سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أورتوفو.. فرنسي يعشق رياضات مراكش ويحلم بدولة فرنسية بدون مهاجرين عرب تسلل إلى أروقة السلطة في المغرب عبر الرسام المهدي قطبي وتصريحاته العنصرية تخلق الجدل بفرنسا
كانت آخر زيارة قام بها أورتوفو إلى المغرب هي تلك التي التقى فيها وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري في أبريل المنصرم، أي شهرين قبل الانتخابات الجماعية الأخيرة. وهي الزيارة التي وشح فيها الفاسي الفهري، بتعليمات ملكية، المسؤول الفرنسي بوسام علوي من درجة ضابط كبير. ومع ذلك لم يتردد أورتوفو في القول للفاسي الفهري «إن المغرب مطالب بإعادة النظر في تحالفاته الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية مقابل دعم فرنسا للقضايا المغربية في المنتديات الدولية». أثارت تصريحات عنصرية لوزير الداخلية الفرنسي بريس أورتوفو، المعروف بصداقته لمسؤولين مغاربة كبار في هرم السلطة بالمملكة، ضد شاب مغربي محسوب في خانة المنتسبين إلى حزبه الحاكم (الاتحاد من أجل حركة شعبية)، ردود فعل مثيرة وسط فرنسا وصلت إلى حد المطالبة برأس الوزير ورحيله من حكومة فرانسوا فيون. أورتوفو، الرجل القوي في فرنسا بعد ساركوزي، قال في هذه التصريحات بنبرة ساخرة من المهاجرين العرب، «يلزمنا دائما واحد منهم فقط. عندما يكون واحد تستوي الأمور. عندما يكون أكثر من واحد تكثر المشاكل». وجاءت هذه التصريحات للوزير أورتوفو على هامش مشاركته في مخيم صيفي نظمه حزبه بمدينة سينيوس (جنوب غرب فرنسا) عندما قدمت له ناشطة من الحزب شابا من أصل مغربي إسمه أمين بنعالي بروش قائلة «هذا منتسبنا العربي الشاب». وظلت هذه التصريحات العنصرية للوزير أورتوفو طي الكتمان لمدة 3 أشهر قبل أن تخرج إلى العلن، خلال الأسبوع الماضي، في شريط فيديو بثته جريدة «لوموند» الفرنسية على موقعها الإلكتروني. والمثير في هذه القضية أن توقيت انفجارها تزامن مع قرار عقابي اتخذه الوزير أورتوفو في وقت سابق يقضي بإحالة المحافظ بول جيرو على التقاعد المبكر بتهمة «الإدلاء بتصريحات عنصرية»، اضطر معها الوزير إلى إصدار بيان هاجم فيه منتقديه، معتبرا أن الأمر يتعلق ب«محاولة سخيفة لافتعال جدل»، وشدد على «أنه لم يقل أية كلمة تشير إلى الأصل القومي المفترض للشاب المنتسب إلى حزبه». رأس الحربة بريس أورتوفو، الملقب من طرف الصحافة الفرنسية ب«رأس حربة ساركوزي» واحد من الشخصيات الفرنسية، التي تحظى زياراتهم للمغرب بترحاب استثنائي من طرف المسؤولين لما تكتسيه من «استراتيجية هامة» في العلاقة بين البلدين، حسب ما يراه العديد من المراقبين. وقبل ثلاث سنوات، حل بريس أورتوفو ضيفا على المغرب، وهو يحمل وقتها حقيبة وزارة الهجرة، لتبليغ هذه الرسالة إلى المسؤولين المغاربة «إن أبواب فرنسا لم تعد مفتوحة في وجه كل من هب ودب من المهاجرين المغاربة وغير المغاربة»، ذلك أن فرنسا، بحسب المسؤول الفرنسي، دشنت سياسة جديدة في مجال الهجرة تعتمد في المقام الأول على انتقاء الكفاءات والمهارات من المهاجرين، في إشارة إلى ما أصبح يعرف ب«الهجرة الانتقائية». و ردا على هذه الرسالة للمسؤول الفرنسي، اكتفى المسؤولون المغاربة بالدعوة إلى «حث فرنسا على بذل المزيد من الجهود لتوسيع آفاق استقبال مواطنين مغاربة بطرق قانونية على أراضيها». «ذلك أن فرنسا سوف تحتاج، على المدى البعيد، إلى يد عاملة غير أوربية، وهو ما يفرض على البلدين ضرورة تدارس إمكانية استقبال المغاربة من طرف الفرنسيين في إطار مهني مؤسس على قواعد سليمة»، بتعبير المسؤول الأول في الخارجية المغربية الطيب الفاسي الفهري، فيما كان بريس أورتوفو، الصديق الكبير للمغرب، يشرح عكس هذه المعادلة للفاسي الفهري، الذي فاته أن يتذكر أن محاوره هو صاحب هذه المقولة التي لا يذكر إلا مقرونا بها «فرنسا لها الحق في أن تستقبل من تريد على أراضيها.. فلتكن لنا الشجاعة لمواجهة الحقيقة... هل من الطبيعي أن يتمركز 60 في المائة من المهاجرين في ثلاث جهات فقط من ضمن 23 جهة من التراب الفرنسي؟ وهل من الطبيعي أن يصل معدل البطالة لهؤلاء المهاجرين إلى 22 في المائة، فيما أبناؤهم غالبا ما يخفقون في دراستهم؟ هذا غير مقبول ولا يمكن أن نسمح به». وتمكن بريس أورتوفو من اختراق أروقة السلطة في المغرب، كما هو الشأن بالنسبة إلى العديد من الشخصيات الفرنسية، عبر الرسام المغربي المهدي قطبي، الحاصل على أكثر من وسام فرنسي، قبل أن يصبح واحدا من عشاق المغرب ولاسيما مدينة مراكش ورياضاتها الواسعة ومن عشاق الطبخ المغربي وتحديدا أكلة «البسطيلة». وتربط بريس أورتوفو بفؤاد عالي الهمة علاقة خاصة، ذلك أن الإثنين معا كانا مكلفين بملفات مشتركة تهم مستقبل البلدين، منها ملف الإرهاب عندما كان الهمة وزيرا منتدبا في وزارة الداخلية، فيما كان أورتوفو حينها وزيرا مكلفا بالجماعات الإقليمية. وحل أورتوفو على ضيفه الهمة بهذه الصفة الوزارية سنة 2005 عندما التقيا في مراكش لتبادل وجهات النظر في بعض الملفات المشتركة قبل أن يلتقي الإثنان في ملعب للكولف للترويح عن النفس. زيارة غير معلنة ولم يبخل أورتوفو على صديقه الهمة بزيارة أخرى عندما تمكن الأخير من الفوز بمقعد برلماني بدائرته بنكرير في انتخابات 2007 ليهنئه على هذا الفوز، قبل أن يبادر الهمة هو بدوره إلى القيام ب«زيارة مماثلة غير معلنة» إلى باريس للقاء أورتوفو، لكن هذه «الزيارة» تحولت إلى كابوس مزعج مازال الهمة يتذكره بكثير من «الأسف والاستياء». والسبب أن الهمة عندما وصل إلى مطار أورلي بباريس تعرض إلى تفتيش دقيق من طرف شرطة الحدود استغرق عدة ساعات، ذلك أن شرطة المطار ارتابت في أمر الهمة اعتقادا منهم «أن الماثل أمامهم ليس وزيرا سابقا في وزارة الداخلية المغربية، وإنما هو مهاجر سري ينتحل صفة وزير سابق». وشعر الهمة بحرج كبير وكان قاب قوسين أو أدنى من أن يجد نفسه في «خانة المرحلين إلى الحدود مع المهاجرين السريين» لولا دخول صديقه أورتوفو على الخط في هذه القضية، والذي أنقذه من هذه «الورطة غير المتوقعة». وكانت آخر زيارة قام بها أورتوفو إلى المغرب هي تلك التي التقى فيها وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري في أبريل المنصرم، أي شهرين قبل الانتخابات الجماعية الأخيرة. وهي الزيارة التي وشح فيها الفاسي الفهري، بتعليمات ملكية، المسؤول الفرنسي بوسام علوي من درجة ضابط كبير. ومع ذلك لم يتردد أورتوفو في القول للفاسي الفهري «إن المغرب مطالب بإعادة النظر في تحالفاته الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية مقابل دعم فرنسا للقضايا المغربية في المنتديات الدولية»، في إشارة إلى النزاع في الصحراء. وأضاف المسؤول الفرنسي في هذا اللقاء مع الفاسي الفهري «إن المغرب ينبغي أن يبقى، بناء على المعاهدات التاريخية الثابتة، ضمن النفوذ الجيوستراتيجي لفرنسا في المجال الثقافي والجيوسياسي». وبعد لقائه بالفاسي الفهري، انتقل أورتوفو إلى مقر حزب الأصالة والمعاصرة بالرباط، حيث التقى في اجتماع موسع قياديين من الحزب (فؤاد عالي الهمة والشيخ بيد الله وميلودة حازب وعبد الواحد خوجة). وخلال هذا اللقاء كشف أورتوفو لمسؤولي الأصالة والمعاصرة أن وجوده في مقر حزبهم جاء بناء على توجيهات من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لأن هذا الحزب يعبر عن مشروع مجتمعي ينتصر لقيم الديمقراطية والحداثة، ولأنه أيضا حزب يجسد الخيارات الكبرى للسلطات العليا في البلاد وبإمكانه أن يشكل قوة ردع في وجه «التيارات الظلامية» التي تتعارض خياراتها مع خيارات العالم الحر، حسب قوله. وتولى أورتوفو عدة مهام في تدبير الشأن المحلي، قبل أن يصبح محافظا خارج الإطار ثم وزيرا لأكثر من مرة بدعم فعلي من صديق طفولته نيكولا ساركوزي. خصومه يعيبون عليه أنه «استئصالي إلى حد كبير»، ذلك أن الرجل يراوده حلم ب«أن تكون فرنسا بدون مهاجرين عرب»، وربما لهذا السبب أسند إليه ساركوزي، سنة 2007، مهمة إعادة صياغة القانون الخاص بالهجرة، الذي ضيق الخناق على المهاجرين العرب وأعد لهم جدولا زمنيا لطرد أكبر نسبة قبل 2010.