تفتح «المساء» صفحاتها خلال شهر رمضان لوجوه رياضية طالها الإهمال، لأسماء كبيرة صنعت يوما مجد الرياضة، وتعيش الآن كل أنواع التهميش، وتدعو كل القراء الكرام ليتذكروا بعض الرياضيين الذين طواهم النسيان، ويعيشون الآن في أوضاع مزرية بعد نهاية مسارهم الرياضي، حيث حجم الفارق كبير بين البداية والنهاية. تعودنا خلال هذه السلسلة الرمضانية أن نحيط كل الرياضيين الذكور بالاهتمام، ولكننا اليوم ننقل للقارئ صورة أخرى عن الرياضية المغربية التي قطعت أشواطا هامة في التعريف ببلادها في محافل مختلفة، إذ تعتبر زهرة العلوي اليزيدي واحدة من رياضيات مغربيات طالهن النسيان وأصبحن مجرد أسماء غير محفوظة في ذاكرة العديد من المتتبعين الرياضيين. ازدادت البطلة المغربية في رياضة التزحلق على الجليد سنة 1938 بمدينة فاس، تابعت دراستها بثانوية أم البنين قبل أن تنقطع عن الدراسة بعد أن حصلت على الشهادة الإعدادية، إذ اضطرت إلى دخول عالم الشغل بعد نهاية الاستعمار. كان عشق المرأة للرياضة كبيرا، فمارست السباحة والمسايفة والتزحلق على الجليد، واستطاعت أن تفوز ببطولة المغرب للتزحلق على الجليد سنة 1961. لم يتوقف طموح الرياضية عند لقب البطولة، فقد مارست ألعاب القوى، وشاركت في العديد من السباقات كما نجحت في ممارسة رياضات أخرى كالمسايفة، وكانت مثالا للرياضية الشاملة، وأجمل ما أهداها القدر زيارة شرفية للملك محمد الخامس مع الفوج الأول الذي خضع لتداريب مكثفة داخل المركز الرياضي بالرباط، الزيارة التي أعطتها شحنة أخرى من أجل الانطلاق، وممارسة الرياضة بنوع من الرغبة في التألق. «أذكر أن الفرح كان أكبر من أن يوصف ونحن ننعم بالزيارة التشجيعية للمغفور له جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، لم يكن هناك عدد كبير من الرياضيات النساء، كان ذلك سنة 1956، لقد كانت الزيارة الملكية شحنة قوية جعلتنا أكثر عزما على العطاء المتجدد». حصلت زهرة اليزيدي على شهادة التدريب من الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى سنة 1966، وعملت مدربة في فريق الرجاء الببضاوي لألعاب القوى، وفريق الوداد البيضاوي لكرة السلة، قبل أن تستقر بعد مسار رياضي طويل في مدينة بن سليمان سنة 1975. بعدها ازدادت مسؤوليات المرأة التي أصبحت مطالبة بتكوين جيل جديد من الرياضيين، وقدمت خدمات جليلة للرياضة الوطنية. في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي لم يكن الاهتمام الرياضي النسوي كبيرا، لكن خرجت زهرة عن القاعدة، وبعد أن حصلت على الألقاب انتقلت إلى مجال التأطير الرياضي إذ حصلت سنة 1964 على دبلوم في كرة السلة، ودبلوم في تأطير ألعاب القوى سنة 1966، ودبلوم في المسايفة سنة 1965، ودبلوم في تداريب مختلفة سنة 1970، ودبلوم في التربية الشعبية، ودبلوم تدريب في رياضة التزحلق على الجليد سنة 1980، وآخر في رياضة الجمباز، وشهادات أخرى مختلفة من منظمي الألعاب العالمية الرابعة للسلم. لقد استطاعت زهرة العلوي أن تكون مثالا حيا للرياضية الشاملة التي أحبت الرياضة وأخلصت لميدان التحصيل المعرفي. بعد اللعب والتدريب انتقلت البطلة المغربية إلى مجال التسيير الرياضي، إذ شغلت منصب رئيسة المرأة الرياضية بابن سليمان سنة 1993 ومنصب رئيسة الاتحاد النسوي سنة 1994، وقد اهتمت دائما بالجانب الرياضي الذي بفضله تتنفس أوكسجين الحياة. وإكراما لها حازت على وسام ملكي من الدرجة الأولى سنة 1985 ووسام ملكي من الدرجة الثانية سنة 1993، ولكن رغم هذا المسار الرياضي المتنوع الذي استطاعت من خلاله زهرة العلوي أن تعرف بالرياضة الوطنية وتعمل على تطويرها لم تكن استفادتها المادية بحجم العطاء وسنوات العمل المتواصل. فبعد وفاة زوجها وجدت السيدة نفسها تقوم بالعمل الجمعوي، لها خمسة أبناء وتعيش على أجرة التقاعد، ولا زالت رغم تقدم السن تركب دراجتها الهوائية لقضاء حاجياتها، وتتوجه إلى كل المصالح المختصة والعمالة بحثا عن عمل لأبنائها لضمان مستقبلهم. هكذا أنهت زهرة العلوي اليزيدي حياتها الرياضية، ولم يتقدم أحد لتكريمها رياضيا، ظلت في الظل ولم تسلط عليها كاميرات الإعلام أضواءها، لكنها تجد متعتها في العمل الجمعوي.