«لافابييس»، كان حيا مجهولا تقريبا إلى صبيحة يوم 11 مارس 2004 تاريخ التفجيرات التي هزت العاصمة الإسبانية ، لكن «لافابييس» ليس اسما نكرة بالنسبة إلى سكان مدريد، إنه ملتقى الثقافات والعادات، وهو حي المغاربيين أيضا بامتياز، لذلك كانت الحشود غفيرة ومن مختلف الأجناس تلك التي جاءت إلى مهرجان ليالي رمضان في دورته الثالثة الذي اشرف عليه «البيت العربي» وجمعية صانعي الأفكار، إنه المهرجان الذي افتتح على نغمات سينغالية عزفتها فرقة عمر بيني القادم من دكار ليعيد إلى أبناء جلدته نغمات الوطن ويعرف بثقافة بلاده في قلب حي لافابييس الإسباني الذي يقطنه عدد كبير من السينغاليين، جاء المهاجرون بكثرة ورقصوا على إيقاع غنائه الذي نفض الغبار عن أجساد سمراء متعبة من العمل وضخ البهجة في عروقها، شباب اسبان كثر حضروا الحفل ورقصوا وبدوا مستمتعين بنغمات «بيني» الذي يمزج بين البلوز والجاز، واعتبره البعض أكبر منافسي الأسطورة السينغالية يوسو ندورو. في مدخل حفل الافتتاح نصبت خيمة مغربية كبيرة وزعت فيها كؤوس الشاي والحلويات المغربية مجانا على الشباب الاسباني الذي حج بكثافة ليشارك المهاجرين الأفارقة والمغاربيين مهرجانهم الثقافي. وداخل الخيمة المغربية التي تشبه تلك التي تنصب في المواسم المغربية، جلس الحاضرون على كراسي تقليدية مغربية، يحتسون كؤوس الشاي. وفي سط الخيمة، علقت لوحة ترقيم مغربية قديمة سوداء تعود إلى سنوات السبعينيات. وفكرة تصميم الخيمة تعود إلى مغربي اسمه رشيد، جرب الهجرة السرية عشرات المرات قبل أن يفلح في تحقيق حلمه وبعد سنوات من تجرع المرارة في أرض الأحلام القديمة، وجد طريقه في الصناعة التقليدية وتفجير طاقاته المراكشية الكامنة في دواخله مثل براميل بارود منذ سنوات طفولته الأولى. يركض رشيد أو البهجة بشعره المنفوش ولباسه المغربي، متحدثا إلى الجميع ومحاولا الإجابة عن أسئلة بعض من سمعوا بقصته، محاولين الإمساك بتلابيب شخصية بدت مركزية في المهرجان. وفي الليلة الثانية من الليالي الرمضانية، كان المغاربيون هم الفرقة الغالبة التي هزمت الجميع بحضور الشابة الزهوانية القادمة من أعماق الجزائر لتهز مدريد بألحان وهرانية وجزائرية قديمة، كان حضور الزهوانية كافيا ليأتي المغاربيون من مختلف أزقة «لافابييس»، ليصلوا الرحم مع وطن بدا قريبا، الإسبان أيضا حضروا بكثرة وتركوا العشرات من دراجاتهم العادية في الخارج، ودخلوا لاكتشاف هذه المرأة الجزائرية التي بدأت مسارها الفني مغنية في فرقة للمداحات وانتهت كواحدة من أهم المغنيات الجزائريات اللواتي يمتلكن قدرة غريبة على تحريك الجماهير حتى ولو لم يكونوا يفهمون لغتها. غنت الزهوانية عبد القادر يا بوعلام وحيت المغاربة، رفعت العلم الجزائري وبحثت عن علم مغربي وعندما لم تجده رمى لها أحد الحاضرين ب«تي شورت» مكتوب على ظهره «المغرب»، وهو ما أضحك بعض الحاضرين، فالمهم هو النية لدى الزهوانية وليس العلم في حد ذاته. جاءت النساء بالجلاليب المغربية يجررن عربات الأطفال الصغار الذين داهم بعضهم النوم وسط صخب المهرجان. وبينما كان صوت المغنية الجزائرية يلعلع في سماء «لافابييس» كان أعضاء مجموعة «آش كاين» من المغرب جالسين بالقرب مع السيارة التي أقلتهم إلى الحفل يوزع بعضهم الأوتوغرافات على أبناء المهاجرين المغاربة الذين التقوهم لأول مرة، وكان أعضاء الفرقة أنفسهم الذين أسدلوا الستار على المهرجان عندما صعدوا إلى الخشبة ليصرخوا أمام عشرات الإسبان والمهاجرين «كلنا مغاربة»، تلك الأغنية التي صنعت شهرة المجموعة وساهمت في ضخ جرعات من الفرح في عروق مغاربة «لافابييس».