ليعذرني زميلي توفيق بوعشرين.. لقد ضحكتُ ساخرا، بعدما اكتملت لدي عناصر صورة ما حدث معه يوم السبت الماضي، حيث كان كافيا، أن تأتي كلمة "الراحل" مكان "الحالي" مقرونة باسم الملك، لتقوم القيامة، ويُستدعى مُدير الجريدة الناشرة، للتحقيق على مدار ساعات يوم كامل، خرج بعده الرجل مُتعبا مُجهدا، ثم طلب العاملين معه في الهاتف، مُشيرا عليهم بكتابة نص اعتذار، من ثلاثة أسطر، ورد فيه لقب "صاحب الجلالة" ثلاث مرات ! ضحِكتُ من المقلب الذي ذهب ضحية له، واحد من أذكى الصحافيين في هذه البلاد، وما أقلهم، فمن خلال هذا المقلب، تَمَّ تمرير "رسالة" الترهيب العاشرة بعد المائة، لكل الصحافيين، سيما منهم مُدراء الجرائد، مفادها: "لي دوا (ولو عن طريق الخطأ) يرعف". لقد كان واضحا لأبسط مُتلق، يفك حروف ما يُكتب بالكاد، أن الأمر يتعلق بخطأ مطبعي، كما يحدث كل يوم في الجرائد المغربية، وباقي أرجاء العالم، وبكل تأكيد، كان العدد المُوالي من جريدة "بوعشرين" سيصدر مُتضمنا لإعتذار عن الخطأ إياه، وكفى الله المؤمنين شر التحقيق. فلماذا كل ذلك الإصرار على منح خطأ مطبعي، كل تلك "الهيلالة".. الجواب يعرفه بالتأكيد "بوعشرين" لذا ضمَّن اعتذاره لقب "جلالة الملك" ثلاث مرات، هو - أي بوعشرين – الذي لم يقرن أبدا اسم الملك باللقب إياه في جريدته، دأبا على تقليد نوع الصحافة المُسماة مُستقلة بالمغرب، منذ فترة غير يسيرة. ضحكتُ لحجم المُفارقة التي جاء بها مقال "بوعشرين".. المقال نفسه الذي تضمن الخطأ المطبعي المذكور، إذ تحدث فيه عن موضوع "قتل" مجلة لوجورنال، مُتأسفاً، واعتبر الأمر إيذانا بموسم داكن سماه "خريف الديموقراطية" دون أن يؤكد لنا أن خطاطيف ربيعها، كانت فعلا حية تُرزق، وطارت فعلا، في سماء بلاد "المخزن والغاشي" ثم استطرد بوعشرين، قائلا إنه كان يختلف جزئيا، مع الخط التحريري لمجلة "لوجورنال" لأنه - في رأيه - يمتح من حِبر "الوعظ" و "إعطاء الدروس" للدولة.. أن يختلف المرء، سواء كان صحافيا أو مثقفا أو سياسيا، أو من يا أيها الناس، مع خط تحريري لإحدى المطبوعات، فيُعتبر أمرا عاديا جدا، لسبب بسيط، هو أن دنيا الناس تزدحم بالجرائد ذات التباينات، بل وحتى التعارضات في خطوط تحريرها، وهو ما يعكسه اختلاف الناس الأزلي في الآراء والإختيارات، وتلك سنة الحياة. غير أنه، ويا للمُفارقة - مصدر "الضحكة" في رأيي - قبل أن يجف مداد مقال "بوعشرين" جاءه بوليس فرقة الشرطة القضائية، لا ليُهنئوه على عدم اتفاقه "الجُزئي" مع مجلة تم قتلها للتو، وما زالت دماؤها طازجة، على إسفلت صاحبة الجلالة، بل ليدققوا معه، في تفاهات حول خطأ مطبعي. إن الذين قتلوا مجلة "لوجورنال" ومن قبلها "دومان ماغازين" و "دومان" و "المشعل" وأملوا على قضاء إمعة وذليل، أحكاما قراقوشية ضد الصحافيين، بالسجن بأكداس الأعوام، وغرامات ثقيلة، ومنع أحدهم هو "علي لمرابط" من الكتابة لعشر سنوات.. إن هؤلاء لا تهمهم تفاصيل الإختلاف الجُزئي، أو الربعي أو النصفي، بل وحتى الكلي، مع خط تحريري، بل يهمهم أكثر، أن يقتعد أفراد قبيلة الصحافيين، أمكنتهم في خيمة المخزن، حيث تُفرق عليهم أكواب الشاي الممزوجة ب "المعجون" تحت أعين أفراد بوليس فرقة الشرطة القضائية، وما لا حصر له، من باقي أعوان الأجهزة الأمنية، السرية والعلنية. ففي عُرفهم، لا وجود لا لربيع ولا خريف ولا صيف ولا شتاء للديموقراطية، بل عصر جليد مخزني مُمتد إلى الأبد، يجب أن يظل الجميع تحت رحمته، وتصطك له فرائصهم لأتفه الأسباب، ولو كان مجرد خطأ مطبعي.