(محمد،ب) موظفا بإحدى الجماعات المحلية ويخاف أن يقلب موضوع قصته المواجع على بعض من يعرفونه، هذا الرجل النحيف والمتزن في كلامه يبدو في عقده الرابع، أصبح ملتزما منذ ما يقارب خمس سنوات وهجر حياة كان يتخبط فيها قرابة تسع سنوات. كنت نصابا محترفا و خمارا .....نعم كنت نصابا وخمارا ؛ بهذه العبارات حاول صاحبنا أن يفتح كتاب ماضيه ليطلعنا على بعض أهم محطاته. نشأ (م،ب) بين أحضان أسرة محافظة في البادية بنواحي مدينة سطات، حفظ أكثر من ثلاثين حزبا من القرآن بالقرية التي ترعرع فيها وكان محبوبا لدى الجميع في تلك القرية، والده رجل له مكانته بين رجال القرية، تابع (م، ب) دراسته الثانوية بمدينة سطات، بدأ بعدها حياته موظفا بسيطا بجماعة محلية بمرتب لا يتعدى 2300 درهم، كان سعيدا بهذا الراتب الذي كان يكفيه في قضاء أهم حاجياته، بل ويساعد أسرته بجزء منه. كان يتميز بقدرة كبيرة على التواصل، وله أسلوب إقناع شهد له به الجميع من زملائه بالعمل، مع توالي الأيام تزوج متحدثنا من بنت الدوار بعد حصوله على سكن وظيفي بالجماعة التي يعمل بها، رزق بإبنه الأول وبدأت مطالب الحياة تزداد وكذلك حاجيات البيت، فبدأ إبليس يتسلل إلى قلبه بأفكاره الشيطانية، ثم كبرت في ذهنه فكرة الاقتراض لأول مرة من إحدة وكالات القروض، وتلك كانت البداية، يقول صاحبنا. أخد المبلغ الذي اقترضه وصرفه في ظرف أسبوع تقريبا، لكن راتبه الشهري كان على موعد مع اقتطاع شهري بقيمة 1000 درهم للشهر، الأمر الذي أصبح يؤرق الرجل وجعله في ضيق مع توالي الشهور، زوجتي كانت خارج التغطية، لم تكن تسأل من أين أتيت بالمال ولا تقحم نفسها في أي شيء يخص الجانب المادي، دخل عالما جديدا وبدأ رحلة الاقتراض من زملاء وزميلات العمل، كانت البداية ب50 درهما وانتقلت إلى مبالغ مالية مهمة. وظف صاحبنا أسلوبه في الإقناع والتواصل ليصنع قصصا من خياله حول ظروف طارئة؛ أقول مرة والدي مريض ومرة أخرى أمي على فراش الموت ومرة أنسج قصة حول أسرتي الصغيرة .....، انتقلت إلى مرحلة أخرى في عالم الاقتراض، إذ أصبحت ألجأ إلى موظفين بقطاعات أخرى وتوسعت دائرة المقرضين بشكل كبير جدا، الرشوة التي كنت آخذها من المواطنين لم تعد تكفيني، وانتقلت إلى الاقتراض من بعضهم، مستغلا علمي بوضعهم المادي حتى أصبح أغلبهم لا يأتي إلى مكتبي خوفا من أن أطالبهم بمبلغ من المال. هذه المبالغ كلها أصبح يصرفها هذا الرجل في شرب الخمر ومجالسة شلة سوء جديدة تعرف عليها بالصدفة، بدأ خبر تعاطيه للخمور يدب بين زملائه وزميلاته وأصدقائه لتبدأ رحلة مطالبته بالمبالغ التي اقترضها فكان يتملص منهم واحدا واحدا، بل كانت تصل به الجرأة إلى حد إعطاء وعود لبعضهم والتأثير عليهم لإقراضه المزيد من المال. متحدثنا سيبدأ رحلة مغامرة جديدة، إذ بدأ يقتني بعض الأشياء الثمينة ويقدم مقابلها شيكات بدون رصيد، نصب على بائع للمجوهرات ونصب على بائع المواد الغذائية الذي كان يتعامل معه، نصب على موظفين يعرفهم ويعرفونه ونصب على صاحب متجر لبيع الآلات الإلكترونية التي كان يشتريها مقابل شيك ليبيعها بنصف ثمنها لبعض من يعرفونه...... أصبح همه الأول هو الحصول على المال فقط ليلتحق في المساء برفاق الحانة ليصرف المال وكأنه من أغنى أغنياء المنطقة، توالت طرقات باب منزله بحثا عنه، ونفذ صبر زوجته من تصرفاته الجديدة فقررت أخذ ابنها والرحيل إلى بيت والدها. متحدثنا وجد نفسه في أحد الأيام بين يدي رجال الدرك مطالبا بتسديد كمبيالات وشيكات بدون رصيد، وصل الخبر إلى والده وإخوته فتدخلوا لإنقاذه من السجن وسددو المبالغ التي كانت في ذمته وهم تحت هول الصدمة من الحال الذي أصبح عليه، إخوتي سددوا عني المبالغ المالية، لكن أبي سدد إلى قلبي رصاصة حين قال لي وأنا أخرج من القضبان: (ما يحدث لك قليل في حقك يا ولدي، فالقرآن الذي تحمله في صدرك لن يجتمع في يوم من الأيام مع كؤوس الخمر التي تشربها .. فاختر أحدهما، كلمات الأب كانت كالرصاصة التي تصيب الهدف، لم تفارق هذه الكلمات متحدثنا وظلت تحفر في رأسه وبكى تلك الليلة التي قضاها ببيت والده قبل أن يتدخل ذوو النيات الحسنة ويصلحوا الأجواء بينه وبين زوجته. قرر (م، ب) أن يحمل القرآن من جديد، وبدأ في تلاوته وهو يتحسر على سنوات مضت من حياته كالجحيم، مليئة بالخوف والذعر وعاد إلى حياته الطبيعية، وقرر أن يعيش وزوجته على الماء والخبز حتى تمر الأزمة ويسترجع جزءا مهما من راتبه الذي نخرته وكالات القروض، وأصبح مواظبا على الصلوات الخمس بالمسجد الذي يجاوره، ولما لاحظ العديد من زملائه وأصدقائه استقامته بدأوا يقدمون له المساعدات بين الفينة والأخرى حتى تجاوز الأزمة، وهو الآن يعيش في ظروف جيدة يحمد الله عليها بعد أن استقر راتبه وانتعش بعد ترقيته إلى سلم آخر. قرر أن يكمل حفظ القرآن كاملا بعد أن كان يحفظ أكثر من نصفه، دعا الله أن يغفر له ذنوبه وأن يصفح عنه كل من أساء إليهم بقصد أو بغير قصد في يوم من الأيام، يتحدث وهو سعيد بالأمان الذي قال إنه أصبح يعيش فيه ويحذر من رفاق السوء وينصح كل من وجد نفسه وسط رفاق السوء أن يهجرهم على الفور فلا ندم على هجرتهم يقول صاحبنا.