افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 9 يناير 2025 على طريقة الفراشة التي تنْسَلِخ من الشّرْنقة، نحْتاج أن نخرج من أنفُسنا لنرى العالم أوْضح، أنْ نتخلَّص من أبوابٍ تُوصِدُنا خلْفها كمنْ ينْتظر المِشنقة، مَنْ يدري رُبّما نجد المفْتاح الأصَح، نحْتاج إعادة تدْوير كل السّاعات يدويّةً كانت أو حائطيّة في أفق مسدود، سواءً تلك التي بمواقيت عالميّة تمتطي على ظهورنا أسهُم البورصة، أو محلِّية لا تتجاوز حِصص الصّلاة، عسانا بتدوير هذه السّاعات التي تحْصي الأنفاس، نُبدّل الزمن بآخر أفضل لا يزيد ساعة أو يُنْقص الأعمار، بعيدا عن كل الأشرار الذين أوْهموا النّاس ليربحوا الوقت، أنّ الزمن الحقيقي ليس الذي نعيشه في الحاضر وسيعيشُنا في المُستقبل، إنّما ذاك الهارب بأمجاده في الماضي، هو التّاريخ المُفبْرَك بدون جغرافيا أوْ وطن، هو حائط المبْكى الذي ينهار بأدمع الحنين وهُو الوثن ! نحْتاج للفيلسوف الذي لا يختبئ خلف الشّارب الكثِّ لنيتشه، وهُو يستطيع أن يجْترح بمَعاوِل الحقيقة غابةً من الأفكار، نحْتاجُ للإعلامي الذي لا يئِد الخَبر خيفةً أو طَمَعاً في ضميرٍ مُسْتَتِرْ، لرجُل تعْليم شريفٍ لا يأكُل بيدين، واحدة في القِطاع الخاص لا تَتَّبِعُ الرِّجيم، وأخرى بالكاد تصِل لأبناء الشعب في المدرسة العمومية، نحْتاجُ للشاعر لا ينطِقُ عَن أنا مُتَضخِّمةٍ.. بل تنُوب عنهُ وردةٌ يبْتَكِرُ لها دائماً في قلْبِه فَصْلاً بأجْمل الأشْعار ! نحتاج للشّباب الطّاعنين في الطُّموح، وليس لأولئكَ الذين شاخُوا في الرَّحِم وَوُلِدوا بعْد الأوان، نحْتاج للسِّياسي الذي يُمثِّل الشعب بغيْرةٍ وصِدْقٍ، وليس لمنْ يُمثِّل عليه بكل الأقنعة، ذلك الذي كُلّما علا بالدّراهم الرّنين، اشتدَّ مع الذباب في تأليب خُطبِ الطّنين لِتضْليل الرّأي العام، فلا نعرف بعد أن تَعطّل التّفكير، مع مَنْ نعيش على هذه الرُّقْعة من الكوكب، أبَشرٌ أو نعَام، متى نُدرك أنّ ثمّة مَنْ يُوجِّه في الخفاء الرأي العام، يلْهيه ويُنْسيه.. ويأكل بعقله حلاوة أو بقْلاوة بتعبير إخوتنا المشارقة، ثمّة مَنْ يَسْتدرجهُ بعيداً عن ما يهُمُّه إلى ما لا يهمُّه، ثمّة من يجعله فاقدا للذاكرة حين تكون الحاجة ماسّة للنِّسْيان، أو واعظاً بِمُسُوح الزُّهّاد حين تكون المَصْلحة السِّياسية في الدين، أو حداثياً حتى لا أقول علْمانيا، حين يُصبح جَنْي الأرباح، رهينا بفكِّ كل الأحْزمة، ولا يَهُم إذا سقط السِّروال لِيرتفع شِعار التّحرُّرِ والإنفتاح ! نَحْتاج للأسرة في سُموِّها غير القابل لحِسابات أضْيقَ من السّرير، ومَن تُراه يجهل الأسْرة المغربية، ألَمْ تر كيف على امتداد التّاريخ، تُواكِب ولا ترْكَب أيّ موجةٍ تجْهل مقاصدها، ولو لمْ تُحافظ على ثوابتها في قُشورٍ أوْ ظواهر مُتغيِّرة وجارفة، ما حافظت إلى اليوم على تماسُك هذا المجتمع، بل ظلت الأسرة في عُلوِّها الذي لا تهزُّه سفاسف الرّياح، كعُش النّسر في أسْمقِ الجبال، لا تنجرف مع السيْل إلى جدل عقيم يقطع الأرْحام، فلا المَرأةُ فِي بلدنا الْتَحَتْ ولا اسْتَمْرد الرّجُل واعتنق الغِلْمانية، وما زالت الكثير من الأُسَر المغربية مُتكافلة العامل فيها ينوب عنِ العاطل، وما زالت مؤسسة الزّواج مبْنِيةً على التّوادُد والتّراحُم، وليست مُجرّد شَراكةٍ حتى لا أقول شركةٍ رأسمالية، تبني علاقتها بين الذكر والأنثى، على جدليّة الخسارة والأرباح، لا تبتئسوا كثيرا، فالمُشرِّع الحداثي، لَنْ يقْطع سُرّة الماضي وما تحْتها من دابرٍ، عَساهُ يحْتفِظ بالمفهوم الفقهي للقوامة بما يتناسَبُ مع مُتَغَيِّرات العصر، حتّى لا يكون التّوقيع بقلمٍ رَخْوٍ أسفل عَقْد النكاح! نحْتاج للكفاءات في مواقع القرار بالجامعات والمعاهد وسلك القضاء والبرلمان، وليس للقرد يتصدّر بالتّفاهة المشْهَد، نُريدُ القطْعَ مع مَرحلة شهادة الضُّعْف التي أصْبَحَتْ من الشّواهد العُلْيا، وإلا سنستمِرُّ في مُجاراةِ القِرْد بالرّقص على أكْثر من حبل، حذراً مِن أنْ يغْضَب أو تسْقُط الهمْزة من أعْلى الألفْ !