تفتح «المساء» صفحاتها خلال شهر رمضان لوجوه رياضية طالها الإهمال، لأسماء كبيرة صنعت يوما مجد الرياضة، وتعيش الآن كل أنواع التهميش، وتدعو كل القراء الكرام ليتذكروا بعض الرياضيين الذين طواهم النسيان، ويعيشون الآن في أوضاع مزرية بعد نهاية مسارهم الرياضي، حيث حجم الفارق كبير بين البداية والنهاية. أحب فريق شباب المحمدية، تعلق بملعب البشير، ووجد نفسه يوما واحدا من نجومه الكبار، ففي نهاية السبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، كان الصراع كبيرا على اللقب بين الوداد والرجاء والنادي القنيطري وشباب المحمدية، كانت الفرق آنذاك تملك رصيدا كبيرا من اللاعبين المميزين، وكانت المناسبة لمتابعة سباق محموم نحو الألقاب... وفي شباب المحمدية، كان الصغير يصفف ضفائر حلم جميل، التحق بفريق شباب المحمدية، تدرج عبر أقسامه كلها، قبل أن يضمن رسميته إلى جانب المبدعين في قسم الكبار. ظل اللاعب طيلة مساره الرياضي الذي امتد لسنين طويلة، يحسبها بعدد المباريات، وبالمتعة التي كان يوزعها كل أحد على جمهور فضالة. ولكي لا ينسى يتذكر اللاعب أيام المجد بالكلمات: «كانت أحلامي كبيرة، وأكبرها حلم اللعب لفريق شباب المحمدية، أذكر أنني التحقت بالفريق في بداية السبعينيات، كانت المحمدية يومها قبلة للرياضة، ظل هوس الكرة يسكننا جميعا، خاصة وأن الفريق عبرت سمعته لحظتها كل أرجاء الوطن، وأصبح حلم كل الرياضيين، فقد كنت سعيدا يومها وأنا أجاور الكبار، حافظت على رسميتي طيلة عشرة أعوام، وكانت المناسبة للتوقيع على مسار رياضي جيد». داخل فريق الشباب، تعددت المواهب، وكان لا بد لهذا الفريق النموذجي أن يزين اسمه بلقب رائع، كان عليه أن يخلد أسماءه الفريدة في خانة الكبار. شكل منافسا قويا لكل أندية الصفوة، وفي نهاية السبعينيات كان الفريق على موعد مع الحلم الكبير، كانت تفصله عن التتويج بكأس العرش مباراة واحدة، كان الخصم يومها هو فريق الوداد الذي تشكل من عناصر فاعلة، لها باع طويل في كرة القدم، ولكن الهزيمة حرمت الشباب من التتويج، قبل أن يعود الفريق بعد سنة فقط ويحرز لقب الدوري. «في نهاية كأس العرش سنة 1979، كانت المحمدية كلها قد هيأت نفسها لحضور واحد من أعراس الرياضة الوطنية، كنا نملك فريقا كبيرا، وكان الخصم يومها فريق الوداد الذي عبرت شهرته المغرب، وقد حلمنا جميعا بلقب غال، لا أعتقد أننا نمنا ليلة المباراة، فقد سيطر الحدث الهام على مساحة تفكيرنا، كان الكأس الإهداء الذي انتظرناه جميعا، وأذكر أن المباراة كانت قمة في العطاء، انهزمنا بهدفين لواحد، ولكننا خرجنا على الأقل تحت تصفيقات الجمهور الذي تابع المباراة، حظينا يومها بالسلام على المغفور له الحسن الثاني، واستحق الفريق المحمدي إعجاب كل المتتبعين، ولكن حلم الفريق لم يتوقف، فقد استطعنا بعد سنة فقط أن نفوز بلقب الدوري، ونعيد البسمة إلى جمهورنا الرائع». بعد مسيرة رياضية موفقة، كان لا بد للاعب أن يغادر ميادين الكرة، كان لزاما عليه أن يعيش حياة أخرى مختلفة، عمل في إحدى الشركات وعاش حياة بسيطة أكبر مطالبها كسب لقمة العيش، اشترى لعائلته المكونة من ستة أفراد شقة تأويها، قبل أن يجد نفسه يوما في الشارع بعد أن عملت الشركة التي يعمل بها على تسريح مستخدميها، فلم يعد الرجل يملك دخلا قارا يستطيع من خلاله دفع الأقساط الشهرية للبنك، ليتم بعدها عرض شقته للبيع، وعاش اللاعب أسوأ لحظات القدر، كان يفكر بحزن شديد في مصير عائلة معرضة للتشرد، ومنع الرجل خجلُه من طلب المساعدة، ازدادت معاناته اليومية قبل أن يعمل أصدقاؤه القدامى على تنظيم مباراة تكريمية، تعيد إلى الرجل مكانته، فتم تشكيل لجنة خاصة للسهر على حفل التكريم، كان يقودها أحمد فرس، عسيلة، الرعد، روكي، بلمير، وبعض الفعاليات الرياضية.. وفي يوم تاريخي اجتمعت خلاله كل رموز الرياضة الوطنية، تم تكريم اللاعب محمد خوشان، في حفل رياضي شاركت فيه الرجاء والشباب، وجمعية أصدقاء وقدماء شباب المحمدية، وحضره عزيز دادس، عامل عمالة المحمدية، ورؤساء الأندية وفعاليات جمعوية ورياضية.. التكريم الذي أنهى مأساة الرجل، وحافظ له على شقته، في انتظار عمل يكسب به قوت يومه. «كل كلمات الشكر تبقى عاجزة عن وصف هذا المشهد التضامني الذي أعاد لأسرتي البسمة، وأنقذها من التشرد، أشكر كل من ساهم في هذا التكريم، وأتمنى أن تعم مبادرات التضامن ملاعبنا الرياضية، فهناك العديد من اللاعبين الذي يعانون في صمت، وينتظرون دعم كل الفعاليات». يعود خوشان إلى بيته سعيدا، وهو الذي وزع الفرح قبل أعوام في ملاعبنا الوطنية، وفي الذاكرة تسكن حكايا عديدة لا تنتهي... +