بين أحمد أبو طالب، عمدة روتردام، وباراك أوباما، رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، أشياء مشتركة كثيرة، من بينها الأصول الإفريقية والإسلامية، واعتبار تعيين كل واحد منهما حدثا وسابقة هي الأولى من نوعها في بلديهما، وسنهما المتقارب جدا، وانتماء كليهما إلى التيار الاجتماعي الديمقراطي، لكن الفارق يظل كبيرا وهو أن أوباما سيتسلم هذه الأيام جائزة نوبل للسلام فيما، يواجه أبو طالب انتقادات واسعة تعتبره غير كفء لتولي مقاليد إحدى أكبر المدن الأوروبية. لم يكمل بعد عامه الأول كعمدة لروتردام، لكن المشاكل وصعوبات العمل تلاحقه من كل جانب، وتجعل من دخوله التاريخ كأول عمدة من أصل مغربي يتولى مسؤولية إحدى أهم المدن الاقتصادية في العالم، مسؤولية كبيرة جدا. بدأت الانتقادات تنهال على أحمد أبو طالب من كل جانب، مشككة في قدرته على التسيير وإدارة الأزمات التي تعاني منها المدينة، وذلك بعد صدور خلاصة بحث أجري على خلفية أحداث شغب التي عرفتها روتردام الصيف الماضي. وفي تعليق له على نتائج التقرير، أكد أبو طالب أنه يقبل بما ضمه التقرير من خلاصات وتوصيات، ولم يرد التملص من مسؤوليته رغم أنه كان حديث عهد بالعمودية وقت الأحداث، لكن ذلك لم يمنعه من أن يصبح هدفا للسهام السامة لأحزاب المعارضة التي شككت بشدة في قدراته الإدارية وأحقيته بالمنصب. حتى الشرطة لم ترحم أبو طالب، فقد صرح إيريك نوردهولت، وهو مفوض سابق للشرطة، لإحدى القنوات العمومية: "لا يمكن فهمه إطلاقا حينما أسمعه يقول إن الأحداث كانت كابوسا مزعجا له، وإنه تلقى تحذيرات، وبعد ذلك عاد إلى النوم مجددا، ثم عقد اجتماعا على الساعة الثامنة صباحا". حتى رئيس فريق حزب العمل في روتردام، الحزب الذي ينتمي إليه أبو طالب، هاجمه قائلا: "الأمر عبارة عن تراكم مجموعة من الأخطاء والفشل على كل المستويات. غير أن أكبر الأخطاء وقعت على مستوى التنظيم السياسي". وكان أحمد أبو طالب أصدر، مباشرة بعد تسلمه مقاليد مدينة روتردام، تعليماته بالتعاطي مع مشاكل المشاغبين الرياضيين بقبضة من حديد، الأمر الذي أثار آنذاك حفيظة جمعيات أنصار فريق فاينورد لكرة القدم، والذي يمثل الوجه الرياضي للمدينة. أما دواعي القبضة الحديدية للسيد أبو طالب، فسببها تكرار أعمال شغب بعض أنصار الفريق ضد أنصار فرق أخرى، مثل فريق آياكس أمستردام. ويناقش مجلس بلدية روتردام التقرير الذي أنجزته مؤسسة الأمن حول إدارة الأزمات (COT) يوم الخميس المقبل. إلا أن مصادر أكدت أن المجلس لا يفكر في الوقت الحالي في دفع أبو طالب إلى الاستقالة، فمع اندلاع أحداث الشغب، كان قد مر عليه في منصبه ثمانية أشهر فقط، إضافة إلى أنه لم يبلَّغ بالأحداث إلا بعد منتصف الليل، وكان نائما في بيته. وقد شكل تعيين أبو طالب على رأس السلطة المحلية في روتردام في بداية هذه السنة، حدثا سياسيا تاريخيا في نظر الهولنديين والمنطقة، رغم أن الرجل كان قبل سنتين وزير دولة في الحكومة الهولندية، فمنصب العمودية أهم في البرتوكول الأوروبي من المنصب الوزاري، فهو يعين مباشرة من قبل الملكة بياتريكس. وكان أحمد أبو طالب قد قال في لقائه الأول مع صحيفة عربية إنه سعيد وفخور بتشبيه الصحافة والناس له بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، وإن ثمة فعلا أشياء مشتركة بينهما، من بينها الأصول الإفريقية والإسلامية لكليهما، وكذلك اعتبار تعيين كل واحد منهما حدثا وسابقة هي الأولى من نوعها في بلديهما، وسنهما المتقارب جدا، وانتماء كليهما إلى التيار الاجتماعي الديمقراطي، لكن الفارق يظل كبيرا أيضا بينهما -يضيف العمدة- فهو يرأس السلطة المحلية في مدينة يراوح عدد سكانها الستمائة ألف، بينما يقود أوباما الولاياتالمتحدة الدولة الأقوى، التي تقود بدورها العالم تقريبا". أحمد أبو طالب، الذي جاء إلى هولندا خلال عقد السبعينات مع والده وعائلته، كان قد درس الهندسة واشتغل بالإعلام، وتولى منذ التسعينات العديد من المناصب العامة، من بينها إدارته لمؤسسة "فورم"، وهي مجلس استشاري للحكومة الهولندية في شؤون الاندماج والأقليات. وقد لمع نجمه منذ نجاحه قبل أربع سنوات في إدارة العديد من الملفات الاجتماعية كوزير محلي في سلطة العاصمة أمستردام، ثم نجاحه كوزير دولة مكلف بالشؤون الاجتماعية والعمل قبل سنتين ونيف، قبل تعيينه عمدة لروتردام بداية هذه السنة. ولم يخف أبو طالب إعجابه ببلده هولندا، حيث قال في أحد حواراته الإعلامية: "لقد سمحت هولندا للمسلمين ببناء مساجدهم ورفع مناراتها عاليا في قلب مدنها الكبرى، ومولت تعليمهم الديني، ولم تفرض أي قيد على ممارستهم لعقائدهم بكل حرية، وهي فخورة بأن برلمانها ومجالس بلدياتها وحكومتها تضم مسلمين، وأن ما يحدث من أشياء قد تبدو عدائية للإسلام ليست أبدا من صنع القوانين أو المؤسسات، إنما من صنع متطرفين لا يخلو منهم مجتمع، ولهذا فهي ترى نفسها مؤهلة لقيادة هذا الحوار، كما هي مؤهلة لمد الجسور مع العالم العربي والإسلامي".