فرضت الصحافية زينب الغزوي اسمها في المقالات الرئيسية للجرائد اليومية وتحولت، في وقت وجيز، إلى إمرأة مشهورة يُنشر اسمها، رفقة الصورة، على أغلفة الأسبوعيات والمجلات على اختلاف اللغات الناطقة بها؛ فانتزعت الشهرة، لفترة، من كتاب الأعمدة والرأي ومن كبار الصحافيين من منجزي الربورطاجات والتحقيقات... الشابة لم تنجز تحقيقا اجتماعيا صادما، ولم تكشف عن أسرار تنشر لأول مرة في أمور السياسة أو الاقتصاد ولم تنشر «سكوب» حول المؤسسات المغربية المحروسة، لكنها فضلت سلك طريق آخر لإثبات الذات في عالم الإعلام و الصحافة. ابنة منطقة النواصر الشعبية، المتواجدة على هوامش مدينة الدارالبيضاء، خرجت تعلن إفطارها علانية، خلال شهر رمضان، دفاعا عن الحريات الفردية والحق في الإفطار، فكان أن سُلطت الأضواء من طرف جميع أنواع وسائل الإعلام الوطنية والدولية على هذا الاسم الذي دخل مغمورا إلى الصحافة فغادرها وفي رصيده عشرات المقالات على صدر أكثر الصحف والمجلات انتشارا وذيوعا في المغرب وفي الخارج أيضا. قبل سنتين، حينما وضعت زينب نهج سيرتها لدى إدارة «لوجورنال» للالتحاق بهيئة التحرير، لم تكن تعتقد أنها ستترك المجلة يوما وهي في قمة الشهرة. أحد زملائها يؤكد أن دور «الصحافية الجديدة» داخل هيئة التحرير لم يكن يخرج عن تحرير الأخبار السياسية وإنجاز بعض الربورطاجات في قسم المجتمع... لم تتجاوز وظيفتها هذه الحدود. معبر رفح نحن في شهر يناير الماضي، حين حلقت زينب في اتجاه معبر رفح الحدودي، محاولة اختراقه للوصول إلى قطاع غزة المشتعل، الذي كان حينها تحت نار الحرب. عملية «الرصاص المسكوب» لم تستطع الصحافية عيش مراحلها، ولم تحقق رغبتها الجامحة في تأثيث بطاقتها المهنية بإنجاز ربورطاج عن حرب غزة، فما كان منها سوى أن عادت أدراجها بسبب رفض التأشير على جواز سفرها، للعبور إلى غزة، من طرف السلطات المصرية لتقضي بضعة أيام أمام المعبر في التراب المصري. أجواء جمهورية مصر لم تكن جديدة على زينب، فالشابة قضت بالمحروسة سنتين في تلقين أبناء الطبقات الميسورة بها أبجديات اللغة الفرنسية في إحدى المدارس الخاصة بالعاصمة، القاهرة. عادت زينب من تجربة غزة خاوية الوفاض لتقرر دخول غمار تجربة أخرى، حيث التحقت بإحدى شركات الإنتاج للعمل معها كمتعاونة يتحدد دورها في إنجاز ربورطاجات لفائدة القناة التلفزية الأولى، فكان أن أنجزت عملا تلفزيونيا حول الطقوس التي تقوم بها شريحة من المغاربة في بعض الأضرحة، وهو العمل الذي لاقى نجاحا واستأثر باهتمام المتتبعين بعد بثه. غير أن زينب عادت لتختفي، من جديد، بين الأخبار التي تحررها لفائدة «لوجورنال»، الأسبوعية الناطقة بالفرنسية، ونسجت، بحكم طبيعة عملها، علاقات مع فاعلين حقوقيين وسياسيين وصحافيين، عبرت لهم، غير ما مرة، عن آرائها الخاصة تجاه الديانات والاختلافات المذهبية. «إنها ملمة بقضايا الأديان وتفاصيل الأورثدوكسيات في الإسلام»، يقول أحد من جالسوها، ويضيف: «تفاجئ محدثها بلغتها العربية الأنيقة وتمكنها من المواضيع المرتبطة بالدين». ولطالما رددت فكرة الإعلان عن إفطار رمضان علانية من جانب الدفاع عن حرية الأقليات الدينية في المغرب، والكلام دائما للمصدر. مصدر آخر أكد أن زينب كانت تفاجئهم في كل مرة بتفكيرها في القيام بالخطوة علانية، «كنا نحاول ثنيها عن تفعيل الفكرة، وشرحنا لها خطورتها وحساسيتها، لكن دون جدوى». الجنسية الفرنسية زينب تتحدر من أصول فرنسية بجواز سفر فرنسي؛ والدتها فرنسية الجنسية، من أصول جزائرية، ووالدها مغربي، يعتنق الإسلام «المغربي»، على حد وصف أحد المقربين من زينب، ويضيف قوله: «لها شقيقتان إحداهما تنشط في حزب شيوعي بفرنسا». النقاش السياسي لم يكن مغيبا في البيئة التي ترعرعت فيها زينب، خصوصا عند التحاقها بالجامعة بفرنسا، بعد حصولها على شهادة الباكلوريا من إحدى ثانويات الدارالبيضاء، رفقة صديقتها ابتسام لشكر، المساعدة النفسانية. نحن في 24 غشت، اسم زينب سيشرع في الخروج إلى العلن وهي تمهد لتنفيذ خطوتها في الإفطار علانية خلال شهر رمضان. «هاداك الكروب اللي درت غير تمهيد لواحد النشاط باقي ما تم الإعلان ديالو، حيت خاصو شوية ديال التنظيم، ولكن غادي يتنظم نهار 13 سبتمبر»، تكتب لأحد أصدقائها، داخل غرفة دردشة على النت. وزادت موضحة: «غادي نديرو بيكنيك لغير الصائمين في شي مكان خارج المدينة... احنا غادي نمشيو نديرو بيكنيك ونشوفوهم فين غيوصلو معانا». هكذا، وبالضبط في 13 شتنبر الماضي، أخرجت زينب حركة «مالي» من العالم الافتراضي إلى عالم الواقع. وقفت مذهولة أمام محطة القطار بالمحمدية، حيث موعد البيكنيك، وهي ترى رجال الأمن يحاصرون المكان من كل جوانبه. عرفت أنه يوم إثبات الذات وصنع الاسم، خصوصا وأن كل الظروف مواتية لذلك: حصار أمني شديد وصحافيون أجانب يقفون بكاميراتهم ومسجلاتهم. ترأست زينب الجمع، الذي لم يتجاوز أعضاؤه الستة، وشرعت في التصريح لوسائل الإعلام، فاختارت أن تكون زعيمة الحركة، ليتمخض عن ذلك ما تمخض، واحتلت صورتها الصفحات الأولى وأغلفة الأسبوعيات وفرضت نفسها واسمها كأشهر صحافية في المغرب، لكن فقط لوقت وجيز سرعان ما سينقضي مع طي الملف.