يعيش المغرب على وقع ارتفاع متصاعد في استهلاك المخدرات الصلبة، التي أصبحت تكتسح كل يوم مزيدا من الشرائح الاجتماعية الفقيرة وصغار السن، ومن النساء أيضا. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام واضحة، فإن الأكيد أن الهيروين والكوكايين طردا الحشيش من عرش الإدمان في المغرب، بحيث صار مخدر القنب الهندي يبدو تقليديا جدا أمام موجة المخدرات الصلبة. وتعبر المغرب كل عام عشرات الأطنان من مخدر الكوكايين القادم من بلدان أمريكا اللاتينية، والتي يتم توجيهها بعد ذلك نحو بلدان أوروبا الغربية، ويبقى جزء كبير منها في الجارة إسبانيا، التي تعد المستهلك العالمي رقم 1 للكوكايين. وفي المغرب قال مصدر أمني ل«المساء» إنه لا توجد أرقام محددة للكوكايين التي تم ضبطها من طرف مصالح الأمن والجمارك، غير أنه وصف الكميات المضبوطة بأنها «ترتفع سنة بعد أخرى، خصوصا في الموانئ والمطارات». ويجد الأمن المغربي أو مصالحه القضائية حرجا واضحا في الحديث عن موضوع الكوكايين في البلاد، وأحيانا يحاول كثيرون منهم تحوير الحديث من المخدرات الصلبة إلى الحديث عن المخدرات بشكل عام كوسيلة لتلطيف واقع يزداد سوءا يوما بعد آخر. وتحول المغرب من مجرد بلد للعبور إلى بلد للاستهلاك، حيث تقول مصادر مطلعة في طنجة ل«المساء» إن استهلاك الكوكايين في المغرب بدأ يعرف نموا كبيرا، وأن شبكات الاتجار بالحشيش تقايض خدماتها لعصابات أمريكا اللاتينية عبر توصلها بكميات كبيرة من الكوكايين يتم تسويقها في المغرب، وهو ما ساهم إلى حد كبير في رفع أعداد المدمنين. ومنذ أن بدأت شبكات أمريكا اللاتينية في توطيد علاقاتها بالمهربين المغاربة الذين اكتسبوا خبرة كبيرة في تهريب الحشيش عبر البحر، ارتفع إدمان الكوكايين في البلاد بشكل ملحوظ. ويتقاضى شركاء مغاربة للعصابات اللاتينية تعويضاتهم عبر شحنات من الكوكايين يكون من اللازم بيعها في الأسواق المحلية، وهو ما يعكس مدى اتساع رقعة الإدمان في وقت قصير. وخلال السنوات الأخيرة، ضبطت مصالح الأمن المغربية عشرات الشبكات المتاجرة بالكوكايين في عدد من المدن الكبرى في المغرب، بينها الدارالبيضاء ومراكش وطنجة والرباط، غير أن ذلك لم يمنع من توسع رقعة المتاجرة في هذا المخدر. وفي أحياء شعبية وبسيطة، أصبح من المعتاد الإشارة إلى أسماء أشخاص يتاجرون في الكوكايين من دون أن تطالهم يد الأمن، وأحيانا ينعمون بحماية معينة، بينما توجد رؤوس كبيرة من المروجين الكبار الذين يشتغلون في الخفاء. وكانت حادثة جرت في طنجة قبل أيام، كشفت أن تجار الكوكايين والهيروين لا بد لهم من حماية معينة، حيث إن تاجرا في المخدرات الصلبة تم قتله بعد مواجهة مع الأمن، وتبين بعد ذلك أنه كان محط 22 مذكرة بحث، ومع ذلك لم يتم القبض عليه رغم أنه لم يكن يغادر منزله إلا نادرا. وتبدو الارتباطات التي تجمع بين تجار الكوكايين وبين شبكات الاتجار بالأسلحة أكثر شيء يقلق السلطات المغربية، حيث إن أغلب الشبكات التي تم تفكيكها خلال السنوات الأخيرة ضبطت لديها أسلحة متطورة، إضافة إلى أن المغاربة كانوا دوما حاضرين في هذه الشبكات، التي تضم أمريكيين لاتينيين وإسبانيين وآخرين من جنسيات مختلفة. وتمتد ارتباطات هذه الشبكات إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، والتي يتم فيها تخزين كميات كبيرة من الكوكايين القادم عبر البحر، حيث تم قبل أشهر كشف شبكة لتهريب الكوكايين ما بين أوروبا وإفريقيا عبر المغرب من بين أعضائها نجل رئيس موريتاني سابق. وتحذر أوساط طبية مغربية من أن الكوكايين، الذي يصل سعر الغرام الواحد منه إلى ما بين 600 و800 درهم، أصبح يفسح مكانه حاليا لمخدرات أكثر خطرا وهي الهيروين، التي صارت تكتسح مناطق كثيرة في البلاد بالنظر إلى سعرها المنخفض، والذي يمكن أن يصل إلى أقل من 20 درهما للجرعة. وبعكس الكوكايين القادم من بلدان أمريكا اللاتينية، والذي يتميز بلونه ناصع البياض وسعره المرتفع، فإن الهيروين بلونه القاتم يأتي من الشرق، أي من أفغانستان، ويمر عبر تركيا وبلدان أوروبا الشرقية ويصل إلى الجزائر ثم مدينتي سبتة ومليلية قبل أن يصل إلى مختلف المدن المغربية. ويحذر الخبراء من كون الهيروين أضحى في متناول الجميع، خصوصا بين شرائح الطبقات الفقيرة الذين يمكنهم الحصول على جرعتهم اليومية بطرق سهلة، حيث ينتشر باعته بشكل علني أحيانا. وغالبا ما يتم استهلاك الهيروين عن طريق الحقن بواسطة الإبر، وهو ما يؤدي إلى الإصابة الحتمية بمرض السيدا، الذي يؤدي بدوره إلى الموت. وتصل كميات كبيرة من الهيروين إلى المغرب عن طريق مدينة سبتة، حيث يتسرب إلى المدن المجاورة عبر المواد المهربة. وتعرف مدينتا طنجة وتطوان ارتفاعا كبيرا في مجال استهلاك الهيروين، وهو ما أدى إلى ارتفاع المصابين بداء السيدا. وتقول مصادر طبية في المنطقة إن المدمنين في تطوان عادة ما يفضلون التوجه نحو مدينة طنجة من أجل الحصول على جرعتهم من الهيروين، حيث إن باعته في هذه المدينة عادة ما يتحركون بحرية أكبر. وخلال السنة الماضية ضبطت الشرطة الدولية «الأنتربول» أزيد من 30 طنا من الكوكايين كانت قادمة من أمريكا اللاتينية، وأغلبها تم ضبطه في عرض مياه المحيط الأطلسي على متن سفن شحن أو يخوت وزوارق فارهة.