تتميزون داخل الجمعية المغربية للشباب ضد السيدا بكونكم تركزون أنشطتكم أكثر على مستوى الواقع، وتلتقون بفئات واسعة من المجتمع، في إطار التوعية بمخاطر هذا الداء الفتاك. حبذا لو حدثتمونا أكثر عن هذا الموضوع.. تتمحور أنشطة الجمعية حول هدف تحسيس وتوعية المواطنين عامة والشباب خاصة، بمرض الإيدز، وتسليط الضوء على كيفية انتقاله، وعلى الطرق الأنجع لتجنبه والوقاية منه، وذلك بنهج أسلوب يقرب الموضوع إلى المواطنين بعيدا عن الغموض والتعقيد. فنحن نبسط الخطاب ما أمكن، واستعملنا اللهجة المغربية الدارجة، إلى جانب اللهجة الأمازيغية في نشر مطبوعاتنا ومطوياتنا حتى نصل إلى أكبر عدد ممكن إلى المواطنين. إضافة إلى ذلك، ولتحقيق هدف القرب دائما، لم نكتف بالجلوس وراء كراسي جمعيتنا نستقبل الزوار الذين قد يأتون أو قد لا يأتون، بل نزلنا إلى الشارع منذ تأسيس جمعيتنا عام 1993 بواسطة الكشك المتحرك، وقمنا بعدة جولات في مناطق مختلفة من المغرب. ونحن نحاول ما أمكن داخل جمعيتنا أن نصل إلى المواطنين بشكل مباشر، لذلك، فإن أنشطتنا توجهت إلى كل من له علاقة بموضوع الإيدز من بعيد أو قريب، من أطفال الشوارع، إلى الأطفال العاملين إلى المومسات إلى ربات البيوت... إلخ. فنحن نعتبر أن التوعية هي من حق الجميع، وبالتالي من واجبنا أن نصل إلى الجميع، لعلنا ننجح يوما ما في التخفيف من وطأة هذا الداء الخبيث. ولضمان فعالية أكبر في أدائنا، شاركنا في عدة دورات تكوينية داخل المغرب وخارجه، واستطعنا توفير دليل لتكوين الأعضاء وتطوير نشاطهم وتحركهم، والحمد لله، نرى أننا نحقق يوما عن يوم الأهداف التي سطرناها، ونأمل في تحقيق المزيد في المستقبل. قضية الدعم الأجنبي وزاوية محاربة الإيدز من المؤكد أن أنشطة متنوعة وبهذا الحجم تحتاج إلى تمويل كاف لضمان استمراريتها أولا وفعاليتها ثانيا. فكيف تتدبرون أمر التمويل، هل الدولة تقوم بما عليها في هذا الموضوع، أم لكم علاقات مع جمعيات أخرى تعطيكم الدعم الذي تطلبونه؟ الذي أستطيع أن أؤكده، هو أن الجمعية المغربية للشباب ضد السيدا لا تتلقى أي دعم من طرف السلطات الرسمية، رغم أننا قدمنا كل الأوراق الضرورية لذلك، واستجبنا لجميع الشروط المطلوبة قانونا. وبصراحة فقد يئسنا من الدعم الرسمي، لذلك قررنا البحث عن صيغ تمويل بديلة، ونجحنا في توفير دعم رئيس نتلقاه من طرف الصندوق العالمي لمحاربة داء السيدا والملاريا في إطار برنامج دعم يمتد من شهر أبريل 2005 إلى الشهر نفسه من عام 2007 ويقدر مبلغ الدعم بحوالي: 55 مليون سنتيم. ونحن داخل الجمعية، نستثمر مبلغ الدعم هذا في تمويل أنشطة الكشك المتحرك بالدرجة الأولى لأهميته الكبرى، أما باقي الأنشطة، فنتعاون مع جمعيات أجنبية خاصة الفرنسية منها لتمويلها، هذا بالإضافة إلى بعض التبرعات التي نجمعها بين الفينة والأخرى داخل جمعيتنا. بصفة عامة، ألا ترى أن التمويل الأجنبي يمثل عائقا في وجه أداء الجمعيات المغربية عموما، وجمعيتكم خصوصا، من حيث إنه يفرض وجهة نظر معينة في مواجهة مشكل الإيدز، لا تتوافق بالضرورة من قيم المغاربة وأسس هويتهم؟ أول ما أريد التركيز عليه هو أننا نعتبر نفسنا شبابا مغربيا مواطنا.. نحن فخورنا بديننا، وبتقاليدنا، وبمبادئنا وقيمنا. وأعتقد أن هذه المبادئ وهذه القيم، هي حصانة كافية لنا ضد التوجهات التي قد تراد لنا إما بشكل مباشر أو غير مباشر. طبعا هم يساعدوننا في التمويل بعد أن عانينا من انعدام دعم المسؤولين في بلادنا لنا، لكن هم يمولون أنشطتنا، ونحن نختار الطريقة والأسلوب الأنسب لإيصال رسالتنا للمواطنين في إطار سياسة القرب. ولا يمكن أن يكون ذلك الأسلوب مخالفا لمبادئنا بأي حال من الأحوال. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فنحن أولا وأخيرا جمعية، وليس لدينا من الإمكانيات والصلاحيات إلا ما يساعدنا في القيام بما نخططه من أهداف تناسبنا حجمنا وإمكانياتنا، والتي يمكن تلخيصها في التوعية أولا وأخيرا. وهذا طبعا لا يمثل حلا جذريا لمشكل الإيدز في بلادنا، بل نحن نقوم بدورنا كجمعية وكمجتمع مدني، ثم يقع على عاتق الدولة المسؤولية الكبرى في استئصال الظاهرة عموما عبر معالجتها من شتى النواحي التنموية والاقتصادية والتربوية والأمنية. فمثلا حينما نتحدث إلى المومسات، فأقصى ما نستطيع أن نوصله لهن هو توجيههن وتوعيتهن، والتوضيح لهن بأنه بإمكانهن إيجاد بديل لما يقمن به. أما الأسباب التي دفعتهن إلى هذا الوضع، فأعتقد أنه على الدولة إيجاد جواب لهذا السؤال، حتى يمكن القضاء على هذه الظاهرة في مهدها. فما الذي يمنع هؤلاء المومسات حقيقة من إيجاد بديل لما يقمن به؟ ألا يمكن توفير حلول بديلة مهما كانت بدائية لهن؟ أعتقد أن الجواب واضح، وهذا من مسؤوليات الدولة بالدرجة الأولى. أتمنى أن تسارع أجهزة الدولة لوضع حد لهذا الموضوع قبل أن نجد أنفسنا في مواجهة كارثة وبائية لا حول لنا إزاءها ولا قوة. تتحدث بعض الإحصائيات الرسمية عن 1839 حالة مصابة بالإيدز في المغرب، أنتم من خلال تحركاتكم على مستوى الشارع، كيف تنظرون إلى هذا الرقم؟ يجب على الجميع أن يعلم، أننا حينما نسمع مثل هذه الإحصائيات، فيجب أن نفهم أن الأمر متعلق بعدد الأشخاص الذين زاروا المؤسسات الصحية التابعة للدولة، عن طيب خاطرهم، ويخضعون لعلاج منتظم داخل المستشفيات. أي أن الرقم الحقيقي الذي يضم كلا من المصابين بالمرض ولا يخضعون للعلاج، والأشخاص الذين يحملون الفيروس، هو رقم لا يعلمه إلا الله. وهنا نتساءل مرة أخرى عن دور الدولة، وهل تتحمل المراكز الصحية مسؤوليتها في التواصل مع المواطنين بالقدر الذي يمكنها من معرفة الحقيقة كما هي في الواقع، بعيدا عن التقارير الجاهزة التي تكتب من على الكراسي الوثيرة. ما هو تقييمكم لدور وزارة الصحة في محاربة الإيدز؟ من المهم الإشارة إلى أن الدور الرئيس في محاربة الإيدز اضطلعت به جمعيات المجتمع المدني، فرغم أن وزارة الصحة بدأت الحديث عن برنامج وطني لمحاربة السيدا منذ 1985 إلا أن هذا البرنامج بقي قاصرا وناقصا. لكن هذا لا يعني أن الوزارة لم تقم بأي شيء، بل تبنت عدة إجراءات إيجابية منها توفير العلاج بالمجان للمصابين بالإيدز، وتجهيز بعض المراكز الصحية، وتسهيل مهمة إجراء التحاليل الخاصة بالمرض... أي أن هناك إجراءات إيجابية وفرتها الوزارة وننتظر منها الكثير بطبيعة الحال. ومن بين ما ينتظر من الوزارة توفير وتجهيز عدد من المراكز الصحية عبر مختلف مناطق التراب الوطني، وضمان إجراء التحاليل الأولية للمواطنين المغاربة في الظروف المناسبة وخاصة ما يتعلق بمسألة السرية. معارك وهمية؟ ألا ترى أن الجمعيات التي تقول إنها تحارب الإيدز، ومعها الوزارة الوصية أيضا، تغرق نفسها في معركة خاسرة مع طواحين الهواء، على اعتبار أنها تختزل تحركها في مواجهة مظاهر الداء، ولا تنفذ إلى عمق الأسباب التي تؤدي إلى انتشاره؟ فمثلا لماذا لا تحارب ظواهر الميوعة والخلاعة التي هي من مسببات العلاقات غير الشرعية، ولماذا لا تحارب ظواهر الانحلال والشذوذ الجنسي، ولماذا تندر في بلادنا الجمعيات التي تعنى بالتربية، ولماذا لا يتم إيجاد حل للمشكل الاقتصادي الذي يؤثره بدوره في انتشار هذه الظاهرة، ولماذا لا يتم إيجاد حل جذري لإشكالية الدعارة بمختلف مظاهرها، ...إلخ. بصيغة أخرى، ألا نجد أنفسنا في الأخير من خلال الاستراتيجية التي تتبعها الجمعيات حاليا، بعيدين عن المعركة الحقيقية؟ مما لا شك فيه أن مرض الإيدز كان فرصة للحديث عن عدد من المواضيع التي لم يبدأ الوعي بها سوى في الفترة الأخيرة. فمن ضمن حقوق الإنسان الضرورية، هو حق الإنسان في أن يعيش بعيدا عما نسميه بالفتنة والإغراء الجنسي، وحقه في أن لا نؤذي مشاعره بالسماح بظهور الشواذ جنسيا في الأماكن العمومية علنا، وحقه في أن لا نهدد سلامته عبر السماح بوجود المومسات بشكل علني بالقرب منه... طبعا أنا أتحدث من وجهة النظر العامة، وإلا فنحن كجمعية تحارب الإيدز نتعامل مع كل الفئات السابق ذكرها ولا نقصي أحدا... لكن نحن نعيش داخل دولة إسلامية، ومثل هذه الظواهر التي تمس بحقوق الإنسان يجب أن تزول، وهذه وسيلة ناجعة لمحاربة الداء نفسه. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فأعتقد أن الكثيرين من الناس الذين يقولون إنهم يحاربون الإيدز، تلقوا تكوينهم خارج الوطن، وعاشوا لفترة طويلة خارج البلاد. وبالتالي فنظرتهم لمعالجة المشكل لا تنسجم ومعطيات الواقع المغربي بكافة تمظهراته. فالأكيد أن استراتيجية انقل/إلصق أو ما يعرف بcopier coller ليست بالاستراتيجية الناجحة، فلكل مجتمع خصائصه التي لا يجب القفز عليها، ولكل بيئة الظروف التي يجب أخذها بعين الاعتبار خلال أي تحرك، ولا يكفي أن نرى سياسة معينة في بلد معين لمحاربة الإيدز، ثم نستوردها كما هي ونحاول تطبيقها في بلدنا حرفيا. فبلدنا له تقاليد وله أعراف وقيم لا يمكن بحال من الأحوال تجاوزها. فمثلا نحن نتعامل في إطار أنشطتنا مع الشخص الشاذ جنسيا، ونحاول توعيته بمخاطر المرض الفتاك. لكننا نرى من الزاوية المقابلة أنه يجب النفاذ إلى عمق المشكل الذي يتلاءم مع قيم المغاربة، فإذا كان الإيدز هو ظاهرة القرن العشرين، فلا يجب أن نصنع من الشذوذ الجنسي ظاهرة القرن العشرين أيضا، وذلك عبر تهييء الأرضية للاعتراف به رسميا كحرية شخصية. لا أبدا، فلا بد أن نسعى لمعالجة الشواذ، نفسيا وتربويا واقتصاديا وأمنيا، لمساعدتهم في تجاوز المشكل الذي هم فيه، وهذه هي السياسة الحقيقية لمحاربة الإيدز. وتهييئ الأرضية للاعتراف بحرية الشذوذ هي تشجيع حقيقي لاستمرار الإيدز و انتشاره. تلتقون بشكل منتظم مع فئات متنوعة داخل المجتمع، من مومسات إلى أطفال شوارع إلى شرائح مهمشة، ما مدى تقبل هذه الفئات للخطاب الذي تقدمونه في محاربة الإيدز؟ بصفة عامة، ومن خلال تحركنا على مستوى الشارع هناك فئتان: الفئة الأولى تتقبل الخطاب، وتزورنا بانتظام، وتستفيد من حملات التوعية والتوجيه التي نقوم بها، وهناك فئة ثانية ترفض الخطاب رفضا تاما، وتفضل مواجهة المجهول بدون وعي ولا توجيه. وهذه الفئة عادة ما تصرخ في وجهنا قائلة إذا أردتم أن تحاربوا الإيدز حقا، فلتحاربوا الجوع أولا، ولتحاربوا الفقر، ولتحاربوا السكن العشوائي، ولتحاربوا التهميش والإقصاء، ولتحاربوا الأمية والجهل.. وهذه مطالب مشروعة وهي الأسس الحقيقة لمحاربة الإيدز.. وهي مسؤولية الدولة قطعا، أما نحن كجمعيات مجتمع مدني فدورنا وإمكانياتنا لا تسمح لنا سوى بالنصح والتوعية والتوجيه. جمعية محاربة داء السيدا تحتكر الدعم والأضواء تعمل في حقل محاربة الإيدز عدد من الجمعيات، ويتحدث البعض عن مشاكل كبيرة تؤزم العلاقات بينها. كيف تنظرون إلى هذا الموضوع؟ في اعتقادي أول ما يجب قوله حين نتحدث عن الجمعيات هو الاعتراف بالدور الإيجابي الذي قامت به وما تزال، في توعية شرائح مختلفة من المواطنين بمرض الإيدز، حيث اشتغلت على مستوى الواقع، وتحركت بين المواطنين، وأوصلت رسالتها إليهم. وما تنبغي الإشارة إليه، هو أن عدد الجمعيات التي تعمل في مجال محاربة هذا الداء هي قليلة جدا، ولذلك نحن نرحب بأي مبادرة جديدة لتأسيس جمعيات أخرى تعمل في الميدان نفسه، لأننا بصراحة محتاجون لأفكار وطاقات جديدة، حتى يكمل بعضنا دور بعض، ويسد كل واحد الثغرة التي تأتي من جانبه، في أفق القضاء على الداء نهائيا، أو على الأقل الحد من انتشاره والتخفيف من وطأته. لكن من جانب آخر، هناك مشاكل عديدة تعاني منها بعض الجمعيات العاملة، وتستدعي حلولا عاجلة لوضح حد لها. من بين تلك المشاكل على سبيل المثال، انعدام التنسيق بين الجمعيات وعدم وجود صيغ للتعاون بينها، إلى جانب احتكار الدعم من طرف البعض على حساب البعض الآخر. فقضية الإيدز هي قضية وطنية، والإيدز منتشر في مناطق المغرب المختلفة، ويحتاج من الجميع التعاون لمواجتهه. فليس هناك جمعية وحيدة هي التي تقوم بكل شيء والآخرون يغطون في نوم عميق، بل هناك جمعيات تعمل بجد ونشاط، لكن مع الأسف تقصى من الدعم بدون مبررات. ويمكن أن أؤكد أن هناك جمعية وحيدة في المغرب تحتكر الدعم، وتستفيد من الأضواء الإعلامية، هي جمعية محاربة داء السيدا بزعامة الدكتور حكيمة حميش. وأعود فأكرر بأننا في حاجة لجمعيات جديدة، لكن هناك رسالة أرى من الضروري أن أوجهها لها، وهي أن مشكلة الدعم ستبقى عرقلة حقيقية تعطل مسيرتهم بل وتهددها، في ظل احتكار البعض له، لدرجة أن هذا البعض يسلك كل المسالك لحرمان الآخرين من أي دعم قد يحلمون به. وجمعيتنا مثلا تعرضت لكثير من الهجومات خارج المغرب بالخصوص، تم خلالها تشويه مواقفنا واتهامنا باتهامات باطلة، الغرض منها حرماننا من المساعدات التي تأتينا. وأضرب مثالا على ذلك ما وقع لنا في لقاء الجمعيات الفرنكفونية الذي عقد بفرنسا عام ,2001 والذي اتهمنا فيه بالمس بحقوق الإنسان خلال أنشطتنا ضد الإيدز، كما اتهمنا بإقصاء بعض الفئات خلال عملنا، وهذا أمر غير صحيح بتاتا. لذلك نحن قررنا الرد على كل هذه الأساليب، والدفاع عن حقنا المشروع، وتقديم كل الوثائق التي توضح مواقفنا كما هي دون زيادة أو تشويه. كلمة أخيرة... أولا أقول لكل الفاعلين الجمعويين أن عهد الاحتكار قد ولى، وأن عهد الديمقراطية قد جاء ولا بد أن نتفاعل معه، حتى نقوي أداءنا في مواجهة هذه الكارثة العالمية على أسس علمية وواقعية مضبوطة. وبالنسبة لمواجهة الإيدز، فسنستمر في محاربته بالتوعية والتوجيه وأعتقد أن هذا هو دورنا، أما الباقي، فهو من مسؤولية الدول دون شك.