كان المتهم، المتحدر من مدينة تارودانت، شابا لطيفا، وكان عمله مع والده في المحل التجاري، يشغل كل وقته. كان والداه يوليانه اهتماما كبيرا، ويمنعانه دائما من مجالسة رفقاء السوء أو معرفتهم، لذلك نشأ في أسرة محافظة، وهو لا يعرف من مجتمعه الصغير سوى محل والده التجاري وبيت أبويه. لكن في أحد أيام الصيف الحارة، وبينما كان المتهم يرتب ما اقتناه والده من بضاعة في رفوف المحل، وقفت أمامه فتاة شابة، لم تتجاوز بعد. ربيعها العشرين، وطلبت منه أن يبيعها بعض الحلوى، أمسك المتهم بالنقود من يد الفتاة، وسلمها الحلوى، لكنه ظل واجما أمام جمالها وأنوثتها، وسلمها قلبه الصغير، الذي لم يعرف الحب بعد، ومنذ تلك اللحظة، بدأ في البحث عنها إلى أن عرف طريقها، ثم شرع في ملاحقتها بين أحياء المنطقة، وفي المسكن الذي تعيش فيه رفقة صديقاتها، وتقرب منها ليقف أمام حقيقة واقعها، إذ علم أنها متزوجة منذ أن كان عمرها 15 عاما، وأن زوجها أقعده المرض بعد أن انتقلت معه إلى مدينة أخرى، واضطرت إلى التنقل بحثا عن العمل حتى استقرت في أيت ملول، حيث اكترت غرفة بالقرب من المتجر مع بعض الفتيات، اللواتي يتحدرن من مدن مختلفة هجرنها للبحث عن عمل لإعالة أسرهن. وبعد مصارحتها له بواقعها، أصر المتهم على أن يرتبط بها عاطفيا، لأنه يحبها كثيرا، ونشأت بينهما علاقة حب تطورت إلى علاقة جنسية، يعاشران بعضهما كلما سنحت الظروف بذلك، وزاد ذلك من تعلق المتهم بعشيقته، التي أصبح يضحي بالغالي والنفيس من أجلها، بل وصل الأمر إلى حد الشجار مع والديه بسببها، وكانت ترافقه إلى أي مدينة يسافر إليها، ورافقته إلى مسقط رأسه، وظلا هناك يعيشان كالمتزوجين مدة أسبوع كامل، ثم سافر رفقتها إلى مدينة فاس، التي تتحدر منها، وطلب يدها للزواج دون علم والديه، لكن أبوي حبيبته، رفضا الأمر لأن ابنتهما متزوجة من رجل آخر، وهذا ما لا يقبله عقل ولا دين. سجائر وخمور تغيرت تصرفات المتهم رأسا على عقب، ولم يعد ذلك الشاب الخجول، بل بدأ يدخن السجائر ويشرب الخمر، ويهمل محل والده التجاري، ويغيب عنه أياما طويلة، لمرافقة حبيبته أينما حلت وارتحلت، وهو ما أثار غضب والده، الذي طلب منه أن يعود إلى رشده، ويبتعد عن خليلته المتزوجة، وهدده بطرده من المنزل والمحل أيضا، لكن المتهم لم يكترث بتهديدات والده، وخرج من منزل الأسرة، وأصبح عاطلا عن العمل، وتمكن ببعض المال، الذي كان قد جمعه من قبل، أن يكتري غرفة صغيرة فوق سطح أحد المنازل في أحد الأحياء بالمنطقة ذاتها، بعيدا عن أنظار والده. ظن المتهم أن حبيبته ستفرح لتصرفاته، وأنه تخلى عن أسرته وعمله من أجل ألا يبتعد عنها، لكنه فوجئ بمشاعرها تتغير تجاهه، بمجرد أن علمت أنه أصبح عاطلا عن العمل، وأنه لا يمكنه أن يلبي طلباتها الكثيرة كعادته، إذ أقامت معه في الغرفة أياما قليلة، ثم غادرتها بحجة أنها تريد العودة إلى العيش مع صديقاتها، خوفا من كلام سكان البيت. ومع مرور الأيام، لم يتمكن المتهم من الحصول على عمل جديد، حتى إنه بدأ يقترض المال من حبيبته أو من بعض الأصدقاء، الذين يعرفهم، ليغطي احتياجاته من الأكل والسجائر وقنينات الخمر، التي أصبح مدمنا عليها جراء ابتعاد حبيبته عنه. وخلال الفترة ذاتها، بلغ إلى علمه أن حبيبته بدأت تخونه، وتتعرف على شباب آخرين ليغطوا طلباتها، بل كانت تختلق الحجج الواهية كي لا تلتقي معه أو تقابله، بعد أن أدركت تدهور أموره المالية، وأنه لم يعد سخيا. طعنات غائرة حاول إقناعها بالانتقال للسكن بجواره لكنها رفضت، وطلب منها الانفصال عن زوجها والارتباط به، لكنها رفضت أيضا، فزاد ذلك من غيرته عليها، وشكوكه في تصرفاتها التي تغيرت بشكل كبير تجاهه. وعندما تبين له ممانعتها وصدها، حاول استدراجها إلى غرفته للانتقام منها، لكن قبل ذلك، انتقل إلى أحد الأسواق الشعبية، واشترى سكينا متوسط الحجم، وخبأه في الغرفة، ثم اتصل بها ليبلغها أنه كسب صفقة تجارية وأن أوضاعه المالية تحسنت كثيرا، ودعاها إلى قضاء سهرة في غرفته. حضرت إليه بكامل أناقتها وزينتها، وبعد أن ارتشفا بعض السجائر، وتجاذبا أطراف الحديث، تأكدت أن ما قاله المتهم كان فقط كذبة منه ليستدرجها إلى الغرفة، التي لم يكن يؤثتها سوى حصيرة وطاولة صغيرة، فغضبت منه كثيرا، وارتدت جلبابها لتستعد للخروج، وما إن اقتربت من باب المنزل الرئيسي، حتى فاجأها المتهم بإخراج السكين من بين تلابيبه، وتوجيه طعنة غائرة إلى عنقها، ونحرها من الوريد إلى الوريد، سقطت بعدها جثة هامدة في درج المنزل، وسط دمائها. تمثيل الجريمة غادر المتهم المنزل نحو وجهة مجهولة، تاركا حبيبته ملقاة على وجهها، والدماء تنزف منها، واكتشف جثتها سكان الحي، الذين سارعوا إلى إبلاغ عناصر الشرطة القضائية. وبعد تحريات مكثفة، والبحث في علاقات الضحية الشخصية والأرقام الهاتفية في هاتفها المحمول، توصل المحققون إلى المتهم، وألقوا عليه القبض بعد أن وجدوه مختبئا في منزل والديه، اللذين لم يخبرهما بجريمته، ثم أعاد المتهم تمثيل وقائع جريمته، بعد التحقيق معه وتسجيل اعترافاته في محاضر قانونية، ليحال بعدها على محكمة الجنايات، التي قالت كلمتها فيه. يشار إلى أن عناصر الشرطة القضائية لأمن أيت ملول بعمالة إنزكان أيت ملول ألقت القبض على المتهم المدعو «س. ح». وأحالته على محكمة الاستئناف بأكادير، متهما بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والعلاقة الجنسية غير الشرعية. وقائع الجريمة ابتدأت في أحد أحياء منطقة أيت ملول الأكثر شعبية، التي ترعرع فيها المتهم، الذي تجاوز ربيعه العشرين بسنوات قليلة، كان شابا خجولا وطيبا، يعمل مع والده في متجر صغير مخصص لبيع المواد الغذائية والحلويات، ويساعده في إعالة والدته وباقي إخوته الصغار.