تفتح «المساء» صفحاتها خلال شهر رمضان لوجوه رياضية طالها الإهمال، لأسماء كبيرة صنعت يوما مجد الرياضة، وتعيش الآن كل أنواع التهميش، وتدعو كل القراء الكرام ليتذكروا بعض الرياضيين الذين طواهم النسيان، ويعيشون الآن في أوضاع مزرية بعد نهاية مسارهم الرياضي، حيث حجم الفارق كبير بين البداية والنهاية. ارتبط تاريخ كرة القدم الوطنية بوجود لاعبين كبار. وكان الصراع شديدا بين أندية كثيرة، وفي الدارالبيضاء، اختلفت المدارس الكروية، كان فريق الإتحاد البيضاوي واحدا من رموز الرياضة المغربية، شكل متنفسا لكل ساكنة الحي المحمدي الذي ناضل يوما من أجل استرجاع سيادة الوطن، كان لا بد لكل لاعب أراد أن يعبر إلى أندية كبرى أن يمر بمدرسة الطاس، فقد كان العربي الزاولي يوما يوقع للاعب من نظرة واحدة، أو يدعوه إلى العودة إلى بيته والابتعاد عن المجال الرياضي، كان الفريق آنذاك يشكل مدرسة لإنجاب النجوم، كان الغزواني أحد الأسماء الواعدة التي أطلت من ملعب الطاس، التحق بفريق الحي المحمدي، تعلم داخله كل أبجديات الكرة، وعزز صفوف الكبار سنة 1966 ، كان اللاعب يملك خاصية القذف القوي، كسر أصبع الحارس العملاق الهزاز بقذفة، ومضى سعيدا برسميته داخل نادي النجوم، يتذكر الغزواني بعض تفاصيل البداية. «كان فريق الإتحاد البيضاوي مركز استقطاب لكل اللاعبين، يأتيه الجميع من مناطق مختلفة في المغرب طلبا للاستفادة والاحتكاك مع نجوم اللحظة، كان حلمي الكبير أن ألعب لفريق الطاس، لم أتردد كثيرا ووجدتني يوما ألعب داخل الفريق، في مدرسة قدمت لكرة القدم الوطنية اسماء لامعة، كان التنافس شديدا، نلعب جميعا حبا في الكرة، نبلل القميص بالعرق، ونفرح بإنجازنا، لم تكن أهدافنا مادية، كان يكفينا فخرا أن نمثل أبناء الحي المحمدي في كل المباريات الوطنية، فكلمة شكر من متفرج كانت تغنينا عن كل الحوافز المادية». من الإتحاد البيضاوي، إلى فريق الجيش الملكي، كان اللاعب يعيش لحظة انتقال جميل، فبعد عطاء جيد، كان الغزواني على موعد مع الشهرة والألقاب، لعب للفريق العسكري سنة 1969، وقضى داخله ستة أعوام استطاع خلالها أن يحقق الفوز بلقب الدوري سنة 1970 وكأس العرش سنة 1971، ويتحدث عن المرحلة بنوع من الفخر الشديد: «بعد فترة زمنية ليست بالطويلة جدا، كان فريق الجيش الملكي قد جاء يطلب ودي، التحقت بالفريق الذي كان يعج بالنجوم ، تمكنت خلال مدة قصيرة من أن أحصل معه على ألقاب هامة جدا أغنت أرشيفي الرياضي، لقد كانت كل لقاءاتي مع الجيش تحمل العديد من الذكريات الجميلة، كنا دائما نشكل الواجهة المضيئة لفريق قوي استحق ألقابه». لعب الغزواني موسمه الأول مع الطاس، قدم خلاله عروضا رائعة، وقع على عطاء تقني جيد، ووجد نفسه بعدها مدعوا ليدخل تجربة أخرى أكثر إثارة، لقد دعاه المنتخب ليكون واحدا من ركائزه الأساسية سنة 1967، لعب إلى جانب الشبان، ليلتحق بمنتخب الكبار بعد أن عاين المدرب كليزو إمكانيات الرجل التقنية والبدنية. «التحاقي بالمنتخب المغربي لم يتأخر طويلا، فبعد سنة فقط من انضمامي إلى فريق الإتحاد البيضاوي، كان لي شرف حمل القميص الوطني، شاركت معه في إقصائيات الألعاب الأولمبية لسنة 1968، ثم كأس إفريقيا بالسودان سنة 1970، والألعاب المتوسطية سنة 1971، فكأس إفريقيا بالكامرون سنة 1972، والألعاب الأولمبية بميونيخ سنة 1972، ثم إقصائيات مونديال 1974 بألمانيا، لقد لعبت أزيد من سبعين مباراة دولية حافظت خلالها على رسميتي داخل المنتخب، قبل أن أنهي مساري الدولي بعد دورة الخليج سنة 1975». ولكن إنجاز المشاركة في مونديال المكسيك سنة 1970، يعلق بذاكرة الرجل، لقد كان إنجازا تاريخيا تحدثت عنه وسائل الإعلام الوطنية والدولية بشكل كبير، استطاع خلاله منتخب المبدعين أن يوقف غطرسة الألمان، وخرج مرفوع الرأس برغم الخسارة بهدفين لهدف واحد ضد منتخب ألماني كان يقام له ويقعد. «في المكسيك، كان الأمر مختلفا جدا، وجدتني رفقة كل اللاعبين نركب قطار التحدي، كنا نعلم أننا أمام مسؤولية جسيمة، وأن المشاركة في نهائيات كأس العالم وحدها تعتبر فخرا، ولكننا صممنا على أن يكون حضورنا قويا، نعرف من خلاله بالرياضة العربية والإفريقية، فقد كان يصعب فعلا أن تتخيل اللعب إلى جانب أسماء وازنة لا زال اسمها منقوشا في ذاكرة المونديال، لعبنا اللقاء ضد ألمانيا بحماس شديد، كان هدف حمان أجمل من لحظات القدر، انهزمنا بفارق هدف واحد ولكننا كسبنا احترام العالم كله». بعد هذا المسار الطويل الذي أنهاه الغزواني سنة 1983 واختصرنا سنينه في بضع كلمات، وجد الغزواني نفسه يعيش وضعا صعبا جدا، لعبت به الأيام. كان لا بد له أن يدخل تجربة أخرى أكثر صعوبة، كان عليه أن يضمن قوت يومه، ويستجيب لحاجيات عائلته، لم يجد الرجل ما يفعله وهو الذي تعلم منذ الصغر أن يداعب الكرة وليس شيئا آخر، قبل أن يستسلم في الأخير لسياقة الطاكسي بعد أن تفاقمت مشاكله المادية، أراد أن يضمن لعائلته التي تتألف من خمسة أبناء، العيش الرغيد، وفي كل مرة يركب الطاكسي تتضاعف أحزانه كلما تذكر أيام المجد الكروي، لم تحقق له الكرة كل الطموح، لعب يوما من أجل إسعاد جماهير الكرة، واكتوى اليوم بنار «لكرا»، قبل أن تتدخل بعض الفعاليات مؤخرا لتضمن له السكن الملائم، ويجد نفسه اليوم عاطلا، لا يجد حتى طاكسي ليشتغل عليه، أليس من حق الرجل على الرياضة الوطنية رد الجميل بمباراة تكريمية تحفظ له مكانته؟ هذا هو اللاعب الغزواني الذي سمعنا عنه وقرأنا عنه، اللاعب الذي لعب الكرة حبا في القميص قبل أن تلعب به الأيام.