سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصابات ب«الإيدز» يمارسن الدعارة من أجل الانتقام من المجتمع وحاملون للفيروس يعتبرون أنفسهم «قنابل قابلة للانفجار» مرضى يتهمون الجمعيات العاملة في مجال مكافحة السيدا بالاتجار بآلامهم
وراء كل مصاب بالسيدا حكاية. وكل حكاية تختلف عن الأخرى من حيث تفاصيلها، وشخوصها، وظروفها، لكنها حكايات لها خيط واحد يربط بينها: التمييز، التهميش، العار والمعاناة اليومية داخل مجتمع يعتبر المصاب بالسيدا عقابا إلهيا، وليس ابتلاء وقدرا قد يصاب به أي شخص، لأنه إذا كان الاعتقاد السائد لدى العامة هو أن الإصابة بالسيدا لا تتأتى إلا عبر علاقات جنسية، فإن العلماء أبانوا أن المرض قد ينتقل عبر طرق أخرى مثل الحقن غير المعقمة التي يستعملها الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات أو عبر آلات أو شفرات الحلاقة وغيرها. الحكايات التي ننقلها اليوم هي حكايات أشخاص كان قدرهم أن ابتلوا بهذا الداء. البعض اختار أن يكشف عن هويته بدون خوف أو خجل، والبعض الآخر فضل العكس مخافة العار الذي يلاحق المصابين بهذا الداء. هناك لوبي يتاجر بالمرضى جمال خليل مصاب ومتعايش مع داء فقدان المناعة المكتسبة منذ 21 سنة عندما كان يدرس في جامعة السربون الشهيرة بفرنسا. لم يكن جمال خليل يعلم أنه مصاب، وكانت الصدفة هي التي قادته إلى معرفة ذلك. كانت الانتفاضة الفلسطينية في أوج عنفوانها، وكانت المستشفيات الفلسطينية آنذاك تعيش خصاصا رهيبا من حيث الدماء من أجل إسعاف جرحى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. تقدم جمال خليل إلى إحدى المستشفيات بناء على نداء من جامعة السربون من أجل منح الدم للشعب الفلسطيني. العينة التي أخذت له كشفت عن إصابته بمرض الإيدز. شكل الخبر صفعة لجمال خليل، الذي كان متزوجا من فرنسية أنجب منها بنتا. لكنها بعدما علمت بأنه مصاب بالمرض انفصلت عنه، وعاد وحيدا إلى المغرب يجر أذيال الخيبة. وهنا ابتدأت معاناته من جديد مع المرض ورؤية المجتمع المغربي للمريض، وأيضا طريقة تعامل المنظمات المدنية المعنية بالتعريف بالداء والوقاية منه. المصاب بالسيدا تعترضه عدة عراقيل وصعوبات في المغرب. من خلال تجربة جمال خليل فإن العراقيل الأولى التي يصطدم بها هي العمل. «أنا اليوم عمري 45 سنة ليس لدي شغل، حاصل على شهادات تخول لي الحصول على وظائف مهمة هنا، فأنا حاصل على ديبلوم في الاقتصاد تخصص التأمين، ومع ذلك في كل مرة أقدم فيها طلبي من أجل الحصول على عمل، يقولون لي إن العائق هو السن، ولكني أعرف الحقيقة: المرض هو العائق الأول»، يقول جمال خليل الذي يطلق عليه رفاقه لقب «المناضل». «يهتمون بنا لمدة يومين، أما ال363 يوما فنعاني فيها». يعرف جمال خليل الكثير من الخبايا عن هذه المنظمات، فهو كان رئيسا سابقا لجمعية «النهار». يقول جمال خليل الذي يكاد وجهه النحيف يختفي وراء لحية كثة، «أعرف خبايا هذا العالم، تعطي للمريض فرصة للكلام مرة واحدة في العام، أو يتحدثون عن المريض لكي يحصلوا على الدعم من المنظمات العالمية كصندوق الدعم الدولي لمحاربة السيدا والملاريا والسل، والأمم المتحدة لمحاربة السيدا». لا يتوفر مرضى السيدا بالمغرب على تغطية صحية. ويعتقد جمال خليل أن هذه نقطة سوداء يتعين إيجاد حل لها. يقول: «صراحة عندما نسمع بعض المسؤولين يتحدثون عن تحمل مصاريف المرضى بالسيدا، تظن أنهم يأخذون الأمور بكل جدية. لدي عرق منتفخ منذ أربعة أشهر، ولم تتم معالجته لحد الآن. أنا تانمشي وتانجي على عرق منتفخ. بينما نرى أن دولا أخرى ظهر فيها مرض السيدا في نفس الفترة التي ظهر فيها بالمغرب، مثل فرنسا والجزائر، تمنح المرضى كل الحقوق بما في ذلك حقوقهم المدنية. وتقع المسؤولية الأولى على جمعيات المجتمع المدني العاملة في هذا الميدان. فنحن لا نرى إلا الزواق، لا نكاد نرى شيئا حقيقيا ملموسا. سنفعل، سنقوم، سنبني، سوف، سوف، سوف، بينما هناك جمعية مثل جمعية للاسلمى لمحاربة السرطان جاءت في مدة وجيزة وحققت مجموعة من الحقوق. ففي ظرف سنتين حققت العديد من الإنجازات وأصبح المرضى يحصلون على الدواء بالمجان، بينما نحن وصلنا للمحاكم ومخافر الشرطة وأخذنا نصيبنا وحصتنا من العصى، لأننا طالبنا بحقوقنا، وبأن تقدم لنا فاتورة الحسابات، لأننا نريد أن نعرف الأموال الضخمة التي تجمع، نريد أن نعرف أين تذهب. هناك لوبي في المغرب يتاجر بالمرضى، شجعونا بأن نظهر وجوهنا ونذكر أسماءنا لكي يجمعوا الأموال»، ويضيف جمال خليل قائلا: «الصالح العام هو أن تحافظ الأمة المغربية على شبابها، والكل يعلم أن الفئات المتضررة هي ما بين 15 سنة و39 سنة، يعني أن العمود الفقري للأمة المغربية تتم المتاجرة به من طرف أطباء متخصصين وبعض مختبرات الدواء». أية امرأة تقبل الزواج بحامل للسيدا؟ «لماذا لم تتزوج؟»، عندما طرح هذا السؤال على محمد، بلا تردد أجاب بطرح سؤال آخر: «من هي المرأة التي ستقبل الزواج برجل يحمل فيروس داء فقدان المناعة المكتسبة». ويضيف قائلا: «أريد أن أتزوج، ولكن الله غالب. آخذ الدواء وأحس بنفسي بصحة جيدة. لكي يعثر المريض المصاب على امرأة تقبل الزواج به وهو بدون سكن ومريض بالإيدز، فإن ذلك صعب للغاية خاصة بالمغرب. أعيش مآساة الزواج، يصعب أن تجد امرأة غير مصابة تتزوج بها، هناك حل وحيد هو أن أتزوج امرأة مصابة بالسيدا. عندما كنت في جمعية ضد المخدرات بإسبانيا، تعرفت على أشخاص مصابين بالسيدا ومتزوجين بأخريات غير مصابات ويلدون أبناء أسوياء غير حاملين للفيروس». بداية التسعينيات من القرن الماضي، سافر محمد إلى إسبانيا من أجل العمل. كان شابا في مقتبل العمر يبحث عن السعادة في بلاد الأغراب. اشتغل في عدة مهن، وتنقل بين عدد من المدن الإسبانية، خاصة مدريد وبلنسية. كان يتعاطى المخدرات بشكل كبير، وبسببها دخل السجن، وبسببها أيضا انتقل إليه مرض الإيدز عبر الحقن. «كنت أتعاطى المخدرات، وربما انتقل إلي مرض السيدا عبر حقن الهيروين. اكتشفت إصابتي بالسيدا عن طريق الصدفة. فقد كانت هناك عادة في السجن بإسبانيا أنه عندما يدخل المرء السجن تجرى له فحوصات وتحاليل، وخضعت لنفس الإجراءات، فاكتشفوا في العينة الأولى من الدم إصابتي بالداء، ثم قاموا بتحاليل ثانية فتأكدوا بالفعل أني مصاب بالسيدا». بعد خروجه من السجن، ظل يعيش بإسبانيا ويحصل على الدواء والمساعدات من بعض الجمعيات. غير أنه منذ ثلاث سنوات، عندما حاول تجديد أوراق إقامته، رفضت السلطات الإسبانية ذلك بسبب سوابقه العدلية، فقامت بإرجاعه إلى المغرب، ومنذ ذلك التاريخ وهو يعيش رفقة عائلته الصغيرة، ويعيش في سرية تامة، فهو يخفي مرضه، ولا يتحدث بشأنه مع الآخرين، ويتقاسم الهموم فقط مع المصابين. وحتى عندما قبل التحدث إلى الصحافة، طلب أن يبقى اسمه مجهولا، وهويته غير معروفة. «نعيش في سرية تامة، عندما يعلم شخص بأنك مصاب بالسيدا يحاول أن يتفادى الحديث إليك، وكأنك مصاب بالجرب». «مضطرة لممارسة الدعارة من أجل العيش» عائشة اسم مستعار لامرأة في الخامسة والأربعين من العمر ترفض هي الأخرى أن تكشف عن هويتها مخافة العار والفضيحة اللذين يلاحقان مرضى السيدا، وخاصة النساء منهم. قليلون فقط يعرفون بأنها مصابة بالسيدا، حتى بالنسبة لولديها (بنت وابن). حكايتها بسيطة ابتدأت عندما اكشفت بأنها مريضة بالسيدا، وقتها كانت تعمل طباخة عند أحد المواطنين السعوديين بالدار البيضاء. تعيل عائشة، المطلقة من زوجها قبل أن تصاب بالمرض، طفلين. ولكن تكاليف الحياة من كراء ولباس ومصاريف المدرسة أثقلت كاهلها، خاصة أنها فقدت عملها كطباخة بعدما اكتشف المواطن السعودي بأنها مصابة بالمرض. اشتغلت لبعض الوقت بإحدى الجمعيات العاملة في مجال محاربة داء السيدا، غير أنها طردت منها هي الأخرى، ولم تجد ملاذا لها إلا في بيع جسدها للآخرين. «ابناي لا يعرفان ما أقوم به، أخرج زوال كل يوم من أجل أن أبحث عن قوتهما» تقول وقد اغرورقت عيناها، وتضيف قائلة «أنا ملزمة باستعمال العازل الطبي، أنا خايفة من الله اللي خلقني، أعرف بنات يمارسن الدعارة يقلن إنهن ليس لديهن أي مدخول، فهن يخرجن من أجل الحصول على 200 أو 300 درهم، يأخذنها وينمن مع الشخص بدون عازل طبي. لسان حالهن «أنا ما سوقيش». نريد أن يكون هناك حل لهذا الأمر، لأن هناك تخوفا من أن تقع كارثة بالمغرب. عندما سيصبح آلاف البشر مصابون بالمرض، حينها لن نعثر على الدواء، هناك من له ضمير لا يتعاطى الفساد، ولكن بنات كثيرات يتعاطين الدعارة بدون استعمال العازل الطبي». رأي خديجة المصابة بالإيدز منذ 2005، لا يختلف عن رأي عائشة. فهي كذلك تحدثت مع نساء كثر مصابات بالإيدز يمارسن الجنس بدون استعمال العازل الطبي. «بالنسبة إلي لا أتعاطى الدعارة ولم أمارس قط الفساد» تقول خديجة. البداية كانت سنة 2001، عندما اختفى زوجها عن الأنظار ولم يظهر له أي أثر منذ ذلك الحين، بالرغم من المحاولات التي قامت بها من أجل العثور عليه. لكنها ظلت دائما تتساءل عن السبب في هذا الاختفاء المفاجئ للزوج تاركا لها ابنا بالرغم من أن علاقتهما كانت عادية ولم يكن يشوبها أي تشنج باستثناء المشاكل العائلية بين كل زوجين. بمرور الأيام بدأت صحة خديجة تتدهور بشكل كبير، ذهبت إلى الأطباء واستشارتهم بشأن حالتها، إلا أن لا أحد منهم اكتشف سبب هذا التدهور. وظلت على هذا الحال حتى عام 2005، عندما تدهورت حالتها بشكل كبير ولم تعد تقدر على العمل، ذهبت مرة أخرى لإجراء تحاليل، لكن في هذا المرة عرفت السبب، وعرفت أنها مصابة بداء السيدا، وحينها عرفت سبب اختفاء زوجها المفاجئ. «لم أعرف في حياتي إلا زوجي. عندما اكتشفت أني مصابة بالسيدا عرفت السبب الذي دفعه إلى الاختفاء. أول رجل عرفته هو زوجي. وحتى الآن لا أمارس الجنس». طردت من العمل بعدما منحوها مبلغ ثلاثة ملايين سنتيم. خبر مرضها أخفته عن عائلتها بما في ذلك أمها التي تقف إلى جانبها. تقول خديجة «أمي لا تعرف حقيقة مرضي، وإخوتي كذلك. يعرفون فقط أني مصابة بمرض خطير، ابنتي فقط هي التي تعلم بمرضي. وأحمد الله أنها غير مصابة بالداء».