تفتح «المساء» صفحاتها خلال شهر رمضان لوجوه رياضية طالها الإهمال، لأسماء كبيرة صنعت يوما مجد الرياضة، وتعيش الآن كل أنواع التهميش، وتدعو كل القراء الكرام ليتذكروا بعض الرياضيين الذين طواهم النسيان، ويعيشون الآن في أوضاع مزرية بعد نهاية مسارهم الرياضي، حيث حجم الفارق كبير بين البداية والنهاية. تم تأسيس النادي المكناسي سنة 1962، ويضم مختلف الفروع الرياضية، واستطاع بعد عام واحد من تأسيسه أن يصعد إلى قسم الكبار سنة 1963، كان الإصرار على التحدي كبيرا، أراد الفريق أن يحول مدينة مكناس إلى واحدة من مدن الرياضة التي تسرق أنظار المتتبعين، ففي موسم 65/66 أكمل الفريق واحدة من ملاحمه الخالدة، فاز بكأس العرش في عرس رياضي كبير سعدت به مدينة الإسماعيلية كثيرا.. ولكن هذا الفرح سيستحيل إلى حزن كبير بعد نزول الفريق إلى القسم الثاني، وظل منذ يومها يتأرجح بين الصعود والنزول. يلعب مباراة السد حينا ويكتفي بتنشيط البطولة حينا آخر، وأجمل ما أهداه القدر لحظة تتويج بلقب الدوري موسم 94/95 ليشارك بعدها في منافسات كأس إفريقيا... استطاع فريق النادي المكناسي بفضل لاعبيه الكبار كحميدوش أن يؤسس لمرحلة هامة في تاريخ الرياضة بمكناس، وحين وجد فريقه الذهبي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، استطاع أن يضمن مكانته في قسم الكبار بعد هزمه لحسنية أكادير في مباراة السد سنة 1993، وحقق الفوز باللقب سنة 1995. تواصل العطاء، وأصبح الفريق يشكل قوة ضاربة في بطولة المجموعة الوطنية. ضم الفريق في تسعينيات القرن الماضي أسماء كبيرة للاعبين سيشكلون في ما بعد العمود الفقري للمنتخب المغربي لكرة القدم، كان هناك بيدان، كماتشو، الصغير، المنطيح وبودومة، وكان قبلهم جميعا الاسم الذي ارتبط اسمه بالنادي المكناسي وبالمنتخب المغربي عزيز الدايدي، الرجل الذي قدم فنياته الرائعة داخل الفريق المكناسي، ولم يكن هناك لاعب مكناسي آخر أشهر منه. إلى جانب جيل المبدعين كان هناك أيضا محمد اليوسفي، اللاعب الذي استقدمه الفريق يوما من فريق أمل عين الشبيك بمبلغ ألف درهم، ليجد نفسه واحدا من ركائز الفريق سنة 1989، وسط الميدان الذي حمله عشق الكرة إلى البحث عن آفاق رياضية أخرى، كان يدرب الفريق حينها المدرب سعيد الخيدر، أعجب بمهارات اللاعب ومنحه رسميته داخل الفريق. «حين التحقت بفريق النادي المكناسي، كنت أعلم أنني أدخل تجربة أخرى أكثر صعوبة، فأنت مطالب بتمثيل الفريق الأول داخل المدينة، مطالب بتقديم عرض كروي يليق بسمعة الفريق، والعبور إلى دائرة أخرى أكثر إشعاعا. سعدت يومها بمجاورة أسماء معروفة ككاماتشو وبيدان والحارس الصغير. كان الفريق يملك ترسانة من اللاعبين المميزين، حقق صعوده إلى قسم الكبار، قبل أن يفوز بكأس العرش ويهدي مدينة الإسماعيلية فرحا لا يوصف. لقد كان بإمكان الفريق في العديد من المناسبات أن ينافس الكثير من الاستحقاقات، ولكن الحظ كان يخونه رغم قوته الميدانية». لعب اليوسفي مع الفريق مدة تعدت العشر سنوات، كسب خلالها النضج والتجربة، وتدرب على يد مجموعة من المدربين الذين تفخر الساحة الرياضية بهم جميعا، كاللوزاني، يومير، السليماني والعامري وغيرهم.. وحقق مع الفريق لقب الدوري وشارك في المنافسات الإفريقية. يختصر اللاعب بعض اللحظات بالكلمات التالية : «شاركت مع الفريق المكناسي في مباراة السد من أجل الصعود إلى قسم الصفوة، وفزت معه باللقب سنة 1995، ولعبت رفقته ربع نهاية كأس إفريقيا التي انهزمنا خلالها ضد نادي الزمالك، لقد كان مسارا جيدا لازلت أذكر كل تفاصيله». اتصلت أندية أخرى باليوسفي رغبة منها في ضمه إلى صفوفها، كفريقي الجيش الملكي واتحاد الشرطة، لكن إصرار النادي المكناسي كان كبيرا على الاحتفاظ بلاعبه الأنيق بين صفوفه. وفي موسم 2002 سينهي اللاعب قصته مع عالم الكرة، سيبتعد عن الملعب الشرفي الذي وقع داخله على أحسن اللقاءات. ففي سنه الأربعين سيجد اليوسفي نفسه يصارع الزمان من أجل كسب قوت يومه، لازال يسكن رفقة عائلته في بيت العائلة، متزوج وله ولدان، ورغم ذلك لا زال يأخذ مصروفه اليومي من والده. في وضع يبعث على الألم، لم تلتفت إليه الجهات المسؤولة، ولم يمنحه الفريق فرصة للعيش بين أحضانه، كأن يمنحه فرصة الإشراف على بعض فئاته الرياضية، يحس الرجل بهمومه وحده، يشاركه بعض الأصدقاء آلام البطالة، يتحدث وخلف الكلمات جبل من الآلام والهموم، وفي العين دمعة، وفي القلب مساحة أمل بالتفاتة رياضية من فعاليات المدينة تعيد إلى الرجل بعض كبريائه.