«الاتحاد الاشتراكي» خاضت مغامرة الغوص في تجارة الهيروين، وانتقلت بين مدن الشمال لتكتشف الطرق السرية لسلعة الموت. طرق تقصف المغاربة برا وجوا وبحرا بيوت واطئة، وعليها آثار الفقر تتنشر بحي بني مكادة. هنا طنجة أخرى، حيث الفقر والإدمان، والبزناسة أصبحوا شيعا. كل منهم يبيع سلعته الخاصة. بعد مروجي الحشيش، الذين تشتهر بهم المنطقة، ظهرت فئة أخرى من البزناسة. هؤلاء يبيعون سلعة ثانية، تنخر أجساد شباب وكهول وأطفال ونساء لا تفرق بينهم. وتخلق الكثير من المآسي في بيوت، مغاربة، لا يتوقفون عن حكي قصصهم بحرقة. قد يتفهم البعض تواجد «بزناس» يبيع الحشيش في زاوية كل حي من أحياء عاصمة البوغاز .. ويربط ذلك لقرب الأخيرة من أماكن زرع وتصنيع الحشيش في عاصمته، كتامة. وأيضا ل «الروابط التاريخية» التي تجمع المغاربة بهذا المخدر. لكن أن تتحول الأزقة الهامشية للمدينة، ولأخواتها بالشمال إلى أسواق كبرى لبائعي الهيروين، فإن ذلك يطرح أكثر من سؤال حول منابع الحقن المميتة، هل هناك طرق سرية يخترق منها الهيروين الأراضي المغربية؟ أم هي صناعة محلية؟ قرب السوق الشعبي الصغير ببني مكادة، عشرات الأشخاص بملامح منهكة، وملابس مهلهلة، يقفون في جماعات صغيرة. لم يأتوا هنا إلا من أجل أنواع مختلفة من الهيروين أتت إلى طنجة من مختلف أماكن العالم. برا وبحرا وجوا. فالشمال المغربي، في السنوات الأخيرة، أصبح سوقا لكل أنواع الهيروين. يصطف هؤلاء الذين ملامحهم الكئيبة واحدة، وشعرهم الكث واحد، وحتى ابتسامتهم المتعبة واحدة، في طابور. انتظار الموزع طويلا أربك بعضهم وأفقدهم إحساسهم بسبب ظهور الأعراض الانسحابية عليهم، أحدهم يستل سكينا ويتوعد شخصا آخر على مبعدة منه. يقول إنه أثار غضبه، لكن سرعان ما تعود المياه إلى مجاريها في أقل من عشر دقائق ويتصالح المتخاصمان. بمجرد ما يصل الموزع الصغير «البزناس»، حتى يصطف المدمنون في طابور طويل، حاملين ثمن الجرعات، التي يتراوح ثمنها مابين 25 و30 درهما وحتى 50 درهما، للجرعة الواحدة. ينتظرون دورهم لاقتناء المخدر الصلب. لم تتطلب عملية «البيع» بين الموزع وزبائنه الذين يبدو على بعضهم علامات نفاد الصبر، سوى دقائق معدودة. ليغادر بعدها أزقة الحي متوجها إلى رقعة ثانية وثالثة، لأن حصار أجهزة الأمن فرض أن تتم عملية البيع في دقائق معدودة. حاولت «الاتحاد الاشتراكي» الحديث، إلى الموزع الصغير، لكنه رفض وركب دراجته النارية مخلفا الغبار، رغم أن مرافقنا يعرفه ويثق فيه. ولولاه لما ولجنا هذه المنطقة من المدينة، حيث تنتشر مظاهر العنف والجريمة. لم تيأس «الاتحاد الاشتراكي» ودلنا مرافقنا على وجهة الموزع الثانية. التحقنا به، نحاول أن نقتفي خطى هذا الموزع المعروف باسم حسن بين المدمنين. شرح لنا مرافقنا أن الاسم مستعار، ويستعمله للهروب من أعين الأمن التي تحارب هذا الشكل من الجريمة المنظمة، التي غزت شوارع طنجة. تتحرك السيارة التي تقلنا إلى مكان آخر. تخترق السيارة الشوارع الضيقة، ونصل إلى منطقة خلاء قريبة من شاطئ مالاباطا، هنا نضطر إلى إيقاف محركات السيارة مسافة بعيدا عن مكان الموزع، ونتابع العملية مجددا. ينزوي هذا الذي نلاحقه، في ركن لا يصله إلا الراجلون ويعد بمثابة «قلعة محصنة» لبيع الهيروين. ليتكرر نفس المشهد، بيع وشراء جرعات الهيروين، وطابور للمدمنين ينتظرون دورهم. بعد تردد يقرر الموزع المذكور الدخول معنا في لعبة «السين والجيم»، بعد أن أقنعه مرافقنا. لم يخف حسن أنه مدمن، هو الآخر على الهيروين، وارتباطه بموزع أكبر منه مرتبة، دفعه إلى القبول بلعب دور «الديلر» مقابل الحصول على جرعاته اليومية من المخدر السام. يقول محدثنا: «لا يوجد خيط ناظم بين أباطرة ومافيات ترويج هذا المخدر والموزعين المتوسطين منهم والصغار»، مضيفا: «هذا ما يفسر في العديد من الأحيان اعتقال وسطاء بين أباطرة المخدرات الصلبة بحوزتهم جرعات من الهيروين، فيما يبقى الأباطرة الكبار في منأى عن الضبط والتفكيك، إلا إذا ما تم حجز شحنات كبيرة كانت في طريقها إلى المملكة في الممرات السرية التي يعتمدها مروجو الهيروين» الخطر القادم من باب سبتة «كيف يصل هذا المخدر السام إلى المغرب؟»، تسأل «الاتحاد الاشتراكي». فتأتي الإجابة من مصدر الجريدة: «الكل في طنجة يعلم أن الهيروين يأتي عبر باب سبتة». نعاود السؤال من جديد: «طيب وكيف يمر من باب سبتة إلى طنجة». يجيب المتحدث نفسه: «الموزع الذي أتعامل معه له ارتباطات بموزع آخر وسيط مع تجار الهيروين والمخدرات الصلبة يعبرون بها من باب سبتة عبر الفنيدق ثم تطوانفطنجة، هذا كل ما أعلمه، وعلى العموم لا يهمني أبدا هذا الأمر لأن ما يشغلني يوميا هو توفير جرعاتي اليومية من الهيروين». سلماذا ينتشر الهيروين في مدن الشمال بالضبط؟»، تسأل «الاتحاد الاشتراكي» محمد الصالحي، نائب رئيس جمعية مساندة مركز الطب النفسي حسنونة بطنجة وطبيب نفسي لعلاج الإدمان، الذي يجيب بالقول إن «الهيروين منتشر في مدن طنجةوتطوانوالناظوروالحسيمة، لأن انتشار هذه السموم في مدن الشمال يرتبط بقربها من مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين والدور الذي يلعبه بعض المهاجرين المغاربة في نقلها إلى المغرب». إنه نفس الجواب الذي قدمه حسن، موزع الهيروين بالتقسيط، ليأتي التأكيد القطعي من مصدر أمني، فضل الإجابة عن تساؤلات «الاتحاد الاشتراكي» بعيدا عن آلة التسجيل، والذي أثار الانتباه إلى أن «هناك مسلكا يمر عبره المهربون ينطلق من باب سبتة، وهذا ما يجعل من مدن الشمال أكبر المناطق استهلاكا لمخدر الهيروين في البلاد، خصوصا بعد أن تم تشديد الخناق على مافيات الاتجار في الحشيش». ويفسر المصدر ذاته، أن المناطق الحدودية دائما ما تعرف هذا النوع من عمليات تهريب المخدرات، وهو نفس الأمر الذي يشبه تهريب الأقراص المخدرة إلى المغرب انطلاقا من الجارة الشرقية للبلاد. يهرب الهيروين أولا عبر باب سبتة الحدودية. وينقل على متن السيارات عبر طرق داخل المغرب وجدت فيها مافيات عالمية ضالتها لترويج المخدر السام من الدول الأوربية إلى المغرب. فبعد أن تصنع الهيروين الأفغانية التي يطلق عليها الكحلة، في مختبرات المافيات الأفغانية تنقل عبر أوربا إلى المغرب. وفي رحلتها تمر من هولندا وبلجيكا و إسبانيا لتنقل إلى البلد. علما أن الهيروين تضاعف إنتاجه بشكل مهول منذ الغزو الأمريكي للأفغانستان. الكمية الضخمة، أجبرت المافيات على إيجاد أسواق جديدة. وبما أن المغرب يحاذي أوربا، وتوجد شبكات تقليدية للتهريب بين الضفتين، أضحى المغرب هدف مروجي الهيروين الأمثل بالقارة الأفريقية، وأيضا بلد عبورها إلى أنحاء أخرى من العالم. لا أحد يعلم بالضبط حركة الهيروين، واتجاهاتها ولا أين تنتهي هذه الطرق. الأهم أنها تصل إلى المغرب، عبر السيارات القادمة من الدول الأوربية أو تمر منه. هنا تبرز قضايا عدة تورط فيها مواطنون مغاربة مقيمون بالخارج وأجانب. عمليات الضبط تأتي أحيانا ثمارها، ويتم تقفي خيوط شبكات للترويج الدولي. كمثال على هذا مهاجر مغربي أوقفته السلطات الأمنية، وهو يحاول تهرييب 24,5 كيلوغراما من مخدر الهيروين إلى التراب الوطني ضمن أجزاء سيارته الخفيفة. التحقيق المطول مع المتهم، و البحث الذي أنجزته أجهزة الأمن أبدى نجاعته ليتم كشف شبكة دولية للمهدرات. عملية الحجز في إطار هذه القضية سمح بالتعرف على مستقبل الشحنة المحجوزة من الهيروين، والذي يتاجر بها داخل مدن الشمال، ومزوده الرئيسي الذي يقطن بالديار الهولندية. اتضح إذا من عملية حجز صغيرة وعادية، أن ترويج الهيروين أعقد، ومنظم على المستوى الدولي. وبعدا أن عممت السلطات الأمنية المغربية مذكرة للبحث عن المتهم، اكتشف شركاء آخرون له. ونتج عن تعميم الأمر الدولي بإلقاء القبض عليه إحالة أفراد آخرين من العصابة أمام القضاء. رغم نجاح العمليات التي تسهر عليها السلطات الأمنية، فإن عدة مافيات تجد من الشمال موطنا لنشاطاتها الخارجة عن القانون. وتتمركز أغلبيتها الساحقة بمدن وقرى الشمال. أجهزة الأمن تمكنت من إحباط العديد من محاولات تهريب الهيروين إلى المغرب، إذ وصلت نسبة حجز حقنات الهروين خلال شهر يناير من سنة 2012 بالعرائش، مثلا إلى حوالي 8413 حقنة. تقود الأجهزة الأمنية، بشكل دوري حملات على المستوى الوطني تسفر عن حجز كميات كبيرة من الهيروين والكوكايين. إحدى هذه العمليات كانت بمدينة تطوان المعروفة بانتشار أوسع للهروين، وأسعار أرخص للسم القاتل. خلالها تمكنت مصالح الأمن من توقيف مجرم خطير معروف بسوابقه القضائية العديدة، وبكونه مبحوثا عنه من أجل الضرب والجرح الخطيرين باستعمال السلاح الأبيض، وقد ضبطت بحوزته أكثر من 640 لفافة من مخدر الهيروين. آخر الأرقام القادمة من خلف أسوار ولاية الأمن بطنجة، تكشف أن مصالح الأمن بعروس الشمال، قامت بحجز 1436 غراما من مخدر الهيروين والكوكايين، بالإضافة إلى 672 جرعة، وذلك طيلة الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية، كما تمكنت من إيقاف 157 مروجا من بينهم امرأة واحدة، هذا بالإضافة إلى إحالة 146 مدمنا بينهم 6 فتيات وقاصر واحد على النيابة العامة. حقن بر- جو إلى الساعة، خلاصة خريطة طرق الهيروين غير مكتملة العناصر. نعم، نعلم أن الهيروين يصل إلى الفنيدقوتطوانوطنجة عبر باب سبتة، لكن كيف استطاعت مافيات «الهروين» غزو مدن الناظوروالحسيمة بمخدراتها السامة؟ الجواب هذه المرة على لسان مصدر أمني مطلع، على خبايا تجارة المخدرات الصلبة في البلاد. مسؤولنا الأمني أسر للجريدة بأن مافيات تجارة الهيروين تلجأ إلى طرق وممرات متعددة داخل البلاد لغزو مدن المملكة، من بينها «تهريب الهيروين إلى الحسيمةوالناظور عبر الطريق الوطنية الرابطة بين تطوان وفاس، قبل أن تتوجه الشحنات من العاصمة العلمية نحو تازة وصولا إلى الناظوروالحسيمة». نفس المتحدث يؤكد أن المسار البري هو أولى طرق تهريب الهيروين إلى المغرب. مافيات ترويج المخدرات الصلبة جعلت من سواحل غرب إفريقيا نقطة انطلاق للتهريب مرورا بشمال مالي وموريتانيا أو في اتجاه شرق الجزائر وشمال المغرب. ارتبط إنتاج المخدرات الصلبة وفق عدة تقارير دولية، على العموم بأمريكا الجنوبية، وبالخصوص دول مثل كولومبيا وفنزويلا وبيرو وبوليفيا وأفغانستان التي تأتي منها المخدرات الصلبة. من هناك يتم نقلها إلى غرب إفريقيا بسفن كبيرة ليتم توزيع كميات المخدرات هذه على سفن أصغر على طول الساحل الغربي لأفريقيا خصوصا شمال مالي، «ولكن هناك طرق أخرى لتهريب المخدرات عن طريق الطائرات التي تحط بسيراليون (غرب إفريقيا) وموريتانيا، ليتم نقلها مرة ثانية عن طريق البر إلى السنغال ومالي أو غامبيا ومن مالي يتم تهريبها إلى موريتانيا قبل وصولها إلى صحراء المغرب»، يقول مصدر أمني مطلع، مشددا على أن المغرب الكبير ليس منطقة إنتاج، بل هو دولة عبور ويبذل مجهودات كبيرة لمحاربة الاتجار غير المشروع في المخدرات، لكن وعلى «عكس مناطق شمال أفريقيا، فإن دول غرب هذه القارة لم تتمكن من فرض سيطرتها على مافيات تهريب المخدرات. هذه الدول يصعب عليها السيطرة على السواحل الواسعة الامتداد أو مراقبة على مساحات الصحراء الشاسعة، خصوصا أن أجهزة الأمن في هذه الدول لا تتوفر على التجهيزات الضرورية لمحاربة مافيات المخدرات»، يفسر مصدر «الاتحاد الاشتراكي». تصل هذه السموم إلى المغرب عبر هذه الطريق، من ضمن ممرات أخرى كانت سببا في تدمير حياة العديد من الأشخاص. المصدر الأمني ذاته صرح للجريدة، بأن نفس الطرق التي تستعمل في تهريب العملة والكوكاكيين تنتطبق أيضا على مخدر الهيروين، إلا أن مهربي «الكحلة» إلى المغرب يتجهون نحو رسم طريق خاصة بهم يعبرون من خلالها، كما أن التحريات والعمليات التي قادتها أجهزة الأمن أماطت اللثام أيضا عن العديد من الوسائل الجديد التي تستغلها مافيات ترويج المخدرات الصلبة، يعتمد بالأساس على تجنيد بعض الشبكات لمرشحين للهجرة السرية يتحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتكليفهم بمهام توزيع وترويج لفافات المخدر المذكور بالأسواق الوطنية. طريق ثانية تتخذها مافيات تهريب الهروين والمخدرات الصلبة إلى المغرب. أهمية هذه الطريق بالنسبة إلى شبكات ترويج المخدرات تكمن في صعوبة ضبطها من طرف أجهزة الأمن. الأمر يتعلق هنا بالطرق الجوية، التي تشهد يوميا حركة مضطرة للبضائع والمسافرين، وأبرز مثال في هذا الإطار مطار محمد الخامس الدولي الذي يغري مافيات ترويج المخدرات، خصوصا أنه يعد أبرز محطة عبور بين بعض الدول الافريقية والقارة الأوربية كما أن مسألة رصد مافيات تهريب المخدرات فيه يعتبر أمرا صعبا للغاية، «بسبب تأمنيه مئات الرحلات لحوالي 4000 مسافر أسبوعيا بين إفريقيا وأوربا»، يشرح مصدر أمني، مضيفا أن صعوبة الرصد هذه تبقى حاضرة رغم «تجهيز قاعة المراقبة في المطار بأجهزة متطورة للكشف بالأشعة السينية على الأمعاء الداخلية للمسافرين المشتبه فيهم وبأجهزة سكانير لمراقبة الأمتعة والحقائب الشخصية». الأرقام المسجلة لدى الإدارة العامة للأمن الوطني تبين أن هذا المسلك يعد طريقا مفضلا لدى مافيات تهريب (وليس ترويج) المخدرات الصلبة عبر المغرب، الذي تحول بحكم موقعه الجغرافي إلى نقطة التقاء بين دول التخزين ودول التسويق. وإذا كانت الطرق البرية تستغل من طرف المافيات من أجل ترويج المخدرات الصلبة بمختلف أنواعها السامة داخل تراب المملكة، فإن الطريق الجوية تتخذ من المغرب محطة عبور فقط، وليس سوقا للاستهلاك. استنتاج يفسره تقرير أمني ب«صغر حجم الكميات المضبوطة، فضلا عن نوعية الرحلات المستهدفة والتي تكون عادة عابرة للمغرب في اتجاه أوروبا». في هذا السياق كشفت أجهزة الأمن أسلوبا جديدا معتمدا في تهريب المخدرات الصلبة، إذ تقوم شبكات دولية باللجوء إلى خدمات مواطنين من إفريقيا السوداء (نيجيريا على وجه الخصوص) يعانون من عاهات مستديمة كالعمى أو غيره، في محاولة لاستحضار الجانب الاجتماعي والعاطفي عند المراقبة وبالتالي تضليل مصالح الأمن. أسلوب ثاني تستخدمه مافيات تهريب الهيروين، يتمثل في الاعتماد على «مراسلين» من دول أوروبا الشرقية يعلمون في الغالب في سلك التعليم من أجل عدم إثارة انتباه أجهزة الأمن لهم، ويتم منحهم كبسولات من المخدر قصد ابتلاعها بعد إجراء عملية جراحية لتوسيع فم المعدة، أو يتم تزويدهم بحقائب معدة سلفا لهذا الغرض تم ينطلقون بها في رحلتهم المتجهة عادة إلى بعض الدول الأوروبية خاصة إسبانياوهولندا وألمانيا. التقرير الأمني الذي حصلت «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة منه يؤكد أن الكوكايين عرف ارتفاعا مهولا خلال السنوات الأخيرة سواء بالنسبة إلى الاستهلاك أو على مستوى الكميات المحجوزة، مما يؤشر على بروز اتجاه جديد في السوق العالمي لهذا الصنف من المخدرات يقضي بتحويل مسارات العبور البحرية التي كانت تربط أمريكا اللاتينية بأوربا إلى مسالك جديدة تمتد من دول الزراعة والإنتاج في كولومبيا والبيرو وغيرها إلى دول غرب إفريقيا مرورا بالمغرب ثم أوربا باعتبارها تضم دول الوجهة النهائية. وبما أنها نفس الطريق التي يعبر منها مخدر الهيروين إلى المغرب يبقى هذا المخدر مرشحا إلى مزيد من الارتفاع في عدد المتعاطين له. كما أن تضاؤل نشاط الشبكات الوطنية المتخصصة في ترويج القنب الهندي بحكم سياسات المكافحة وتشجيع الزراعات البديلة التي أعلنتها الحكومة المغربية، أفضى إلى تقليص المساحات المزروعة وتفكيك العديد من الشبكات. وهذا كان سببا في تحول العديد من المدمنين على المخدرات إلى الهيروين بحكم ثمنه الرخيص مقارنة بباقي أنواع المخدرات. التقرير الأمني يذكر أن «المسح الجغرافي لانتشار الكوكايين رصد لأول مرة بالمغرب بالمناطق الشمالية للمملكة بحكم قربها من سبتة ومليلية وبفضل ارتفاع حركة عبور السلع والمسافرين عبر المنافذ الحدودية الشمالية خاصة بمدن الناظوروطنجةوتطوان، لينتقل بعد ذلك إلى المدن السياحية الداخلية كمراكش وأكادير والجديدة نتيجة تزايد أفواج السياح الوافدين عليها، مما خلق سوقا محلية مصغرة يكثر فيها الإقبال، وبالتالي يزداد فيها العرض»، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على مخدر الهيروين اليوم. الطريق البحري ...ضريبة الجغرافيا الطريق الثالثة التي أصبح يعتمد عليها تجار الهيروين تتمثل في الطريق البحرية. قدر الجغرافيا جعل المغرب في موقع استراتيجي بالنسبة إلى مافيات المخدرات الصلبة. وأصبح المغرب يشكل لهذه الشبكات الدولية نقطة التقاء بين دول التخزين ودول التسويق فضلا عن قربه الجغرافي وامتداداته الساحلية وضعف المراقبة الأمنية عند شركائه الإقليمين في دول جنوب الصحراء. انفتاح المغرب على واجهتين بحريتين هما المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وامتداده على طول شريط ساحلي يناهز 3500 كيلومتر جعله قبلة مفضلة لشبكات الاتجار الدولي في المخدرات، وهو الأمر الذي جعلها تفضل المرور بدول غرب إفريقيا جنوب الصحراء، ثم المرور برا عبر المغرب في اتجاه أوربا أو الانطلاق مباشرة صوب الموانئ الجنوبية للمملكة. اللجوء إلى هذه الطريق غير المكلفة ماديا والمختصرة أيضا كان مرده إلى المراقبة التي تضربها أجهزة الأمنية بمختلف أنواعها على المسار البحري الذي كان يربط دول المصدر والإنتاج في أمريكا اللاتينية بدول الوجهة والتسويق بأوربا الغربية. يضاف إليها ارتفاع تكلفة واتساع مسافة هذه الرحلة البحرية. هذه العوامل دفعت الشبكات المتخصصة إلى الاستعاضة عن تلك الطرق بواحدة أيسر على المستوى المادي وحتى من الناحية الأمنية. يقول التقرير الأمني المذكور إن «الضبطيات المحجوزة تتميز في هذا المسلك بحجمها الكبير الذي يقدر بمئات الكيلوغرامات بحكم طبيعة وسعة وسائل النقل المستعملة، التي تكون في العادة إما حاويات أو سفن كبيرة يتم تفريغها بالموانئ المغربية على أساس إعادة شحنها في اتجاه أوربا، أو أنها تفرغ في عرض البحر وتشحن على متن زوارق سريعة بهدف نقلها مباشرة إلى دول التسويق». انتشار ظاهرة الإدمان على الهروين أصبح يفرض على المغرب «بدل المزيد من الجهود سواء على المستوى الوطني لتحصين مجاله الداخلي أو على المستوى الدولي للحد من الارتباطات الدولية للظاهرة باعتباره أحد الشركاء الرئيسيين في إستراتيجية مكافحة الجريمة المنظمة بكل تجلياتها وأصنافها»، يقول مصدر أمني رفيع المستوى. كل ما يجب أن تعرفه عن الهروين خطورة الهيروين تبرز بتأثيرها على موصلات عصبية في الدماغ تسبب للمستعمل في البداية الشعور بالسعادة، والنشوة السريعة جدا. الهيروين أيضا يؤدي إلى شعور سريع بالسعادة، وهذا يقود إلى الإدمان النفسي السريع. ويحتاج الشخص إلى رفع مقدار الجرعة حتى يصل إلى نفس الشعور الذي كان يحصل عليه سابقا بجرعة أقل. ووفق الحالات التي تستقبلها جمعيات المجتمع المدني، فإن أكثر الذين يتعاطون الهيروين يلاحظ أنهم يعانون من مشاكل نفسية أخرى مثل الاكتئاب، واضطرابات الشخصية. العلاج من الإدمان على الهيروين صعب جدا إن لم نقل مستحيل. يرى محمد الصالحي أن «الميثادون» مادة بديلة عن مخدر الهرويين وتمثل أحد مكونات العلاج الكميائي الذي يعتمد على استعمال الدواء المناسب للتخفيف من أعراض غياب المخدر وعلاج الحالة المرضية وكذا الأمراض المصاحبة للإدمان (الإحباط، القلق، الاضطرابات النفسية). وفضلا عن العلاج الكيميائي يستفيد مرضى إدمان المخدرات من علاج نفسي علاوة على المواكبة التي توفرها جمعية حسنونة التي تدعم المركز في توفير الرعاية النفسية والاجتماعية لمتعاطي المخدرات. الميثادون ... العلاج الوحيد ذكر التقرير السنوي الأخير للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة أن المغرب كان أول بلد في شمال إفريقيا والعالم العربي سمح سنة 2010 باستخدام «الميثادون» لعلاج الإدمان على المخدرات. ويعد «الميثادون» الذي سمح المغرب باستخدامه أحد الأدوية المصنعة كمسكن للألم، وهو من مجموع الأفيونات التي من أشهرها دواء المورفين، ومفعول «الميثادون» شبيه بمفعول المادة المخدرة الهيروين إلا أنه يتميز بأن له مفعولا طويل المدى ويستعمل في علاج المدمنين على الهيروين. لكن عدد المستفيدين منه بين المدمنين على الهروين يظل قليلا، مثلا في طنجة لا يستفيد من دواء الميتادون سوى حوالي 40 حالة من بين مئات المدمنين. هذا الوضع يفسره محمد الصالحي بكون السنة الأولى تجريبية «وبعد تقييمها اتضحت إيجابية استعمال الميثادون للعلاج لهذا سمحت وزارة الصحة بالرفع من عدد المستفيدين منه وهناك ضرورة لتعميمه في مختلف مدن الشمال على المدمنين». وزارة الصحة دخلت على الخط وأعلنت أخيرا أن 8000 هو عدد متعاطي المخدرات بالحقن الذين ستتم رعايتهم من طرف وزاة الصحة بالمجان. الإعلان تم خلال ورشة عمل لإعداد المخطط الوطني للحد من المخاطر بين متعاطي المخدرات بالحقن 2012، 2016، حيث تتوقع وزارة الصحة بلوغ هذا العدد بحلول عام 2016 من ضمنهم 2000 يخضعون لعلاج بديل. حسين الوردي، وزير الصحة أكد أن المخطط سيمكن من تقليص المخاطر لدى مستعملي المخدرات المحقونة، من خلال حملات تحسيسية للوقاية من المخاطر المرتبطة بالتعاطي للمواد المنبهة النفسية، ولبلوغ هذا الهدف على وزارة الصحة توفير الأطر الطبية والتمريضية المتخصصة والموارد المالية الكافية.