في الوقت الذي يستعد المغرب، خلال الأيام القليلة المقبلة، للترافع أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، المعروفة أيضا باسم لجنة تصفية الاستعمار، والتي تعرف نقاشا حادا بين المغرب من جهة وكل من جبهة البوليساريو والجزائر من جهة أخرى، فإن فعاليات صحراوية ترى أن «إصرار» المغرب على «إقصاء» ضحايا انتهاكات البوليساريو من اجتماعات اللجان الأممية المعنية بحقوق الإنسان لا يخدم القضية الوطنية، ويفسح المجال بالمقابل ل«الخصوم» لاستعمال نفس الورقة عندما يقدم أشخاصا بصفتهم من ضحايا الجانب المغربي. وانتقدت جمعية ضحايا معتقلي ومفقودي سجون البوليساريو ما أسمته «تجاهل» الحكومة لضحايا الانتهاكات الجسيمة في سجون تندوف، وعدم استدعائهم للإدلاء بشهاداتهم أمام ممثلي الدول المجتمعين حاليا في الدورة العادية الثانية عشرة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف. واستغرب الداهي أكي، رئيس جمعية معتقلي ومفقودي سجون البوليساريو، ما أسماه «التصرف غير المسؤول» للحكومة التي لم توجه الدعوة لأعضاء الجمعية الذين ذاقوا «أبشع ضروب التعذيب في سجون تندوف» من قبل البوليساريو وبإشراف مباشر من ضباط الجيش والمخابرات الجزائرية، متسائلا في ذات السياق عن ماهية المناسبة التي يجب تقديم ضحايا البوليساريو فيها للإدلاء بشهاداتهم إن لم تكن هي مناسبة انعقاد أشغال هذه الدورة من مجلس حقوق الإنسان. وأضاف أكي في تصريح ل«المساء» أن الوفد المغربي الذي ذهب إلى الاجتماع المتواصل حاليا بجنيف «لا يمثل فعلا ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من طرف البوليساريو، وأن غالبية الوفد المغربي هم ممن كانوا ضمن أعضاء البوليساريو قبل أن يلتحقوا بأرض الوطن، وليس لهم ما يقدمونه أمام المنتظم الدولي في ما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان بمخيمات تندوف»، مشيرا إلى أن جمعيته التي تضم 150 معتقلا سابقا بسجون البوليساريو بإمكانهم «تقديم صورة جلية عن مدى ضلوع كل من الجزائر والبوليساريو في تعذيب الصحراويين وانتهاك الحقوق داخل سجون مخيمات تندوف». ولم يتسن ل«المساء» ربط الاتصال برئيس لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بسبب وجود هاتفه النقال خارج التغطية طيلة صباح أمس الأربعاء. ونبه أكي الحكومة من مغبة الاستمرار في ما وصفه ب«الإقصاء المتعمد الذي لا يخدم القضية الوطنية الأولى»، موضحا أن إشراك ضحايا البوليساريو في اجتماعات اللجان الأممية، ومن ذلك اجتماع اللجنة الأممية الرابعة المقبل، الذي تنشط فيه الجزائر والبوليساريو بشكل مكثف، هو وحده الكفيل بجعل المنتظم الدولي يتعاطف مع الجانب المغربي، مؤكدا على أن الجنة الرابعة التي أصدرت قرار تقرير المصير الخاص بالمناطق الجنوبية، ما تزال مجالا متحكما فيه من طرف خصوم المغرب، بسبب «تغييب الصحراويين المغاربة عن اجتماعاتها». وكانت إحدى الدورات السابقة للجنة تصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة عرفت تقديم الجزائر قرارا يؤيد مخطط المبعوث الدولي السابق جيمس بيكر الخاص بتنظيم استفتاء في الأقاليم الجنوبية، وهو القرار الذي حصل على موافقة 52 عضوا بدون معارضة وامتناع 89 عضوا عن التصويت، مما جعل المغرب يصف وقتها العدد الكبير للممتنعين عن التصويت بأنه «انتصار كبير»، في حين اعتبرت الجزائر النتيجة «تكريسا لحق الشعب الصحراوي في تحقيق مصيره». في سياق ذلك، اعتبر الباحث في الشؤون الصحراوية، مصطفى ناعمي، أن منطق الدولة المتحكمة في خيوط القضية يقلص من مساحة التحرك لدى جمعيات المجتمع المدني، وهو ما يفقد هذه الجمعيات قدرتها الاقتراحية على الجهات الدولية، في ظل التضييق على تحركاتها، مشيرا إلى أن الضرورة تقتضي أن يكون هناك تكامل في الأدوار بين الدولة والمجتمع المدني، لا أن يُرفع شعار «الدولة لا ثاني ولا شريك لها» في القضية الوطنية الأولى.