هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه، وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات. لا يأتي عبد الكريم على ذكر الفتاة إيزابيلا التي تحدث إليها بول سكوت مورر في أجدير عام 1924، أخبرته أنها في الثامنة عشر من العمر، وأنها من ملقة، وحين سئلت عما إذا كانت خائفة أجابت: «مم أخاف؟» ولقد أخبرت مورر أنها تلقى معاملة طيبة وأنه ليس لديها ما تشكو منه البتة. ويقول مورر: «كان أهل البلاد يحبون إيزابيلا، فقد كانت ابتساماتها وثرثرتها، المختلفة كليا عن التحفظ المتكتم لدى نسائهم لا تقاوم فيما يبدو». ولاحظ مورر أنه حين كان يطلب من إيزابيلا أن تسافر على ظهر بغل، فإنها ما كانت تستطيع قط أن تمتطيه أو تنزل عن صهوته دون مساعدة أحد الريفيين الشبان الذي كان يرفعها إلى السرج أو ينزلها عنه بأن يمسك بها بقوة من حول وركيها. «وكان سرورها يتعاظم بقدر ما تستطيع أن تشوش أفكار الفتى الذي يساعدها». وتقول الأسرة إن لاروبيا الشقراء، توفيت قبل أسابيع قليلة من نهاية الحرب، ويوردون كذلك ذكر فتاتين أسيرتين إسبانيتين أخريين، ماريا التي تزوجت من أحد الريفيين ورجعت إلى إسبانيا في نهاية الحرب التي قتل زوجها فيها، وأختها أوريانا، التي عادت كذلك إلى الوطن إسبانيا. وعرض عبد الكريم افتداء الأسرى لقاء أربعة ملايين بيزو، لكن الجيش الإسباني رفض الاقتراح بهلع، مدعيا الحق في تحريرهم، وبعد مفاوضات طويلة اشتملت على زيارة إلى أجدير قام بها المصرفي الإسباني فرنانديز ألميدا ورئيس تحرير صحيفة ليبرتادوا لويس دي اورتيزا، أعيد 350 أسيرا هم من تبقى من الأسرى الثمانمائة الذين جلبوا إلى أجدير في يناير 1923 لقاء فدية مقدارها 150000 ليرة إسترلينية. وكان قبول الحكومة لشروط عبد الكريم سببا في إثارة الضوضاء في إسبانيا، لأن الجيش زعم أن الحكومة قد مولت، بهذا التصرف، عبد الكريم من أجل مواصلة المقاومة. واستخدم عبد الكريم قسما من هذا المال ليبتاع من مراكش الفرنسية أسلحة وذخيرة وثلاث شاحنات (شاحنتان من طراز رينو وثالثة من طراز فوردت)، وطائرة حربية عتيقة من طراز بريكه دفع لقاءها ثمنا باهظا بلغ 35000 فرنك (حوالي 2800 ليرة إسترلينية). ولقد حطت الطائرة على قطعة من الأرض المستوية قريبا من أجدير يقودها طيار يدعى بيريه تم الاتفاق معه على تدريب الريفيين على الطيران. ولم تحلق الطائرة قط، إذ قصفها على الأرض الطيارون الإسبان، كما فعلوا بطائرة إسبانية أنزلها الريفيون على الأرض سالمة، وقام عبد الكريم بصفقة أكثر منفعة، حاصلا بفضلها على شبكة ميدان هاتفية كاملة كان يستطيع بواسطتها أن يتصل بمختلف أرجاء الريف. ولقد لاحظ أحد الصحفيين الأمريكيين اللذين زارا أجدير عام 1925 أن صبيا ريفيا في السادسة عشر من عمره كان يشرف على تأمين النداءات الهاتفية. واستخدم عبد الكريم أيضا اعتماداته بالقطع الأجنبي ليجلب إلى الريف طبيبا فرنسيا ومولدة فرنسية بغرض معالجة أخته المحبوبة التي كانت تعاني مرضا خطيرا في أعقاب ولادة لم تتوفر لها فيها العناية اللازمة. وكان يرافق الطبيب فرنسي آخر يدعى بيير فونتين أصدر عام 1943 كتابا بعنوان الظاهرة الريفية العجيبة نشره له «مكتب الاستعلامات البترولي». ويعزو فونتين سبب الحرب إلى الاعتقاد الأوربي بأن أراضي الريف: «غنية بالبترول»، ويزعم أن «المخابرات البريطانية» كانت تدعم عبد الكريم. ولقد وصل فونتين، والقابلة الآنسة بونزو، والطبيب الذي لا يسميه، إلى مقر عبد الكريم في آيت قمرة في مارس 1923، وأعطو مسكنا والأسيرة الإسبانية إيزابيلا كوصيفة، وحين أراد الطبيب أن يعالج مريضته «كما تعالج المريضة الأوربية، صادفنا مقاومة عنيفة» على حد تعبير فونتين، لأن الشريعة الإسلامية تحظر على الطبيب أن يشاهدها، كما أعلنت المرأة أنها تفضل الموت على ذلك، لكنه سمح لفونتين بالدخول إلى غرفة العليلة، وهو لا يورد سببا لذلك، ولقد وقف بجانب السرير، وكان يتصل بالهاتف مع الطبيب الذي كان في الغرفة المجاورة. ولقد وصف فونتين الأعراض التي تشكو منها المريضة، وكان الطبيب يخبره بما يجب عليه أن يعمله، وبعد شهر من مثل هذه المعالجة أعلن أن الخطر ارتفع عن المريضة، ويقول فونتين، الذي يبدو أنه كان ملما بالطب، إنه رجع إلى الريف في ماي كي يلقح الريفيين ضد الجدري.