قصة محمد مع الإيدز تبدو مختلفة تماما، فهو منذ أن علم بإصابته بالفيروس سنة 2003 إثر علاقة جنسية غير محمية، أخبر كل أفراد عائلته بمرضه. يقول محمد ل«المساء»: «أصابهم الحزن لفترة، لكنهم سرعان ما وقفوا إلى جانبي وساندوني، كما أنهم حريصون على أن أتناول الدواء بشكل منتظم». تعرض هذا الشاب ذات يوم إلى جرح بليغ في أصبعه، وفاجأته شقيقته التي أمسكت بالجرح النازف وضمدته رغم علمها المسبق بأن السيدا تنتقل عن طريق الدم. «لن أنسى ما قامت به أختي وشقيقي الذي نظف الغرفة التي تلوثت بالدماء النازفة من أصبعي، تعاملهما الطيب معي يجعل معنوياتي مرتفعة لكي أقاوم المرض». لم تتخيل فاطمة يوما أن يكون زوجها المتوفى قد نقل إليها، قبل رحيله عن الدنيا، ذلك الداء الذي أودى بحياته. ما إن تلقت الزوجة خبر إصابتها بفيروس الإيدز حتى داهمتها نوبة هستيرية جعلتها تنخرط في بكاء متواصل. «لم أكن قادرة على الاقتراب من أبنائي الثلاثة لاعتقادي بأنني سأنقل إليهم العدوى، بل وفكرت حتى في الانتحار»، تحكي فاطمة ل«المساء». وتكشف التقارير الميدانية أن حاملي الفيروس، غير المعروفين لدى الجهات المختصة، قد تراوح عددهم ما بين 25 ألفا و30 ألفا في سنة 2000، كما أن 68 في المائة من المصابين شباب، من أصل 3.034 حالة مسجلة في المغرب منذ سنة 1986. وتوصل المغرب، في إطار مبادرة «أسيس» التي أطلقها البرنامج المشترك للأمم المتحدة الخاص بالإيدز، إلى الحصول على تخفيضات في ثمن الأدوية المضادة لهذا الفيروس بعد مفاوضات مع المختبرات الصيدلانية الدولية. وتتجاوز معاناة ضحايا مرض الإيدز في المغرب الجانب الاقتصادي المرتبط بكلفة العلاج، لتتركز أساسا في المستوى الاجتماعي المتعلق بنظرة «التقزز والنفور» من المصاب، وما تفرزه من انعكاسات نفسية وشعور بالعزلة والإقصاء. السيناريو الأسود الذي رسمته فاطمة لنفسها كان كفيلا بأن يجعلها تخفي خبر حملها لفيروس السيدا عن عائلتها والمقربين منها، إذ تخيلت أنهم إن علموا بالأمر فلن يترددوا في حرقها أو عزلها في مكان بعيد حتى تموت. تغيرت نظرتها إلى حياتها بعد أن التقت بمساعدة اجتماعية حاولت أن تخرجها من الخوف والحزن الذي تعيش فيه. «أحضرت كأس ماء وطلبت مني أن أرتشف منه جرعة، بعدها حملت الكوب وشربت من نفس المكان الذي ارتشفت منه، وأخبرتني بأن المرض لا يتنقل بالعدوى وأنه عليّ أن أكف عن خوفي غير المبرر وأهتم بأبنائي من جديد». بعد أن تعددت زياراتها لمقر الجمعية المغربية لمكافحة السيدا، بدأت فاطمة تتقبل تدريجيا حياتها الجديدة، ونسجت علاقات صداقة مع مرضى حاملين للفيروس، يعيشون حياتهم بشكل طبيعي. بعد رحيل والدهم، لا يعلم الأبناء الثلاثة لفاطمة أنها حاملة للفيروس القاتل، ولكي لا تثير قلقهم تحرص على تناول العلاج الثلاثي يوميا مرتين في اليوم بعد أن تعمد إلى تغيير علب الدواء بأدوية أسبيرين والجهاز الهضمي. «ما يحتاج إليه حاملو فيروس السيدا هو الدعم المعنوي من العائلة والمحيط، فنظرة المغاربة إلى المصابين بالمرض احتقارية للأسف ويفضل الجميع الابتعاد عنك وقطع علاقته بك»، تقول فاطمة بنبرة أسى. لا تقتصر هذه النظرة السلبية تجاه حاملي الفيروس على أفراد المجتمع محدودي التعليم، بل تمتد إلى الطبقة المثقفة التي تدرك جيدا أن انتقال المرض يتم عن طريق الاتصال الجنسي أو الدم. وتتابع فاطمة معلقة: «كنت في زيارة لطبيب العيون من أجل فحص دوري، كان تعامل الممرضة معي جيدا، لكنها ما إن علمت بإصابتي بالإيدز حتى تغير سلوكها فجأة تجاهي وبدأت تتجنب الاقتراب مني قدر المستطاع». بعد أن كانت مجرد ربة بيت تهتم بأسرتها وبيتها، أخرج المرض فاطمة من سجن الجدران الأربعة وأصبحت متطوعة نشيطة في الجمعية المغربية لمكافحة السيدا التي تدين لها بالفضل الكثير في ما حققته طيلة عشر سنوات، ويبقى حلمها الوحيد أن تعيش لكي ترى أبناءها وقد شق كل واحد منهم طريقه في الحياة، وأن تتغير طريقة تعامل المجتمع مع المصابين بالفيروس لتصبح أكثر إنسانية وتفهما. تبلغ نسبة النساء المصابات بالسيدا حوالي 39 في المائة، وكشفت مؤشرات انتشار الفيروس في المغرب عن نسب مغايرة، واحتفظت جهة سوس ماسة درعة بالمرتبة الأولى وطنيا مسجلة نسبة 22 في المائة، تليها جهة مراكش تانسيفت ب16 في المائة، ثم جهة الدارالبيضاء 14 في المائة. هذا يعني أن 52 في المائة من حالات الإصابة مركزة في 3 مناطق فقط، إضافة إلى أن 80 في المائة من الحالات تنتقل عبر الاتصالات الجنسية بين الرجل والمرأة، و4 في المائة بسبب المخدرات، ونقل الدم الملوث 1 في المائة. عندما يصاب الإنسان بفيروس نقص المناعة البشرية، يأخذ الفيروس في مهاجمة جهاز مناعته، وهو أجزاء الجسم التي تقاوم الالتهاب. ويقتل الفيروس ببطء خلايا جهاز المناعة، حتى يصير الجسم عاجزا ً عن الدفاع عن نفسه حيال الجراثيم. ومع أن الشخص المصاب قد يشعر بأنه في صحة جيدة لفترة قصيرة، تتراوح بين خمس وعشر سنوات بعد الإصابة بالفيروس، فإن جهاز مناعته يكون قد فقد في هذه الأثناء الكثير من الخلايا الكافية لمقاومة الجراثيم، التي لا تسبب المرض عادة. ولما كان الفيروس يستغرق سنوات ليجعل المصاب به يحس بوطأة المرض، فإن معظم المصابين بفيروس الإيدز يشعرون بأنهم على ما يرام ولا يعرفون أنهم حاملون للفيروس. يصاب الشخص بالإيدز عندما يصبح جهاز المناعة في جسمه ضعيفا لا يقوى على مقاومة الالتهابات والأمراض. وتختلف علامات السيدا باختلاف الأشخاص، وقد تختلف لدى النساء عنها لدى الرجال. وغالبا ما تكون العلامات التهابا مزمنا ً مع بعض الأمراض العادية الأخرى. وتستطيع التغذية الجيدة وبعض الأدوية أن تساعد جسم المصاب على مقاومة الالتهابات التي يسببها الإيدز، فتعيش (أو يعيش) مدة أطول. لكن لا علاج شافيا للإيدز. فبعد مدة، تتزايد الأمراض على الشخص المصاب بفيروس الإيدز حتى يصبح الجسم أوهن من أن يقوى على العيش. المتابعة الحكومية لتطور الداء تستمر طيلة أيام السنة، وأكدت وزارة الصحة أن تطور داء السيدا بالمغرب «ضعيف جدا»، إذ لم يتجاوز عدد الحالات المؤكدة3.034 حالة، وذلك على مدى 23 سنة، أي منذ 1986 إلى حدود يونيو 2009. ويستفيد جميع المصابين من العلاج الثلاثي بالمجان، كما يستفيدون من التطبيب في ما يخص الأمراض الانتهازية. يؤكد البروفيسور المهدي قرقوري ل«المساء» أن الفحص الطوعي في المراكز الصحية المتخصصة يجعل من السهل تشخيص السيدا في فترة مبكرة ويضمن علاجا أحسن للمصاب، مشيرا إلى أن أكثر من نصف الحالات المكتشفة يتم تشخيصه في المستشفيات. وأضاف قرقوري أن الجمعية المغربية لمكافحة السيدا تنجز أزيد من 80 في المائة من الفحوصات الطوعية عبر مجموع التراب المغربي في مراكزها العشرين القارة وحافلاتها المتنقلة التي تجوب مختلف البوادي وضواحي المدن، مما يمكّن، حسب رأيه، من إجراء 20 ألف تحليلة في السنة والتي تبقى ضعيفة إذا ما قورنت بفرنسا (5 ملايين تحليلة سنويا). وحول أنظمة التحاليل والفحوصات الخاصة بالسيدا، أفاد قرقوري بأن المغرب يتوفر على تكنولوجيا متقدمة في هذا المجال وتستجيب للمعايير الدولية، وهي تستجيب للاستراتيجية التي تدعو إلى مضاعفة عدد الأطباء المتطوعين للإشراف على التحاليل المخبرية والاقتراب من الفئات الأكثر تعرضا للداء. وقد بلغت نسبة الإصابات بالإيدز إلى غاية يونيو الماضي 83 في المائة في الوسط الحضري و11 في المائة في الوسط القروي، فيما مثلت نسبة الإصابة بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم ما بين 15 و49 سنة حوالي 84 في المائة، و22.300 مغربي إيجابيو المصل. قصة محمد مع الإيدز تبدو مختلفة تماما، فهو منذ أن علم بإصابته بالفيروس سنة 2003 إثر علاقة جنسية غير محمية، أخبر كل أفراد عائلته بمرضه. يقول محمد ل«المساء»: «أصابهم الحزن لفترة، لكنهم سرعان ما وقفوا إلى جانبي وساندوني، كما أنهم حريصون على أن أتناول الدواء بشكل منتظم». تعرض هذا الشاب ذات يوم إلى جرح بليغ في أصبعه، وفاجأته شقيقته التي أمسكت بالجرح النازف وضمدته رغم علمها المسبق بأن السيدا تنتقل عن طريق الدم. «لن أنسى ما قامت به أختي وشقيقي الذي نظف الغرفة التي تلوثت بالدماء النازفة من أصبعي، تعاملهما الطيب معي يجعل معنوياتي مرتفعة لكي أقاوم المرض». بعد أن فكر في الارتباط والاستقرار، اختار الزواج من شابة حاملة لفيروس الإيدز، وينتظران ولادة أول طفل لهما، واحتمالات أن يولد سليما مرتفعة جدا لكونهما يتناولان الأدوية المناعتية. لا يزال نصف النساء الحوامل المصابات بفيروس نقص المناعة البشري في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط يفتقرن إلى الأدوية المضادة للفيروسات التي من شأنها أن تنقذ حياتهن وتحول دون انتقال الفيروس إلى أجنتهن. الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها محمد دفعته إلى تقديم طلب الاستفادة من قرض معفى من الفوائد لدى الجمعية المغربية لمحاربة السيدا، ولا يخفي في المقابل استياءه من كون العديد من المشغلين لا يفضلون توظيف أشخاص مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة.. وأوضحت وزيرة الصحة ياسمينة بادو، في ردها الأسبوع الماضي على سؤال شفهي في مجلس النواب حول شمولية معالجة مرض فقدان المناعة المكتسبة، أن عدد الحالات، التي يخضع أصحابها للعلاج الثلاثي مجانا من طرف وزارة الصحة، يبلغ حاليا 2.251 حالة، كما أقرت الوزارة برنامجا للعناية النفسية والاجتماعية بالمصابين، يعد أول مبادرة من نوعها في إفريقيا والشرق الأوسط. أصيب كريم، 24 سنة، قبل ثلاث سنوات بفيروس السيدا وما إن تلقى نتائج التحاليل الإيجابية حتى راودته فكرة وضع حد لحياته. أقام هذا الشاب علاقة جنسية مع إحدى ممتهنات الجنس دون وقاية، وازدادت معاناته بعيشه بعيدا عن عائلته بعد أن غادر منزل الأسرة إثر خلافات عائلية. عادت البسمة إلى محيا كريم بعد أن زار مقر الجمعية المغربية لمكافحة السيدا والتقى بأشخاص مصابين بالداء، مما خفف عنه وجعله يحس بنوع من الارتياح. «لا تستطيع أن تكشف عن إصابتك بالمرض أمام الجميع، كلنا يخشى نفور الآخر منه، لذا ننسج نحن المرضى علاقات خاصة مع بعضنا البعض ونتضامن في ما بيننا»، يقول محمد ل«المساء» قبل أن يضيف: «لم أعد قادرا على حمل الأثقال كما في الماضي، لكن مناعتي مازالت جيدة، لا أتناول العلاج الثلاثي حاليا وأتابع التحاليل الطبية المجانية لدى الطبيب المشرف على حالتي في مستشفى 20 غشت بالدارالبيضاء. لا نحتاج سوى للدعم من المحيطين بنا لأننا مثلهم ومن حقنا أن نحلم ونعيش». يرتكز المخطط الاستراتيجي الوطني 20072011 على توفير المجانية في التكفل بمرضى السيدا، من خلال تعميم العلاج الثلاثي والمراقبة الوبائية، بفضل ما عرفته شبكتها من توسيع، وتأسيس نظام لمراقبة التعفنات المنقولة جنسيا، فضلا عن الاهتمام بالإعلام والتربية والتواصل والتحسيس، في إطار مقاربة تشاركية على المستوى الوطني والجهوي، والاعتماد على التربية والتثقيف، بشراكة مع المنظمات غير الحكومية والقطاعات الحكومية ذات الطابع الاجتماعي، خاصة وزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب. ومن المنتظر أن تغطي هذه الاستراتيجية مليون شخص في متم سنة 2011، وسيتم التركيز على تعزيز أنشطة المشورة الطبية، وتشخيص فيروس فقدان المناعة المكتسبة، مع احترام حقوق الأشخاص المعنيين، من خلال إنجاز 150 ألف اختبار في أفق سنة 2011، وتوفير وسائل العلاج الملائمة والمقاومة لهذا الداء، ثم إحداث هيئة إشراف قائمة بذاتها، يعهد إليها بمهام التدبير والتنسيق.