هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه، وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات. يعيد برايس إلى الأذهان ما قاله محمد أخو عبد الكريم: «سوف نقاتل حتى الرجل الأخير ضد النير الإسباني، تماما كما تفعل إسبانيا لو غزت دولة أخرى أراضيها». وفي انتهاء المقابلة مع بريمودي ريفيرا، أطلعه على الصورة الفوتوغرافية التي أخذها لعبد الكريم، فلاحظ بريمودي ريفيرا: «من المؤكد أنه ازداد سمنة منذ كان في خدمتنا في مليلا. لقد كان شديد النحول يومذاك». وأخبر وارد برايس قراءه البريطانيين والأمريكيين بأن الحرب في الريف يمكن أن تستمر طوال سنوات وكانت تلك هي المرة الأولى التي يطلع فيها القراء على حقائق صحيحة عن القائد الريفي. أرسل عملاء عبد الكريم في طنجة نسخا عن الصحف التي أوردت بيان بريمودي ريفيرا العلني عن خططه الخاصة بمراكش. إن الجيش سيخلي تافرسيت وتيزي عزة في الشرق وشفشاون في الغرب في سبتمبر 1914. إن في نية الإسبانيين أن ينسحبوا من داخل منطقتهم وأن يتجمعوا حول تطوان ومليلا. وكانت الصحف تشير إلى أن الرأي العام في البلاد ساخط من جراء التشويش والأخطاء المرتكبة في مراكش، فكل رغبته منصبة على أن يرى الحملة منتهية. وكان الرأي العالمي يميل إلى مصلحة الريفيين فلم يكن البريطانيون والأمريكيون يضمرون أي حب لإسبانيا. وكانوا مغتبطين بمصابها ساخرين من عجزها عن قهر عرق بدائي صغير. وكانت مجلة بانش الساخرة تدافع عن الريفيين بكل قواها، هذا إذا كان هؤلاء الريفيون قد شاهدوا أعدادها قط. وكانت رسومها تمثل الأغنية الشعبية في قالب من الهزل، فتصور بريمودي ريفيرا يغني: «أجل ليس لدينا أي حظ اليوم». وأفرحت الأنباء عبد الكريم وأخاه محمدا. بأن في نية الإسبانيين أن ينسحبوا وأن يتركوا لعبد الكريم السيطرة على الريف. ولقد كان نفوذه في الريف هائلا منذ الآن. وكان التصريح بالنوايا الإسبانية سببا في قيادته أكثر فأكثر. ورسم عبد الكريم وأخوه خططهما. وفي زمن زيارة برايس في أبريل 1914، كان الريفيون يسيطرون على السلسلة الجبلية الوسطى من الريف. وفي الشرق في أعقاب انسحاب الريفيين من مليلا، استرجع الإسبانيون الأرض حتى نهر القرط وتقدموا ما وراءه كي يؤمنوا قريتي تيزي عزة وتافرسيت كنقاط استناد من أجل أي عمل هجومي مقبل. وفي الغرب كانوا يسيطرون على شفشاون ومناطق غمارة والجبالا حيث التزم ريسولي بالهدوء لمدة من الزمن. كانت خطوط الإسبانيين إذن، كما كانت حالها عام 1921، متمادية بصورة خطيرة، وكانوا يسيطرون على الأرض بفضل سلسلة من المواقع المنعزلة والمبعثرة، المكشوفة حتى درجة بعيدة من جراء افتقارها إلى الماء وحاجتها إلى التموين المتواصل وكان عدد كبير من هذه المواقع عرضة للهجوم المستمر من جانب الرماة الريفيين. وكانت القبائل في الغرب، التي تقطن مناطق غمارة والجبالا، ريفية بصورة جزئية فحسب، وكان لابد لعبد الكريم، كي يكسب هذه المناطق، أن يكسب قبلا تعاون رجال القبائل معه. وكان هؤلاء القبليون الجباليون، كما يمكن تسميتهم بصورة مناسبة، «سريعي الهيجان سلسي القياد» على حد تعبير «د.ب» هارليس، ويمكن أن يتبنوا أية قضية جديدة وينضووا تحت لواء أي زعيم جديد أو يتخلوا عن كليهما بسهولة محيرة إذا ما طاب ذلك لهم. ولقد دعموا ريسولي بكل حمية ذات يوم، وهؤلاء هم يتبنون اليوم عبد الكريم بما لا يقل عن ذلك حماسا. وكان ريسولي قد حكم هؤلاء الرجال القبليين سنوات عديدة، تحت السيادة الإسبانية بصورة تزيد أو تنقص. ولقد قطف ثمارا من كل حركة في اللعب، وهو يلعب دور المتعاون تارة، ودور الثائر تارة أخرى. وفي عام 1924 كانت السن قد تقدمت به وكانت همته رديئة جدا، فقد كان يشكو داء الجبن، وكان لابد من حمله حيثما أراد الذهاب.