الملامح المغربية شبهة، فهي كفيلة وحدها بأن ترجع المهاجر إلى بلاده مرة أخرى بعدما كثفت الأجهزة الإسبانية من مراقبتها للمهاجرين الموسميين الذين يخططون للمكوث فوق التراب الإسباني. وتنهج الأجهزة السرية الإسبانية خطة ذكية، حيث تنتشر في محطة «أتوتشا» للقطارات وتصطاد أي مغربي تشك في كونه لا يحمل أوراق الإقامة أو يحمل أوراقا منتهية الصلاحية حتى تقوم بالإجراءات اللازمة لترحيله إلى بلده، كما تنتشر في محطة الحافلات، فالمغاربة الذين كانوا يختبئون في مدن فلاحية نائية بات صعبا عليهم السفر إلى مكان آخر بحثا عن لقمة العيش، لكن بمجرد ما ينزلون من القطار يشعرون بيد باردة وثقيلة مثل قطعة حديدية على أكتافهم وصوت يقول لهم.. قف أنت مغربي. المغاربة الذين يترددون على مطعم الباهية بحي «لافابييس» تراجعوا وكاد الزبناء ينقرضون، وفق ما يحكيه الشاب المغربي خالد، مسير المطعم، الذي يرى أيضا أنه في ظرف شهور قليلة تغيرت ملامح حي «لافابييس» الشهير في مدريد، فالحي الذي عرف بكثرة الشغب صار هادئا خلال الأشهر القليلة الماضية، بل حتى المراهقون المغاربة الذين كانوا يؤثثون أرصفته اختفوا فجأة، لأن قوات الأمن الإسبانية قامت بحملة تمشيط استهدفت كل «الشمكارا» والمنحرفين الذين كانوا يملؤون الحي ذا الساكنة المغاربية ووضعتهم في بواخر متجهة صوب طنجة، بل إن خالد يكشف أنه حتى الجمعيات التي كانت ترعى المهاجرين القاصرين تراجعت عن القيام بأدوارها السابقة بفعل الأزمة الاقتصادية والتخوفات المتولدة عنها، لذلك اختفى القاصرون الذين كانوا يأتون إلى «لافابييس» في خرجات ترفيهية ويدخلون إلى المطعم الذي يسيره. الزبناء صاروا، في غالبيتهم، من الإسبان، أما المغاربة فما في جيوبهم بات لا يكفيهم حتى لشراء علبة سجائر، بعضهم غير مهنته وصار يؤدي بكل ما يجنيه من عمله رسوم الضمان الاجتماعي حتى يتمكن من تجديد أوراق الإقامة والمكوث بإسبانيا إلى أن يمر الإعصار الاقتصادي، فالأزمة كانت أشبه بعاصفة أتت على الأخضر واليابس وفي مطعم «الباهية» أيضا شباب مغاربة أبدوا تخوفهم من القانون الذي تحضره الحكومة الاشتراكية حول الهجرة، والذي يقيدهم بعدة أغلال ويسلبهم الكثير من حقوقهم في ظل صمت غامض للجمعيات المدافعة عن حقوق المهاجرين، فهم باتوا يعيشون بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان التهديدات التي يتضمنها قانون حكومة تدعي وقوفها إلى جانب المهاجرين الذين بنوا اقتصاد شبه الجزيرة الإيبيرية قبل أن يضربها زلزال حددت بؤرته في بورصة نيويورك. مغاربة كثيرون لم يعودوا قادرين على دفع أقساط الكراء، لذلك عاد عدد منهم إلى ما فعله عندما اضطرته الظروف ذات يوم إلى أن يصير مهاجرا سريا في إسبانيا، وأن يبحث عن عمارة آيلة للسقوط يسكن أحد غرفها ويكفكف دموعه ليلا، تماما مثلما فعل في سنوات هجرته الأولى في انتظار أيام أفضل.