تفتح «المساء» صفحاتها خلال شهر رمضان لوجوه رياضية طالها الإهمال، لأسماء كبيرة صنعت يوما مجد الرياضة، وتعيش الآن كل أنواع التهميش، وتدعو كل القراء الكرام ليتذكروا بعض الرياضيين الذين طواهم النسيان، ويعيشون الآن في أوضاع مزرية بعد نهاية مسارهم الرياضي، حيث حجم الفارق كبير بين البداية والنهاية. ارتبطت أسماء نجوم المحمدية برجل يحفظ الجميع سحنته السمراء، عبد القادر أيت أوبا، صانع النجوم الذي ظل طيلة أعوام كثيرة يطوف كل الأحياء بدراجته الهوائية ليقيم الدوريات الرياضية ويكتشف اللاعبين الموهوبين... أيت أوبا، قيدوم كرة القدم بمدينة الزهور، مارس اللعبة منذ حوالي خمسين سنة، فقد لعب منذ الصغر لفريق فضالة سبور الذي كان معظم لاعبيه إسبانيين، كان يبلغ حينها ثلاث عشرة سنة، لعب إلى جوار الفاضلي وبطابوط ... ولعب لشبان اتحاد المحمدية، قبل أن يتوقف عن الممارسة لأسباب صحية، ويلتحق بعالم التدريب وهو في سن التاسعة عشرة. أحرز بطولة المغرب للفتيان سنة 1974 مع شباب المحمدية، كان يوفر للمرحوم الحاج عبد القادر لخميري قائد سفينة الشباب حينها الموارد البشرية الكافية التي حققت إنجازات هامة جدا.. ويكفي الرجل فخرا أنه كان وراء تكوين عدة نجوم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، في مقدمتهم أحمد فرس وحسن اعسيلة والطاهر الرعد وادريس حدادي وعبد اللطيف حدادي وولد عائشة ومصطفى الزياتي وغيرهم من اللاعبين الذين صنعوا يوما مجد المدينة.. كما درب في أواخر التسعينيات أسماء أخرى لازالت تقدم عطاء الإبداع في مياديننا الرياضية، وأخرى حملت مشعل الرياضة بالمحمدية مثل نور الدين الزياتي وعزيز البوطي ونور الدين الصويب وموكلي حاتم ، عادل كروشي... يعتبر عبد القادر أيت أوبا من بين المؤسسين لنادي شباب المحمدية... ساهم في تأسيس عدة مدارس كروية واختار أن يبقى بعيدا عن إدارتها فقد كان الرجل يتنفس أوكسيجين الرياضة، اكتفى بمهمة التدريب، وتكوين اللاعبين، بعدها قرر تأسيس مدرسة المجد منذ ثمان سنوات، قاد خلالها طاقمها الإداري لضمان استمراريتها، يتحدث أيت اوبا عن مرحلة اكتشاف النجوم بفخر كبير: «منذ ثلاثة عقود خلت وأنا أعيش هوس الكرة، لقد خلقت لأكون رياضيا، استهوتني مهمة التنقيب عن المواهب، أقمت العديد من الدوريات، تتبعت الصغار في فرق الأحياء، وفي كل مرة كنت أكتشف فيها لاعبا بمواهب فطرية، كنت أحس أنني قد حققت المتعة كلها. لقد كان لي شرف تكوين عدة أسماء واعدة في كرة القدم تعدى صيتها الأرجاء»... يقود أيت اوبا مدرسة المجد التي تمكنت بالكاد من توفير مقر لها خلف المدرجات العارية لملعب البشير، مدرسة في الخفاء تعاني من غياب ملعب للتداريب في مستوى طموح الأطفال المتدفقين على المدرسة، كما تعاني من قلة الدعم واللامبالاة والتهميش رغم ما تقدمه من خدمات رياضية واجتماعية للأطفال، بمداخيل هزيلة تعتمد أساسا على منحة سنوية متواضعة لبلدية المحمدية ، إضافة إلى المداخيل الرمزية للانخراط ، فالمدرسة تكون العشرات من أطفال الأسر المعوزة بالمجان كما تقتني لهم البذل والأحذية الرياضية والأدوات والكتب المدرسية بداية كل موسم رياضي ودراسي.. «لم أتعب أبدا من تكوين لاعبين صغار تستهويهم الكرة، ولا بد من تأطيرهم وتشجيعهم على ممارسة الرياضة لتستمر النهضة الرياضية بالمدينة، ونهيء باستمرار جيلا جديدا من الممارسين، ففي مدرسة المجد نسعى باستمرار لاستقطاب أكبر عدد من الراغبين في مزاولة الكرة وفق نظام جيد وجديد يخدم بشكل كبير مصالح الصغار ويفتح لهم آفاقا رياضية أخرى». عرف الرجل بعزة نفس وشموخ قل نظيرهما، رغم الفقر والتهميش الذي طاله منذ سنين، يقابلهما حب وإخلاص للكرة المستديرة وتضحيات جسام منذ نصف قرن من الزمن في سبيل أطفال فضالة، حالت وضعيته الصحية دون استمرار عطائه، فأرغم على التقاعد المرضي، وانتظار ما قد تجود به الحياة والمدينة على واحد من أبنائها الذين ساهموا في حمل مشعل الرياضة بمدينة المحمدية. يركن الآن إلى الظل. يروض الأشبال من ماله الخاص دون أن يجد أدنى التفاتة من فعاليات المدينة الرياضية والاقتصادية، ولم يتلق وهو طريح الفراش منذ شهور تحية إجلال، أو زيارة رد جميل من بعض الذين صنعهم في أوقات الشدة. يعاني عبد القادر من مرض السكري الذي اضطره إلى بتر جزء من رجله اليسرى لكي لا يتسرب المرض إلى باقي جسمه، تنهش جسمه الشيخوخة والفقر والتهميش، لكنه سيبقى دائما واحدا من رموز الرياضة المحلية الذين صنعوا يوما مجد الرياضة بمدينة الزهور، في انتظار مبادرة محمودة تعيد إلى الرجل بعض عطاءالسنين.