يخرج المغاربة عادة في مظاهرات مليونية لأسباب مختلفة. أغلب هذه المظاهرات كانت من أجل قضايا قومية لا يرى المغاربة فاصلا بينها وبين قضاياهم الوطنية، مثل قضيتي فلسطين والعراق؛ لكن نادرا ما خرج الناس في مظاهرات حاشدة من أجل قضايا مصيرية داخلية. في المظاهرات ضد الفساد، انقسم الناس ما بين من يسيرون فيها وبين من يتفرجون عليها. صحيح أن المتفرجين على المظاهرات يعانون بدورهم من وحشية الفساد، لكنهم يرون أنفسهم غير معنيين بالرشوة والاختلاسات وغلاء الزيت والحليب والتلفون. هكذا هم الناس، ومن يريد تغييرهم فلينتظر ألف سنة. لكن هناك قضايا داخلية يفترض أن تحظى بإجماع المغاربة، وهي قضايا لم تكن لتوجد لولا الفساد الرهيب الذي يفعل فينا ما يشاء. اليوم، صارت المخدرات، بمختلف أنواعها، غولا حقيقيا يفترس مئات الآلاف من الناس من مختلف الأعمار ومن مختلف الشرائح الاجتماعية. وفي «القلاع» التي تباع فيها المخدرات، يقف البعض بالكاتْ كاتْ لشراء جرعته، وقربه يقف أناس شبه حفاة، وكلهم يشترون نفس المخدر بنفس السعر، والأمن يعرف جيدا هذه الأماكن، وهذه هي الكارثة. فيما مضى، كان عدد من المغاربة يدخنون الكيف ويحملون معهم «السّبْسي» وكمشة من الكيف أينما ذهبوا، كأنهم يحملون بندقيتهم إلى ساحة حرب. الأمور سارت وقتها بسلام، والدولة اعتبرت ذلك يدخل ضمن إطار تخفيف معاناة الناس من خلال تهدئة أدمغتهم. بعد ذلك، ظهرت «الماريخوانا» التي أذهلت الكثيرين بسبب تأثيرها السريع على الدماغ، وأيضا ارتفاع سعرها مقارنة بالكيف وطابة. الماريخوانا غيرت حياة الكثيرين الذين صاروا مدمنين، لكنها تعتبر لا شيء على الإطلاق مقارنة بما سيأتي من مخدرات كارثية. عندما انتهى الدور التاريخي للماريخوانا، بدأت المخدرات الصلبة تزحف نحو كل شرائح المجتمع بعدما كانت حكرا على كبار القوم، وهكذا بدأ الناس يرون شبانا وشابات يجلسون على الأرصفة و«ينفّحون» جرعتهم البيضاء، أو شابة تدخل مرحاض مقهى وتترك فيه إبرة هيروين وبها بقايا دماء بعدما غرزتها في عروقها، أو مراهقا وهو يطارد خيط دخان «البابيلا». الكارثة لم تنته هنا، ففي الأشهر الأخيرة غزت المدن المغربية مخدرات «آخر موديل»، سعر الجرعة الواحدة منها لا يقل عن جرعة الكوكايين. والغريب أن هذه المخدرات المبتكرة لم يكد يمضي وقت طويل على ترويجها في شوارع نيويورك أو مانيلا، حتى وصلت -في لمح البصر- إلى شوارع المدن المغربية الكبرى. اليوم، هناك أحياء بكاملها يتحول شبابها ومراهقوها إلى أشباح عائمة في السعادة المؤقتة كل مساء، وجرعة المخدر الواحدة لا تقل عن 700 درهم؛ من أين، إذن، يأتي هؤلاء بالمال؟ هذه معادلة رهيبة. فأين يجد العاطل، وحتى الذي يشتغل، هذا المبلغ كل يوم أو حتى كل ثلاثة أيام أو أربعة؟ لهذا صرنا نرى كل هذه الجرائم المروعة وهذه «السيبة» الأمنية الخطيرة، وهذه السرقات التي لم يعد مقترفوها يخشون شيئا، لأنه عندما «يطلع لهم» المؤشر الأحمر إلى المخ، فإنهم يصبحون مستعدين لفعل أي شيء وبدون أي تقدير للعواقب. في كل مكان، هناك نماذج مرعبة للمدمنين، هناك مئات الآلاف من البيوت التي خربت وتفككت، وهناك مآس تفوق خيال الأفلام، وهناك أمهات وآباء يعانون فظاعات يومية بسبب إدمان أبنائهم؛ ومقابل هذا، هناك المروجون الذين يتحركون بحرية غريبة، وهناك أباطرة كوكايين صدرت في حقهم المئات من مذكرات البحث الأمنية ولا أحد قبض عليهم.. فالمخدرات لم يكن ممكنا أن تستفحل بهذه الدرجة لولا تحالفها مع فساد السلطة، بما في ذلك سلطة الأمن، والأخبار التي يطالعها المغاربة بين الفينة والأخرى والتي تشي بأن كارثة المخدرات استفحلت بسبب أمنيين فاسدين وبلا ضمير. اليوم، من حق المغاربة، بل من واجبهم، أن يضعوا حدا لصمتهم المشين ويخرجوا في مظاهرات مليونية ضد هذا العدو الخطير الذي سيحول البلاد إلى شبح في السنوات المقبلة لو استمر استفحال إدمان المخدرات بهذه الطريقة، أما الشعار فهو واضح: الإعدام الفوري لمروجي المخدرات ومن يتواطأ معهم.