عبد الصمد الديالمي / د. علم الاجتماع : "" الرجل عندما يفكر في الفعل الجنسي يصبح غير عقلاني رغم علمه بإمكانية إصابته "بالسيدا" يرى الديالمي أن المجتمع المغربي يعاني من النفاق الاجتماعي، وبرهن على قوله بالإشارة إلى أن العاملات الجنسيات يلعبن دورا مهما كحل غير مهيكل لمشكل البطالة التي يعانيها المغاربة، لكن هذا العمل، في اعتقاده وبما أنه اختيار له سلبيات، ومن بينها تفشي الأمراض بما فيها مرض السيدا الذي يحول حاملاته إلى منبوذات اجتماعيا من قبل الزبون الذي يبعنه تجارتهن أو من قبل الأسر التي تعتبر أن ضمها لمريض السيدا يعد سبة في حقها. مجموعة من النساء اللواتي التقيتهن يمارسن الدعارة، وهن مصابات بالسيدا، يبررن أن ممارستهن للجنس التجاري راجع لضيق ذات اليد، كيف تبدو لك هذه الظاهرة؟ أولا وقبل كل شيء دائما أقترح عدم استعمال كلمة الدعارة، لماذا؟ لأنها كلمة فيها تحقير واحتقار لمجموعة من النساء. وفي الواقع هنا أتحدث عن نفاق المفاهيم، فكلمة دعارة فيها نفاق مجتمعي، فالمجتمع المغربي وكل المجتمعات العامة تنتج هؤلاء النساء بالجملة نظرا لأوجه متعددة، وهؤلاء النساء يقمن بأدوار جد ضرورية لسير المجتمع ودونهن سيعرف المجتمع أزمات. ما نوع الأزمات التي سيعرفها؟ مثلا الشباب غير المتزوج لن يجد مع من يمارس الجنس، هذه أزمة يمكن أن تحدث، وهؤلاء النساء يجنبن المجتمع هذه الأزمة، إذن المجتمع ينتج هؤلاء النساء وهو في حاجة إليهن، ومع ذلك يصفهن بأقدح النعوت، وبالتالي فالمفهوم فيه نفاق وأقترح أن لا نستعمله ونعوضه بمصطلح العاملات الجنسيات، حينما نتبنى هذه الزاوية لابد لنا من أن نقر بأن هناك عملا بالجسم والجسد، وبالتالي توظيف الجسد في هذه العلاقة الجنسية المتاجرة، يعني أن المرأة التي تلجأ إلى هذه الوسيلة هي في حاجة إلى ذلك، ليس لها بديل وهي تبيع جسدها للحظات ما أو لليلة ما لأنها في حاجة إلى مال لكي تعيش، ولكي تعيل أسرة، وبالتالي فأنا أتفق تماما مع قول هؤلاء النساء، بأنهن يمارسن العمل الجنسي أساسا بدافع اقتصادي محض. قلتم إن تواجد هؤلاء النسوة هو أساسي للمجتمع؟ حتى كلمة نسوة فيها احتقار، يجب أن نكون حذرين على مستوى تحديد المصطلحات. قلتم إن لهؤلاء العاملات الجنسيات دور مهم في المجتمع، ألا ترى أنهن يحملن فيروسا قاتلا؟ بالتأكيد كلمة العمل الجنسي لها أيضا مخاطر، وكلمة "العمل" كما لو اختيار، فعندما تقارن المرأة بين ما تربحه وهي تمارس الجنس وبين ما تربحه عندما تشتغل في البيوت كخادمة أكيد هناك إغراءات كبيرة، ولهذا فإن المرأة تختار العمل الجنسي دون أن يكون ذلك الاختيار في واقع الأمر صحيحا، نظرا لحجم المشاكل التي تبرز لدى هذه المجموعة من النساء كتفشي الأمراض، فهذا شيء ناتج عن عمل الجنس في حد ذاته لأنه عمل غير مقنن أو منظم، فالمجتمع المغربي ينتج العمل الجنسي، والدولة المغربية أو الإدارة المغربية على علم بوجود هذا العمل، وهي تنتفع منه ماديا لكنها لا تعترف به قانونيا، وهناك فصول تجرم العمل الجنسي وبالتالي فهو عمل غير منظم وغير مراقب وغير معترف به، وهذا الجانب هو الذي يجعل منه مصدر مشاكل. هؤلاء النساء يقلن إنهن لم يتلقين أي تأهيل لا من قبل الدولة الممثلة في وزارة الصحة، ولا من قبل الجمعيات التي تعمل في مجال محاربة السيدا ولا من قبل المجتمع، وبالتالي فهن يشعرن وكأن هذه الأطراف كلها تشجعهن على نشر المرض، ما رأيك في هذا القول؟ طبعا، الدولة تقوم بحملات لاعتقال هؤلاء النساء رغم أنهن يقلن إذا منحتنا الدولة عمل ما سنتوقف عن هذا النشاط، فالدولة لا تقترح شيئا آخر، وقلت في مناسبات عديدة،، إن العمل الجنسي هو حل ما للبطالة من طرف الشباب ومن طرف النساء، أي أن العمل الجنسي هو حل غير مهيكل وغير منظم وغير معترف به كبديل عن البطالة، وبالتالي فمن الواضح أنه لو أعطيت فرص عمل ومناصب شغل للنساء وللشباب لتخلى هؤلاء العاملين عن هذا النوع من العمل، هذا واضح، لكن هذا لا يعني أن الدولة أو المجتمع يدعون صراحة أو بشكل فني لنشر الفيروس دون إرادة، فالوضع البنيوي لهؤلاء النساء داخل المجتمع يجعل منهن ناقلات للفيروس بشكل موضوعي رغم حسن النية أو المقصد، إذ إن وضعهن الاجتماعي وطبيعة العمل وعدم المراقبة الصحية كل هذا يجعل منهن ناقلات للفيروس داخل المجتمع. يتوزع زبناء هؤلاء العاملات الجنسيات بين المثقفين والأميين ومن فئات اجتماعية مختلفة، فقراء وأغنياء وأيضا عزاب ومتزوجين، كيف تنظر إلى هذه المسألة؟ هذه ملاحظة تعطي وزنا لما قلته في البداية، إن العاملة الجنسية تساعد المجتمع "الإبيسي" على الاشتغال وعلى السير، وهذا شيء قاله "انجلز" منذ القرن التاسع عشر، لأن المجتمع الإبيسي والازدواج الأحادي في الأسرة لا يمكن أن يسير إلا بوجود عاملات جنسيات يلبين رغبات جنسية لا تلبى داخل الأسرة، وبالتالي نجد أن العزاب يلجؤون إلى العاملات الجنسيات، ولكن الرجال المتزوجين بدورهم، أساسا يستعملون هذه الطريقة لتلبية حاجيات جنسية لا تلبى داخل إطار الزوجية، وبالتالي لو لم تكن هؤلاء السيدات في المجتمع لحدثت أزمات داخل الأسرة وانفكت العديد من الأسر، فهذا شيء طبيعي أن يلجأ الرجل الزوج إلى العاملة الجنسية لأنه لا يفكر بشيء إنساني أو فلسفي، أي أنه يشتري شيئا لا يشترى، بل يعتقد أنه يتصرف بشكل عفوي وبشكل عادي مادام غنيا أو لديه مال ولديه احتياجات خاصة، وبالتالي فهو ينقض على هذه الفرص ويستغلها إلى أبعد الحدود. تحدثت من قبل عن ضرورة تقنين العمل الجنسي كما هو عليه في بعض الدول الأوروبية، ما رأيك في قول هؤلاء النساء المصابات بالسيدا إنهن يطلبن من زبنائهن أن يستعملوا العازل الطبي ويرفضون؟ الأمر لا يتعلق بالرفض وإنما الغشاء الواقي له صورة خلفية داخل المجتمع ولدى الرجال لأنه يحد من متعتهم ويحد أيضا من القدرة على الانتصاب، الكثير من الرجال حينما يطلب منهم وضع الغشاء الواقي، لا يستطيعون الانتصاب وبالتالي فالرجل يفضل أن لا يضع هذا الغشاء لكي لا يفقد انتصابه، فالغشاء هو إن صح التعبير يحد من قدرة الرجل وبالتالي فالرجل عندما يفكر في الفعل الجنسي يصبح كائنا غير عقلاني، يفضل أن لا يعرف ضعفا جنسيا، رغم أنه على علم ووعي بأنه من الممكن أن يصاب بفيروس السيدا، فأمام الاختيارين وهذا ليس مفارقة، رغم أنه مفارقة جلية من حيث المنطق، لأن السلوك الجنسي سلوك غير منطقي، فالرجل في سلوكه الجنسي نجده يفكر بشكل غير عقلاني، يفضل الإصابة عن عدم الانتصاب، ثم إنه يفكر بشكل آخر غير علمي كذلك، بقوله إن السيدا قد تصيب الآخرين أما أنا فلن أصاب، ثم يقول مع نفسه بأن هذه المرأة بالنظر لهيئتها الخارجية يتضح أنها غير مصابة، فلماذا سأحرم نفسي من متعة؟ هذا إلى جانب كون شراء الغشاء مكلف كذلك ماديا، ثم اقتناء العازل الطبي من الصيدلية يدخل في نطاق "حشومة" للرجل، هذه كلها اعتبارات متعددة تتراكم في نفس اللحظة وتجعل من الغشاء الواقي شيئا يسعى الرجل إلى اجتنابه رغم وعيه وعلمه أن خطر الإصابة وارد. ارتبطت صورة المرأة المغربية في مخيلة الإخوان العرب بأنها امرأة "داعرة"، الآن وقد أضيفت إليها صفة الداعرة المصابة بالسيدا بعد أن رحلت مغربيات من سوريا، الإمارات وليبيا.. حاملات لفيروس السيدا، كيف تبدو لك هذه الصورة؟ كل المجتمعات العربية تعرف العمل الجنسي، إما بشكل علني صريح كما هو الحال في المغرب، أو بشكل منظم كما هو في تونس مثلا، لكن في اعتقادي ما يميز المغرب هو أن العمل الجنسي أخذ أبعادا كثيرة، وأن الأسرة أصبحت تساهم فيه بشكل كبير، الآباء، الأمهات، الإخوان، الأخوات، كل هؤلاء يدفعون الفتاة نحو العمل الجنسي، فانتهاء الشعور بالكرامة أو الشهامة من أجل لقمة الخبز أو من أجل الإثراء السريع، ثم أن هذا الاستعداد المجتمعي الناتج عن ظروف اقتصادية قاهرة لا يجد مانعا له من طرف أخلاق دينية أو أخلاق مدنية، فالأخلاق الدينية في أزمة كبيرة والأخلاق المدنية لم تنشأ بعد، فالكثير من الناس يقولون إنهم مسلمون، فالقول بالإسلام اليوم بدأ يأخذ طابعا سياسيا أكثر مما هو طابع أخلاقي، فعندما أقول اليوم أنا مسلم أعني أني أريد أن أصل إلى السلطة السياسية باسم الإسلام، هذا يعني أنني أتبنى أخلاقا معينة من بينها رفض العمل الجنسي، كما أني لا أتبنى موقف المواطن الصالح الذي يقوم بواجبات وله حقوق اجتماعية واقتصادية تجعله يتجنب بيع جسده لأنه متشبث بأخلاق المواطنة، وهذه اعتبارات أقولها الآن بعجالة تجعل من المرأة المغربية كائنا هشا أمام الإغراءات المادية الكبيرة، حيث إن هذه الإغراءات أتت من دول عربية شقيقة، نفطية قضت على كل الحواجز الأخلاقية واستغلت التسامح الدولتي خلال الثمانينات والتسعينات وحتى تشكلت أمثلة كثيرة استفادت من المال الخليجي، هنا أو هناك، وكل هذا أصبح نموذجا لفتيات أخريات، هذه أشياء كما قلت أصبحت حديث الكل وأصبحت نموذجا للوصول السهل، الكل يستفيد منها الفتاة والأسرة، الدولة، القبيلة إن صح التعبير وبالتالي هناك شبكات منظمة استفادت من هذا الوضع واستغلت فتيات مغربيات من أجل تصديرهن نحو دول الخليج ونحو أوروبا فنشأت شبكات المتاجرة بالأجساد التي يمكن أن تكون تتويجا لمسلسل اجتماعي عفوي وأن تكون استجابة لحاجيات الناس، ويمكن لهذه الشبكات نفسها أن تنتج الحاجة إلى العمل الجنسي وأن تنتج العاملات الجنسيات، وكل هذا يتأتى في دولة مثل المغرب. جل هؤلاء العاملات الجنسيات الحاملات لفيروس السيدا لا يستطعن البوح لزبنائهن ولا عوائلهن، ألا ترى أن انتشار ثقافة الكتمان ستزيد من انتشار الفيروس؟ هذا شيء واضح، إن فيروس داء فقدان المناعة المكتسبة، هو فيروس يقتل صاحبه اجتماعيا أولا، لأن حامليه غير مرئيين اجتماعيا ولأن البوح به يعني الإقصاء والتهميش، يعني الموت الاجتماعي، فالبوح به للزبون يعني أن الزبون سيخاف ويبتعد ولن يشتري تلك اللذة من تلك المرأة وبالتالي لابد من إخفاء أمر الإصابة، والبوح للأسرة بهذا المرض يعني فقدانها لأنها لا تعرف طبيعة الفيروس وطرق انتقاله وبالتالي فمجرد العيش في نفس المكان مع الشخص المصاب يعني للأسرة أن الإصابة سوف تعمم، فهي تعتقد أن الفيروس ينتقل من نفس الكأس أو من نفس اللباس أو التواجد داخل نفس الغرفة، هذه أشياء تجعل الأسرة تخاف وترفض الشخص المصاب بالفيروس، ثم هناك الصورة السلبية التي يحملها حامل الفيروس، فهو يعني أن له نزوعات جنسية غير أخلاقية وبالتالي لا أخلاقيته تنعكس على الأسرة التي ترفض بأن تنعت بأنها أسرة لا أخلاقية لأنها تضم إنسانا لا أخلاقيا، وبالتالي يتم رفض ذلك الشخص حتى ولو كان قريبا جدا من الأسرة.