يضع أغلب متصفحي الأنترنت المغاربة «هسبريس» .كوم ضمن المواقع التي يداومون على زيارتها يوميا للاطلاع على الأخبار وشرائط الفيديو التي ينشرها الموقع في صفحاته. قبل نهاية شهر ماي الجاري، سيتجاوز عدد زوار موقع هسبريس عتبة 67 ألف زائر من 146 دولة حول العالم. باعتماده على عناصر الإثارة ونشر المقالات بشكل متنوع من الجرائد ومن شبكة الصحفيين المعتمدين لديه، استطاع هسبريس أن يكسر قاعدة الإعلام الالكتروني بشكل أثار فيه النقاش حول مصداقية النشر الصحفي بالمغرب. منذ أن دخلت الأنترنت المغرب عام 1995، لم يحقق موقع إلكتروني النجاح الذي وصل إليه الموقع الإلكتروني «هسبريس» منذ إطلاقه في فبراير 2007. لم يصدق زوار الشبكة العنكبوتية قبل عامين أن يجدوا في صفحة موقع إلكتروني باللغة العربية صورة كاريكاتورية للملك محمد السادس، ليكون هسبريس أول وسيلة إعلامية مغربية تنشر كاريكاتيرا للملك على صفحات موقعه. وكشف خبير في علوم الإعلام، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن الموقع تحول إلى منبر للمزايدات وتصفية الحسابات دون وازع يحفظ كرامة وحقوق الناس، فيما يردد البعض أن رجال المخابرات يشاركون في وضع تعليقاتهم وإرسال مساهماتهم الصحفية بأسماء مستعارة، وهو ما نفاه هسبريس عبر مشرفه التقني الذي كشف ل«المساء» أن الموقع يتوفر على بريد خاص بالتعليقات يتم فيه التواصل مع أصحابه أو التبليغ عن الإساءات التي يمكن أن يتعرض لها بعض الأشخاص.. فكرة الموقع بدأت الحكاية مع طه الحمدوشي، مدير الموقع الذي يعيش في كندا، عندما أحس بالرغبة في متابعة الأحداث التي يعيشها المغرب. لم يتردد في الاتصال بمصمم الموقع، وهي شركة «egyxp» التي يملكها المصري محمد فتح الله. صممت هذه الشركة المعروفة مواقع هداية نت للصحافية السعودية هداية درويش، وجريدة السياسي الإلكترونية وموقع المقطف الإعلامي وكذلك موقع جريدة حزب شباب مصر وجريدة عرب بريس. ويؤكد الحمدوشي أن هذا الاختيار كان ماديا أيضا لأن هذه الشركة تعرض أسعارا منخفضة جدا لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات، ولأن «أغلبية الشركات المغربية المتخصصة في إنشاء المواقع تتقن أكثر التعامل مع تصميم المواقع بلغات أجنبية، وبعضها طلب منا مبالغ خيالية»، يضيف الحمدوشي ل«المساء». حسب مدير الموقع، تعني كلمة «هسبريس» الأطلال والحدائق الأسطورية، وأشار إلى أنها كانت تقع في شواطئ المغرب وبالضبط على المحيط الأطلسي. «لقد وقع الاختيار على هذا الاسم لأنه سهل وغامض ويتعلق بالمغرب ويتيح ربطه بالفضاء الإلكتروني لعالم الصحافة». تمت برمجة موقع هسبريس بشكل خاص لإدارة محتواه كجريدة إلكترونية، وتتيح الولوج إلى بياناته عن طريق رقم سري من أجل توضيب المقالات ومراقبة التعليقات من أي مكان في العالم، وهي إمكانيات متاحة حاليا في عدد كبير من المواقع الإلكترونية. لا يستثني هسبريس أي مادة إخبارية كيفما كان موضوعها، ويعرضها مسؤولو الموقع بشكل آني، يجعل الموقع أشبه بوكالة أخبار إلكترونية: مواضيع عن الملكية والأمراء، حرية الصحافة، أحداث سيدي افني، أخبار الجالية المغربية بالخارج، أعمدة لصحفيين وكتاب مغاربة، مقاطع فيديو يوتوب... تفاعل المبحرين المغاربة مع ما يقدمه الموقع جعل عدد التعليقات، التي يتسم أغلبها بجرأة التعبير، يتجاوز المليون منذ إطلاق الموقع، دون أن يتعرض لأي تهديد صريح، وهو ما يعتبره المشرفون عليه «أمرا غريبا يجب أن يفخر به الإعلام المغربي»، بينما يرى المحامي ابراهيم راشدي أن المسطرة الجنائية تطبق على كل من تسبب في أضرار معنوية للأشخاص عبر النشر الالكتروني مثلما هو عليه الحال مع الصحافة المكتوبة، مما يجعل الموقع في نظره خاضعا لنفس القانون.. قسم الأخبار تنطلق فلسفة مصممي الموقع من قاعدة تسويقية مفادها أنه لا يصح تقديم وصفة ناجحة على طبق جاهز، وعندما يجد زائر هسبريس ثلاثة اختيارات أو أكثر فالأكيد أنه سيهتم أكثر بفكرة «الشراء»، وتنقل الاختيارات الكثيرة الزائر من «وضع» زبون جاهز للشراء، إلى زبون يفكر ويستشير في المنتوج مما يصعب معه رجوعه مرة أخرى للشراء. «لن نذهب بعيدا وأحيلكم على بعض المواقع الإخبارية العربية «ضخمة المحتوى» والتي تفوق ميزانيتها هسبريس عشرات المرات وتعتمد على ملء الصفحة بالروابط والصور والأخبار، ومع ذلك فهي فاشلة وغير معروفة، يعترف الحمدوشي. وأفاد نور الدين الأشهب، أحد صحفيي هسبريس في تصريح ل»المساء»، أن مجموعة من المواقع «تطمح إلى التعاون مع هسبريس من خارج المغرب وفي أوربا على وجه التحديد»، وأشار إلى أنه «يتم التنسيق مع إذاعة هولندا الدولية من أجل التعاون في مجال الإعلام الإلكتروني». يحتفظ هسبريس بخبر واحد كمادة رئيسية في واجهة الموقع ولا يتم تغييره أحيانا إلا بعد مرور 24 ساعة، دون الاعتماد على «سلسلة الأخبار» التي تقدمها المواقع والبوابات الإخبارية الأخرى وتعرض على زوارها أربعة أخبار أو أكثر في صفحتها الأولى. طرحت طريقة عمل الموقع أسئلة متعددة حول الشركة التي تملك تسجيل هسبريس والجهة التي تشرف على دعمه التقني، وهو ما يجيب عنه خالد حمدون المشرف التقني للموقع ل«المساء» مفسرا: هسبريس مسجل عن طريق شركة «enom» الأمريكية، ويتم تجديد اسم النطاق سنويا بعشرة دولارات فقط، بينما تكلف الاستضافة على خوادم ويندوز عشرين ألف درهم شهريا». ويعتبر حمدون أن البيانات والمعطيات التي يختزنها الموقع تفوق حاليا 1 جيغا وهي معطيات تتعلق بالصور وبعض الملفات الصوتية والمرئية، وتوفر بيانات الموقع والاستضافة شركة «genious communications» التي يوجد مقرها بتكنوبارك الدارالبيضاء.. العائدات الإشهارية للموقع تسمح حاليا بأداء مصاريف الاستضافة، كما توفر مبلغا محترما للمشاريع المستقبلية للموقع، وأغلب الشركات التي تعلن لدى هسبريس هي شركات «إشهار افتراضية» مثل «خدمة غوغل أدسنس» للإعلانات وخدمة شركة «cpx» للإعلانات، وهما شركتان تدفعان وفق عدد مرات ظهور الإعلان والنقرات. فريق عمل افتراضي رغم أنه الموقع الإخباري الأول في المغرب فهو لا يتوفر على مقر رئيسي، بل تتم إدارته من مكتب مديره والمشرفين التقنيين عليه. ولا يدرك متصفحو الموقع أن أغلبية الذين يشتغلون في هسبريس أو يتعاملون معه ليسوا متفرغين له، وهم ليسوا سوى أشخاص لهم حياتهم الخاصة وانشغالاتهم المهنية، كما أن بعضهم مقيم خارج المغرب. منذ إنشاء هسبريس، حرص صاحبه على ألا يضع شروطا محددة من الناحية التحريرية، وينشر أغلبية المقالات التي تصله، ليتجاوز عدد زوار موقع «هسبريس» يومياً عدد النسخ المطبوعة يومياً (وليس المباعة) لجميع الصحف المغربية. أحد المتعاونين مع الموقع صرح ل«المساء» بأن بعض كتاب الأعمدة والصحفيين يحصلون، دون أن يحدد القيمة، على مبالغ مادية نظير العمل بالقطعة بشكل أسبوعي، يتوصلون بها عبر البريد أو وكالات وافاكاش. العاملون مع هسبريس لا يعتمدون على هيئة للتحرير ويفضلون تسمية العمل الجماعي الذي يوحدهم ب«فريق العمل»، تنقسم مهام أعضائه بين التحرير ومراقبة التعليقات والمداومة على تصفح بريد الموقع، والتواصل عبر برامج المحادثة الفورية وعبر البريد الإلكتروني وأحيانا عبر الهاتف، كما يطمح الموقع إلى تخصيص اجتماعات يومية للتحرير عبر برنامج «سكايب» الشهير للمحادثة. لا يطلب هسبريس من الصحافيين والمراسلين نهج سيرهم أو بطائقهم الصحفية أو أرقام هواتفهم الشخصية، فهم يكتبون ويراسلون الموقع على سجيتهم. بعضهم يشتغل في منابر معروفة ويكتب في هسبريس بأسماء مستعارة. ويتوفر الموقع أيضا على مراسلين متعاونين من خارج المغرب، يراسلون الموقع بانتظام ويكتبون إليه من فرنساوهولندا والبرازيل وألمانيا وأمريكا وكندا والبرازيل وأستراليا وكوريا الجنوبية وماليزيا وجنوب إفريقيا... وضع يفسره الحمدوشي قائلا: «لا أتصور أن يتصل بي شخص ليحدثني عن مشاكله الجنسية، أو يهددني «نكرة» بالقتل لمجرد أن محمد مقصيدي يساند «الشواذ» وينتقد «صحيح البخاري»، وهي نماذج بسيطة من رسائل نتوصل بها على البريد الإلكتروني للموقع»، ويتابع قائلا: «لا نرى ضرورة لوضع عنوان صندوق بريدي أو لوضع قائمة بهواتفنا الشخصية مادمنا لم نحصل على اعتراف من طرف الوزارة الوصية». تلقى مسؤولو هسبريس مقترحا من مغربي لتزويده بنسخ مصورة من الجرائد الوطنية، اتصل بهم وعرض عليهم فتح موقع ملحق به. تتمثل الفكرة في نشر ملفات مصورة من الجرائد المغربية وتحويلها إلى ملفات «بي دي إف» ليتم وضعها بعد ذلك على شبكة الأنترنت في الليل، وكشفت هسبريس ل«المساء» أنه تم رفض عرض هذا الشخص واعتبرها الموقع «طريقة غير أخلاقية ستدق آخر مسمار في نعش الصحافة المكتوبة المغربية». في وقت سابق من العام الماضي، تعرض هسبريس للقرصنة بعد اختراق لوحة التحكم في الموقع، وهي ثاني عملية اختراق بعد الأولى التي حصلت في شتنبر 2007، أي قبل بضع أيام من الانتخابات التشريعية، وبعد التعرف على «القرصان» المغربي، تحول هذا الأخير إلى صديق لهسبريس، حسب المشرفين عليه، ومازالوا يحتفظون بعلاقة طيبة معه.. لم يخف أحد المداومين على تصفح هسبريس أن الموقع يحافظ على إيقاع متذبذب في الأخبار التي ينشرها، ويقول: «حصلوا على السبق في عدد من الأخبار، لكنهم وقعوا في أخطاء بتقديمهم أخبارا تبث فيما بعد أنها لم تكن صحيحة». في ماي من السنة الماضية، سقط هسبريس في فخ مقال تحدث عن تعديل حكومي وشيك، فقام الموقع بنشر لائحة «وهمية» للوزراء، لكنه تدارك الأمر في الغد بعد أن اتصل بالموقع، حسب الحمدوشي، أحد «الوزراء المفترضين» في اللائحة ونفى علمه بالموضوع. تعرف المغاربة على قناص تارجيست في هسبريس الذي عرض أول شريط له ليشاهده المغاربة، ثم تلته باقي الأشرطة التي حصل عليها الموقع فور توصله براوبطها، وتمت مشاهدة أحد المقاطع عن طريق هسبريس أكثر من سبعين ألف مرة. يعترف مسير الموقع أنهم نشروا خبرا خاطئا حول أحد الوزراء، لكنهم قاموا بحذفه بعد أن تبين للمشرفين عليه عدم صحته، واعتذر الموقع في الكواليس لأحد المقربين من الوزير، ويوضح الحمدوشي قائلا: «لانخجل من الاعتراف بأخطائنا أمام قرائنا، وسبق لنا المسارعة بالاعتذار وتصحيح الخطأ أكثر من مرة». إذا كانت الأنترنت، حسب مصممي موقع هسبريس، تمثل ساحة افتراضية، فهل ستتحول من فضاء للإخبار إلى ساحة للحروب الصغيرة التي ينشر فيها غسيل الناس الحقيقي منه والمختلق؟. عين على الأخبار ومصادر بلا حدود عندما تتصفح الموقع، تجد أن المشرفين عليه يضعون أسفل كل مقال مصدر المادة الصحافية، غير أن ما يسترعي انتباه زوار الموقع هو اختياره لهذه المواد دون إذن أصحابها، وهو ما يرد عليه مشرف الموقع بأن الموقع «ينقل أخبار الجرائد الوطنية بغية إخبار المغاربة المقيمين في الخارج أو المغاربة الذين يرفضون اقتناء الجرائد الورقية، ومن يجب أن يخجل هم أولئك الصحافيون الذين يسرقون الأخبار المحلية من مواقع الأنترنت دون الإشارة إلى أصحابها»، ولا يخفي هسبريس اعتماده على مقالات الصحافة المغربية المكتوبة، ويضيف صاحب الموقع معلقا: «نحن في هسبريس لا ندعي أننا ننتج الخبر أو أننا مصدره، بأننا نعتمد كثيرا على مقالات الجرائد الوطنية المكتوبة ونعتبرها مصادر أخبار لنا». يقوم مشرفو الموقع أيضا بترجمة أخبار الجرائد والوكالات الإخبارية العالمية إلى اللغة العربية والتي تتطرق فيها إلى المغرب، ويتم نشرها معززة بالصور على صفحات هسبريس. خدمات الفيديو متاحة أيضا في زاوية ثابتة في الصفحة الأولى، أغلب الأشرطة يتم تحميلها من موقع يوتوب الشهير، إذ تتبع هسبريس مثلا إذاعة حلقات المرزوقي وصالح حشاد في شهادتهما على العصر بقناة الجزيرة..