العالم بأسره بات يعرف حي «لافابييس» في مدريد، الذي ليس حيا تاريخيا رغم قربه من أزقة باريو دي ليتراس القديمة، بل هو حي للمهاجرين تحول في رمشة عين إلى مزار لمختلف الصحافيين قبل أربع سنوات، عندما قرر أتباع بن لادن أن يفجروا قطارات الضواحي في محطة أتوتشا التي لا تبعد غير بضعة أمتار عن «لافابييس». مضت السنوات وحوكم جمال زوكام ورفاقه، لكن شيئا من هذه الذكرى الأليمة يبقى عالقا في ذاكرة كل من يخطو خطواته محاولا اكتشاف أسرار عملية مازالت صورتها مضببة في أذهان الكثيرين. محل «القرن الجديد» الذي كان يكتريه زوكام غير اسمه إلى «ريو»، واستمر في العمل بعدما اكتراه أشخاص جدد، لكن المقاهي التي كان يجتمع فيها أفراد الخلية التي اعتقلت إثر تفجيرات مدريد، مازالت أبوابها مغلقة إلى حد الساعة. مهاجرون مغاربة كثيرون غادروا حي لافابييس الذي صار أشبه بحي سيدي مومن بالدارالبيضاء، فالانتماء إليه يعني التوفر على كريات كثيرة للصبر في الدم. لقد بدت الشرطة الإسبانية وكأنها تسهل هذه المهمة، عندما زادت من ضغطها على أصحاب المحلات المغاربة بتكثيف المراقبة والتذرع بمختلف الأسباب لإغلاق محالهم وتشتيتهم في مختلف الأحياء، لذلك شرع عدد المغاربة يقل في هذا الحي، الذي توجد به جميع الأجناس والأعراق، لفائدة مهاجرين جدد من بنغلاديش والسنغال، طردهم ارتفاع درجة الحرارة مع إطلالة فصل الصيف المتأخرة إلى الأزقة. كان بعضهم يجلس على كراس وآخرون يفترشون الأرض، ويدخلون في نقاشات حميمية غالبا ما تستهوي أبناء العالم الثالث، كلها تدور في فلك الحديث عن الصحة والأهل وفقدان عدد من المهاجرين لعملهم بسبب الأزمة الاقتصادية التي هزت التاج الإسباني. عكس باقي الأحياء في مدريد، فسكان لافابييس يعرفون بعضهم جيدا، وكل واحد منهم يجر خلفه قصة يشيب لها الولدان، فهم جاؤوا بحثا عن جنة طالما جرت بذكرها الركبان، بيد أنهم وجدوا أنفسهم يقطنون في حي يلتقي مع دوار السكويلة في الدارالبيضاء في كونه مرتعا للمتناقضات، حيث تنتشر فيه تجارة المخدرات والأفكار الجهادية الأكثر تطرفا، ويزين هذا المشهد حضور مهاجرين قاصرين يقصدون لافابييس بمجرد دخولهم تحت سماء مدريد، وبين أزقته يبدؤون رحلة البحث عن مستقبل مجهول، وتعلم خليط من العبارات الإسبانية التي تثير ضحك الإسبان، فهم بارعون في تصريف الأفعال كيفما اتفق، بل حتى جبهة البوليساريو اختارت أن يكون مكتبها في لافابييس لتجعله نقطة انطلاق لحرب شعواء تقودها ضد المغرب. الوافد إلى لافابييس يلمس وجود كل شيء في هذا الحي: انفصاليون وجهاديون ومهاجرون شرفاء وآخرون عملاء. نصف ساعة من البارود كانت كافية لتملأ الأشلاء محيط محطة أتوتشا، وتتغير حياة سكان لافابييس إلى الأبد، حيث باتوا مرعوبين من أن يزورهم القاضي خوان دي ألمو مرة أخرى، أو أن يظهر بينهم «زكام» آخر تعطس بسببه قطارات محطة أتوتشا.