السماح للمجتمع المدني بأن ينخرط بفعالية في محاربة هذه الآفة، لكن يبقى الكثير مما ينبغي عمله. ومن ضمن الثغرات التي مازالت تعتري مجال عملنا بعض المشاكل المرتبط بالتغطية الصحية للمصابين الذين وإن كانوا يستفيدون من العلاج الثلاثي مجانا، فإنهم يعانون من ثقل تكلفة أدوية الأمراض الانتهازية، كما أننا لم نهتم بعد بالطريقة السليمة بالجانب النفسي الاجتماعي للمرضى، وفي كثير من الأحيان نعتمد على بعض الممارسات الترقيعية والتي تفتقر إلى الضبط العلمي أو تتميز بالمناسباتية أو تنحصر في بعض المدن القليلة دون غيرها. - رغم الحملة التوعوية بخصوص خطر هذا الداء إلا أن أرقامه في المغرب في تزايد، فكيف تفسرين هذه المفارقة؟ < الأرقام تتزايد، وذلك يرجع إلى سببين، أولا ارتفاع نسبة الوعي لذا المواطنين وإقبالهم على التشخيص المخبري للكشف عن وجود الفيروس في الدم، الشيء الذي جعل الأرقام في تصاعد مستمر لأن الحالات المسجلة حالية لا تتجاوز 2700 حالة، في حين احتمالات الأشخاص المصابين تتراوح بين 16000 و20000 حالة. ثم هناك عدم الوعي لدى فئة عريضة من المواطنين، الشيء الذي يدفعنا إلى بدل المزيد من الجهد، لأن العدد الحالي للمنظمات والفعاليات غير كاف، مما يفرض انخراطا أوسع. - ما هو تأثير السياحة الجنسية في انتشار وارتفاع ضحايا السيدا؟ < لا ينبغي أن نعلق مشاكلنا أو عدم وعينا على مشجب الآخرين. فالوقاية من السيدا لا ينبغي أن تكون وسيلة لإيقاف مسيرة النمو والمشاريع الاقتصادية الكبرى، حيث إن الأجانب الذين يأتون إلى المغرب يتميزون في الغالب بالوعي الصحي وبمستوى من الإحساس بخطورة الداء، وحتى في الحالات النقيضة ينبغي أن نتحمل مسؤولياتنا من خلال حماية أنفسنا، لا أن نقوم بإغلاق منافذنا والتقوقع على الذات بحجة حماية بناتنا وأطفالنا من ضرر الأجانب. إن السيدا يمكن أن تأتي من أي شخص مصاب، سواء كان مواطنا مقيما أو أجنبيا، لذلك تبقى التوعية أساسية والحماية هي الحل. - ما هي وسائلكم لمحاربة هذا الداء الفتاك في البوادي؟ < التجهيزات الصحية في العالم القروي لا تسمح بعلاج أبسط المشاكل الصحية، وبالرغم من بعض الجهود التي بذلت في هذا الباب، إلا أن هناك حاجة ماسة من أجل فك العزلة عن قرى ومداشر لا تتوفر على أبسط خدمات العلاج وتيسير الولوج إلى المؤسسات الصحية، وإلى الحق في الوعي والمعرفة الصحيين، ومنها الحق في المعرفة بخطورة الأمراض المنقولة جنسيا والسيدا. وعلى وسائل الإعلام خاصة التلفزة أن تلعب دورها في هذا الباب نظرا لأهمية تأثيرها. في ما يخص دور المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا، فإننا نقوم بحملات طبية بانتظام لفائدة قاطني البوادي وتقديم العلاج والتحسيس وتكوين فاعلين محليين للاستمرار في العمل. وقد أطلقنا منذ ماي الماضي حملة وطنية للتوعية وفحص الأمراض المنقولة جنسيا وتشخيص فيروس السيدا، وستطال هذه الحملة هذه السنة عشر جهات لمدة 6 أشهر وذلك بتعاون مع وزارة الصحة. - ماذا عن صحة الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة المغربية بخصوص عدد المصابين بالسيدا؟ < هي أرقام صحيحة بكل تأكيد، إلا أننا عندما نتحدث عن وجود عدد معين من الأشخاص المصابين، فإن ذلك لا يعني إلا الأشخاص الذين قاموا بتشخيص فيروس السيدا. والحقيقة أن هناك أشخاصا آخرين مصابون لكنهم لم يجروا بعد التشخيص. والاحتمال المطروح هو أن هناك ما بين 16.000 و20.000 مصابا محتمل بفيروس السيدا بالمغرب حسب المراقبة الدورية. هذا، ولم يتجاوز عدد عمليات التحليل في المغرب في السنة الأخيرة 30.000 تحليل، الأمر الذي يدعونا إلى التشجيع على المزيد من إجراء التشخيص الطوعي والمجاني والسري. - هل تؤيدين فكرة ضرورة إجراء فحص طبي للزوجين قبل الزواج؟ < الآن القانون ينص على ضرورة إجراء فحص طبي، وإلزامية الشهادة الطبية لإتمام عقد الزواج، لكن هذا الفحص سريري فقط ولا يلزم بإجراء التحاليل المخبرية، لأنها تبقى طوعية وغير إلزامية انسجاما مع المواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. إلا أننا نحن كمجتمع مدني نشجع أي مقبل على الزواج على إجراء الفحوصات والتحاليل، أولا لبناء علاقة جنسية صحية، وثانيا لعدم المغامرة وإنجاب أطفال ربما يكونون ضحايا للإصابة من طرف أحد الوالدين، وفي حملاتنا التحسيسية نركز على أهمية التحليل ونشجع على إجرائه. - كمهتمة عن قرب بالسيدا ومكافحتها بماذا تنصحين النساء؟ < أنصحهن بأن يعتبرن أنفسهن مسؤولات أيضا عن انتشار السيدا، وهذا الإحساس بالمسؤولية يفرض عليهن الانخراط معنا في حربنا ضد هذا الداء بكل ما يمتلكنه من قوة، لأن الوطن في حاجة إلى جهود ومساهمة كل أبنائه في هذا الرهان.