تستعرض البروفيسور حكيمة حميش حكاية تأسيس الجمعية المغربية لمحاربة السيدا، والصعوبات التي اعترضتها في سبيل ذلك، وكيف أن المسؤولين كانوا يمنعون نشر أخبار هذا الداء الفتاك حتى لا يكون لذلك تأثير سلبي على السياحة. - أثرتِ في الحلقة الماضية الرقابة التي كانت تمارسها وزارة الصحة على الأطباء لمنعهم بشكل قطعي من نشر مقالات حول الأمراض المعدية. كيف كانت ردود الأفعال في ما يخص السيدا؟ < كنا خائفين مع وجود أمراض أخرى، قبل السيدا، من طرد الأطباء للسياح. فكيف تتصورون الأمر مع السيدا؟ انطلق من وزارة الداخلية التساؤل: ما هذا المرض؟ لم تكن هناك سوى بضع حالات ولا مجال للحديث عنها. لم نكن نتكلم في الثمانينيات للمغاربة عن أشياء يمكن أن تخيفهم أو تزعجهم. إن والي الدارالبيضاء الكبرى، مطيع، هو الذي وضع ثقته فينا ودفعنا للسير قدما عن طريق منح الترخيص لأنشطتنا. وبكل صراحة، فقد فاجأني دعم الوالي، لكن يجب أن أعترف بأننا لم نواجه أي عراقيل على مستوى وزارة الداخلية منذ تأسيس الجمعية. كان الترخيص يمنح لنا في كل مرة نطلبه فيها من أجل مؤتمرات، مسيرات، حملات لمركز تشخيصنا المتنقل. - كيف كنتم تعملون من أجل «حماية الرأي العام»؟ < عملنا خلال مدة طويلة على سبيل المثال مع رجال كانت لهم علاقات جنسية مع أمثالهم، لكننا لم نكن نصرح بهذا في المغرب. لم يكن بوسعنا فعل ذلك إلا في الخارج في مؤتمرات دولية. لم نتحدث طيلة سنوات لوسائل الإعلام الوطنية عن ذلك حتى نتمكن من متابعة عملنا. كان ذلك مهما بالنسبة إلينا. نعلم أنه لم يكن ممكنا أن نتحدث عن هذا الأمر في المغرب إبان تلك الفترة. نادرا ما أمارس الرقابة الذاتية، غير أنه لم تكن هناك، والحالة هذه، أي مصلحة في الحديث عن المرض لأننا كنا نخاف أن يُمنع نشاطنا. وعليه، عملنا خلال سنوات مع مهنيي الجنس، رجالا ونساء، دون أن ننبس ببنت شفة. كنا نعيش مع كل مريض مأساة. أتذكر رجلا شابا ضحت عائلته بالكثير من أجل أن يتابع دراساته بالخارج. كانت أسرته جد فخورة به عندما عاد إلى المغرب ليعمل في وطنه الأم في مستهل التسعينيات. شيئا فشيئا بدأت تظهر عنده أعراض السيدا التي شخصها طبيب جراح في إحدى مصحات الدارالبيضاء. نادى ذلك الطبيب أبا المريض، أمه وأخواته اللواتي كن جميعهن يرتدين الحجاب وقريباته.. ومازلت أتذكر أنه أمام كل هؤلاء قال لهم: «ابنكم مصاب بالسيدا وهو شاذ جنسيا». لن أنسى أبدا سلوك ذلك الأب الذي بقي إلى جانب ابنه إلى حين وفاته وكذلك فعلت الأم. لن أسامح أبدا ذلك الطبيب الجراح الذي فعل ذلك، ولن أنسى أيضا ذلك الرجل الشاب الذي توفي وهو لايزال يتابع علاجه في قسمي. كان قد وصل إلى مستوى متقدم من المرض مع الأسف. لدينا الكثير من المشاكل من هذا القبيل. المرضى الأوائل، ولم يتجاوز عددهم في تلك الفترة العشرين شخصا، تتبعت حالاتهم عن كثب. أما اليوم، فإنني أتوفر على فريق من 5 إلى 6 أطباء يتابعون عددا معينا من المرضى. - يعاتب عليك زملاؤك الأطباء نضالك من أجل محاربة السيدا وتأسيسك الجمعية المغربية لمحاربة هذا الداء؟ < كان من اللازم النضال حتى يتولى الأطباء أمر المرضى بالسيدا بكيفية منتظمة. رفضهم راجع بكل بساطة إلى الجهل. نذكّر الأطباء الذين يترددون في تتبع حالة شخص يعاني من السيدا بأنه من واجبهم أن يتخذوا احتياطاتهم وأن هذه الأخيرة هي قاعدة عامة مهما تكن طبيعة المرض. ونقول لأولئك الأطباء: من قال لك إنه من بين المرضى الذين ستفحصهم خلال عشرة أيام يوجد واحد ليس حاملا للفيروس ولم يتم بعد تشخيصه؟ ثم إن هناك التهابات الكبد الفيروسي التي تعد قابلية العدوى أكثر 100 مرة مقارنة بالسيدا. يجب أن يأخذوا احتياطاتهم وألا يرفضوا أبدا مريضا بدعوى خطر الإصابة بالفيروس. كثيرا ما يتفادى الأخصائيون العمل مع مرضى السيدا. ربما أن هذا الأمر خطأ ارتكبناه، لأننا لم نتمكن لضيق الوقت من إعلام الأطباء بالاحتياطات الواجب اتخاذها. - أحيت السيدا المد الإسلامي، كيف عشت تلك الفترة؟ < منذ المحاضرات الأولى المنظمة في الجامعات، كان هناك دائما ملتحٍ يقف وسط الجمهور ويقول لنا: «لسنا محتاجين إلى محاضرتكم أو نصائحكم. إننا في بلد مسلم ويكفي أن نلتزم بمبادئ الإسلام لنكون محميين من السيدا». جوابي وجواب الجمعية المغربية لمحاربة السيدا، كان دائما يأتي كالتالي: «نتفق معكم على أن شخصا ليست له علاقة جنسية لا يواجه أي خطر، وأنه إذا كان الزوجان أو الشريكان غير حاملين للفيروس ووفيين لبعضهما (أسطر على ذلك) فليس هناك أي مشكل. الفرق بيننا وبينكم (الإسلاميون) يتمثل في كونكم تنظرون إلى المجتمع مثلما تريدونه أن يكون، ونحن ننظر إليه كما هو. نعلم أن هناك شبانا يغامرون كل يوم، ومن واجبنا، بصفتنا أطباء وفاعلين من المجتمع المدني، ألا يصبح هؤلاء الأشخاص مرضى.