عندما بدأت عمليات تغيير حاويات القمامة في المدن المغربية ووضع حاويات ثقيلة يستحيل قلبها على ظهرها بركلة رِجْل، حدثت صدمة، صدمة الآلاف من الذين يحترفون عمليات البحث في هذه الحاويات، لأنه لم يعد في استطاعتهم دفع الحاويات بأرجلهم والبحث عما بداخلها ثم تركها على حالها كسلحفاة مقلوبة على ظهرها والتوجه نحو حاويات أخرى لفعل الشيء نفسه. قبل بضع سنوات، لم يكن الناس يشاهدون هذه المشاهد المقززة لأشخاص احترفوا التنقيب في براميل الأزبال بهذه الطريقة المخجلة؛ لكن في السنوات الأخيرة بدا وكأنها صناعة جديدة ظهرت فجأة في البلاد وصار عشرات الآلاف من المواطنين يقتاتون منها. الناس يعرفون أن لا أحد من هؤلاء المنقبين وسط القمامة يبحث عن كسرة خبز، فهذه البلاد لا أحد فيها يموت جوعا بشكل مباشر، ومن يريد أن يأكل فسيجد الأكل في أي مكان، لكن من يريد أن يتحشش أو «يتبوقل» أو يحقن نفسه بالمخدرات الصلبة، فعليه أن يدفع أولا، وهذه أحد الأسباب التي جعلت الآلاف من الناس يحترفون البحث في براميل القمامة، لأنهم يريدون توفير ثمن الجرعة اليومية من الهيروين عبر إعادة بيع أي شيء يجدونه. عدد المدمنين على المخدرات الصلبة في المغرب يفوق كل التوقعات، وهناك عدد كبير من الذين بدؤوا إدمانهم بالماريجوانا التي لا تتجاوز تكلفتها اليومية حفنة من الدراهم، ثم تحولوا إلى الكوكايين الذي يتطلب الحصول على الغْرام الواحد منه دفع قرابة ألف درهم، وعندما انسدت أمامهم الأبواب عادوا إلى استهلاك الهيروين، وهو مخدر صلب رخيص، لكنه مدمر بشكل لا يخطر على بال. في الماضي، كان مستهلكو المخدرات الصلبة من أعيان القوم وأغنياء البلاد، وهؤلاء لا تؤثر فيهم على الإطلاق ألف أو ألفي درهم يوميا لاقتناء جرعات المسحوق الأبيض؛ لكن مع توالي الشهور والسنين، لم تعد مافيا المخدرات الصلبة تقنع بهذه الشريحة من الزبائن المحدودين، فوسّعت بشكل كبير هامش زبائنها، إلى درجة أن هناك اليوم عاطلين كثيرين يجب أن يحصلوا على مصروف يومي من والديهم أو عائلاتهم من أجل الحصول على الجرعة اليومية. خريطة زبائن المخدرات الصلبة في المغرب توسعت بشكل رهيب، وأصبحت تبدأ من كبار الأغنياء وتصل إلى أشخاص يسرقون طنجرة والدتهم من فوق النار ويخرجون لبيعها وهي ممتلئة بالعدس أو اللّوبْيا، وذلك من أجل توفير ثمن جرعة هيروين رديئة. في هذه البلاد، لا شيء يتوسع ويزدهر بنفس الطريقة التي تتوسع وتزدهر بها أرقام معاملات مافيا المخدرات الصلبة.. إنها مافيا رهيبة تشتري كل شيء وأي شيء، إلى درجة أنها صارت ترسم مستقبل وصورة المجتمع المغربي، والدليل على ذلك هو هذه الجحافل من الباحثين في القمامة الذين يريدون توفير ثمن جرعتهم اليومية. مافيا المخدرات لا تهدد فقط صحة وسلامة عقول المغاربة، بل تهدد أيضا أمن البلاد، والدليل هو الارتفاع المهول في السرقات واعتراض سبيل المارة، وأغلب الذين يقومون بذلك مدمنون لا تهمهم الطريقة التي يحصلون بها على ثمن جرعتهم، لذلك عندما نرى هذا التسيب الأمني المستفحل فيجب أن ندرك أن التسامح مع مافيا المخدرات الصلبة له دور أساسي فيه، لذلك نسمع، في مرات كثيرة، عن القبض على تاجر مخدرات صلبة صدرت في حقه الكثير من مذكرات الاعتقال ولم يعتقل إلا في المرة 101. هل من المعقول أن تصدر في حق تاجر مخدرات صلبة عشرات من مذكرات الاعتقال ولا يتم العثور عليه بينما هو يعيش داخل البلاد ويتنقل بسيارته في كل مكان ويجلس في المقهى المعتاد وله رقم هاتفي معروف وعنوان واضح؟!! في المغرب أماكن معروفة جدا يقف على بابها كل يوم عشرات المدمنين للحصول على جرعاتهم اليومية. تخيلوا منازل لبيع المخدرات الصلبة تفتح أبوابها في ساعات محددة كل مساء وتستمر في عملها حتى ساعات الصباح الأولى، منازل يعرفها جميع المدمنين.. إلا الأمن. في ملاهي ومراقص البلاد تباع المخدرات الصلبة كما يباع اللبن في الأسواق الأسبوعية، وفيها فتيات قاصرات يبعن أجسادهن كل ليلة من أجل جرعة، ثم نتساءل لماذا كل هذا الارتفاع في ممارسة الدعارة بالبلاد؟ مع أننا نعرف الأسباب كاملة غير منقوصة، لكننا نمارس معها ما تمارسه النعامة مع الصياد، ونحن أمامنا صيادون كثيرون يستهدفون حاضر ومستقبل هذه البلاد. تجار المخدرات الصلبة أخطر عدو لهذه البلاد، وإذا كانت تهمة الخيانة العظمى يُعاقَب عليها بالإعدام لأنها أكبر تهديد لأمن وسلامة ومستقبل الوطن، فإن أفراد مافيا المخدرات الصلبة هم أكبر من يمارسون الخيانة العظمى في حق هذا الوطن وشعبه وأجياله الحاضرة والمستقبلية، ولا نعرف أبدا لماذا يتم استثناء أعضاء مافيا المخدرات الصلبة من تهمة الخيانة العظمى، مع أن الجرائم التي يرتكبونها في حق هذه البلاد وشعبها تستحق إعدامهم أكثر من مرة.. وشنقهم بأكثر من حبل!