الحقيقة أنني لا أفهم سبب غضب الكثير من المغاربة بسبب الهزيمة التي «أحرزها» المنتخب الوطني أمام منتخب الغابون، فالمنتخب الوطني «دار خير فالمغاربة»، لأنه أعفاهم من زيارة طبيب القلب وتكاليف التحاليل الطبية التي يجرونها بعد كل مباراة بسبب ارتفاع منسوب السكر في دمائهم؛ كما أن المنتخب الوطني، بتكبده هذه الهزيمة النكراء التي أخرجت المغرب من كأس العالم وكأس إفريقيا، يكون قد أعفى دافعي الضرائب من دفع مصاريف الرحلات الجوية التي كانت ستحمله للعب في المونديال وكأس إفريقيا؛ كما أنه أعفى المغاربة من مصاريف التحفيزات الباهظة التي تصرف للاعبين بعد كل انتصار أو تعادل تافه، كما أعفاهم من مصاريف رحلات بعضهم على علب مراكش الليلية عقب كل مباراة تدريبية استعدادا للمونديال وكأس إفريقيا. لهذه الأسباب كلها يجب على المغاربة أن يكونوا سعداء بهذه الهزيمة النكراء للمنتخب، لأنها ستضع حدا لنزيف مالي نحن في أمس الحاجة إليه في هذه الأزمنة الاقتصادية الصعبة التي تجتازها خزينة المملكة. فالمغاربة لم يعودوا مستعدين لتمويل نفقات «لعب» بعض «الدراري المفششين» أكثر من اللازم والذين أصبح اسم المغرب بسببهم مقترنا بالهزيمة. «أسيدي سالينا، كان عندنا مع الكورة وما بقاش». فعندما يتحول المنتخب إلى أداة لبهدلة راية المغرب في المحافل القارية والدولية، فإن قرارا يجب أن يؤخذ على أعلى المستويات لوقف هذه المهزلة التي يقول الفاسي الفهري إنه جاء لإصلاحها دون أن يظهر ما يفيد بأنه قادر حتى فهم ما يقع في الجامعة الوطنية لكرة القدم. وعندما يتجرأ لاعب كالعليوي ويقول إن المنتخب الوطني أصبح مجالا مفتوحا للتبزنيز، فإن الأمور وصلت إلى حد أصبح معه فتح تحقيق شامل حول تسيير ومالية المنتخب شيئا عاجلا. فقد اتضح أن الاتهامات -التي كان بعض اللاعبين المحترفين في الخارج يكيلونها لبعض الأطر والتي كانت، في معظمها، تتمحور حول ضرورة جلب بعض الهدايا كالحواسيب المحمولة والهواتف المتطورة وكاميرات التصوير الرقمية للمتحكمين في اختيار التشكيلة النهائية للمنتخب، للظفر بمكان داخل التشكيلة- هي في الواقع اتهامات مبنية على أسس، وليست مجرد «كلام جرائد». نخشى فقط أن يتراجع اللاعب العليوي عن تصريحه ويسحب القنبلة التي أطلقها بعد هزيمة المنتخب، لأن لاعبين ومسيري نوادٍ قبله شربوا حليب السباع وتجرؤوا على فضح الفساد داخل جامعة كرة القدم، ثم تراجعوا بسرعة وسحبوا تصريحاتهم، بل وتنكروا لها جملة وتفصيلا. وآخرها ندوة صحافية كان ألقاها أبرون، رئيس النادي التطواني أمام الصحافة، بعد تولي علي الفاسي الفهري رئاسة الجامعة، تحدث فيها صراحة عن «التسمسير» الذي تمارسه الجامعة على الفرق الوطنية، وصرخ في وجه الصحافيين: «الجامعة هلكاتنا، الجامعة ضراتنا، اللهم إن هذا منكر». قبل أن يضيف أن الجامعة صرفت 14 مليارا في تسيير شؤونها، ويتساءل: «أشنو دارو بيها؟»، ويتهم: «مكاينش الشفافية، مكاينش الوضوح»، ويلتفت إلى جاره ويسأله: «ياكما خفتي، أنا إذا قلت هاذ الكلام راني كانتحمل فيه المسؤولية ديالي». ولعل أخطر ما قاله أبرون في تلك الندوة ولم تتحرك أية جهة لفتح تحقيق حوله هو أن المنتخب الوطني «عندو لاكارط بلانش من بنك المغرب» قبل أن يضرب بقبضة يده على الطاولة لكي يثير انتباه جميع من في القاعة لخطورة ما سيقوله، وأضاف رافعا من حدة صوته: «أنا حضارت فالعهد ديال التسيير ديالي، أنا حضارت على الشوانط د لفلوس كايمشيو والله ما كايرجعو، أنا حضارت عليهم، أنا حضارات عليهم، واللي كايقول لي شكون نقولو فلان وفلان وفلان. لذلك آش من تسيير بغيتو ديال الكرة نتوما، 27 مليار ديال الفرق عطاونا منها 200، ماشي صدقة، داونا فلوسنا وعطاونا اللي بغاو. أنا بركت مع السي أوزال وقلت لو هاذ الشي حرام اللي كاديرو، حرام أسي أوزال. جا الجمع العام سمعتو شي مختلفات ديال 14 مليار؟ واش كاين شي مختلفات ديال 14 مليار؟ كان كايركب فالكار دحبابو، كايمشي من مولاي عبد السلام للصحرا. مختلفات 14 مليار. واش ماشي حشومة». وبعد خروج هذه التصريحات والاتهامات الخطيرة إلى الصحافة، سارع أبرون إلى نفي ما قاله وتحميل الصحافة مسؤولية تأويل تصريحاته، وسجل شكاية بالشاب الذي صور الندوة وخضع للتحقيق من طرف الشرطة بتهمة تسريب وثائق داخلية خاصة بالنادي التطواني إلى الصحافة. وكان أول ما قاله أبرون لتبرير «أقدمية» الشريط هو أنه يعود إلى فترة وجود حسني بنسليمان على رأس الجامعة الوطنية لكرة القدم، والحال أن أبرون في الشريط المسجل والذي يوجد في موقع «يوتوب»، يتحدث بعظمة لسانه ساخرا من الرحلة التي قام بها علي الفاسي الفهري لترطيب خواطر اللاعبين «المقلقين» الذين «دفعو كبير» على المنتخب ورفضوا اللعب في صفوفه. وطبعا، فهذه المهمة «التفشيشية» قام بها علي الفاسي الفهري بوصفه رئيسا للجامعة وليس بوصفة مديرا للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، مما يدل على أن شريط أبرون «يقدام حتى يشبع ما يفوتش 6 أشهر». وإذا كان أبرون قد امتلك شجاعة القول إنه شاهد بعينيه «الشوانط ديال الفلوس» تغادر المغرب ولا تعود إليه، وإنه إذا طلب منه أحد إعطاء الأسماء فإنه مستعد لكي يقول لهم فلان وفلان، فإن أول شيء كان على المؤسسات العاملة في مجال حماية المال العام فعله هو مطالبة القضاء بفتح تحقيق مفصل حول هذا الموضوع الذي يتعلق بإخراج الحقائب المليئة بالأموال من المغرب. إلى حدود اليوم، لم نر أن أحدا ضربته النفس على هذه الأموال التي تغادر المغرب داخل «شوانط» الجامعة. ولماذا سينتظر القضاء أن تطالبه المؤسسات العاملة في مجال حماية المال العام بفتح تحقيق لكي يتحرك، أليست النيابة العامة التي يرأسها وزير العدل هي أول من يجب عليه أن يتحرك في مثل هذه القضايا لكي يفتح تحقيقا بمجرد سماعه لمثل هذه التصريحات، ويتتبع خيوط هذه القضية لكي يعرف حدود تورط الجامعة في إخراج الأموال من المغرب بفضل «لاكارط بلانش» التي أعطاها بنك المغرب للجامعة، كما قال أبرون. إن ما يجمع بين التصريح الذي قاله رئيس النادي التطواني قبل أشهر والذي تحدث فيه عن إخراج أعضاء من الجامعة ل«شوانط الفلوس» و«التسمسير» الذي تمارسه الجامعة مع الأندية بخصوص توزيع المنح، وبين التصريح الذي جاء على لسان اللاعب العليوي والذي قال فيه إن المنتخب أصبح مجالا «للتبزنيز»، وهو التصريح الذي حذفه بالمناسبة المدير الجديد لقناة «الرياضية» من أحد البرامج، هو أن الكرة المغربية لا تعاني فقط من تدني الشعور الوطني والروح الرياضية لدى اللاعبين، وإنما تعاني أيضا من الفساد المالي. وإذا كان تدني الشعور الوطني لدى اللاعبين ليس له من دواء آخر سوى الاعتماد مستقبلا على لاعبين «ولاد البلاد» خرجوا من رحم الفرق الوطنية، لديهم «الكبدة» على راية بلادهم ويستطيعون ترديد النشيد الوطني دون مضغ «المسكة»، فإن دواء الفساد المالي الذي تتخبط فيه الجامعة يتطلب شيئا واحدا لا ثاني له وهو الكي، أي فتح تحقيق قضائي شامل لمعرفة أين تذهب ملايير هذا المنتخب التي يدفعها المغاربة من ضرائبهم. المغاربة يريدون أن يعرفوا مصير هذه الملايير التي تعلن المؤسسات العمومية عن ضياعها، فشركة الخطوط الملكية الجوية أعلنت عن خسارة 100 مليار سنتيم خلال السنة الحالية، والقناة الثانية أعلنت عن خسارة 45 مليار سنتيم خلال الخمس سنوات الأخيرة، والجامعة المغربية لكرة القدم تخسر حوالي 40 مليار سنتيم في السنة إذا أضفنا إليها الشيك الملكي الذي توصلت به مؤخرا. كل هذه الملايير التي ضاعت لم تحرك شعرة واحدة في رأس عبد الواحد الراضي، وزير العدل الاشتراكي ورئيس النيابة العامة، وتدفعه إلى فتح بحث قضائي في رزم الملفات التي «ألفها» قضاة المجلس الأعلى للحسابات حول هذه المؤسسات؛ فمفتشو الضرائب في المغرب «فالحين غير فالمزاليط» الذين يراجعون معهم ضرائبهم بالنقطة والفاصلة. أحد هؤلاء اتصل بي أمس وقال لي إنه ورث أرضا عن والده ويخاف من بيعها. وعندما سألته لماذا هو خائف، قال لأنه عندما سيبيعها سيكون عليه أن يدفع الضرائب التي تراكمت عليه بمبلغ البيع لمصلحة الضرائب، وعليه فوق ذلك أن يستدين من البنك لكي يكمل لهم الباقي، لأن ثمن البيع وحده لا يكفي للخلاص من قبضة دار الضريبة. هذا هو المغرب، «شي كايجمع الفلوس وشي كايجمعو ليه رجليه».