في بعض قصائده لم يكتف الشاعر أبو القاسم الشابي بالهروب إلى الطبيعة – شأن كل رومنسي أصيل عتيد – ، بل إنه لتبرير ذلك الهروب انهال على شعبه بسياط قاسية موجعة : لا أعَنِّي نفسي بأحزانِ شعْبي فهْو حيّ يعيش عيشَ الجمادِ … فهْو مِن معدنِ السخافة والإفْ كِ ومِن ذلك الهُراء العادي . هكذا فضل الشابي : عِيشةً للجمالِ والفنِّ أبغِي ها بعيداً عن أمَّتي وبلادي والأبيات السابقة من قصيدة له بعنوان " أحلام شاعر " نشرتْ صديقتي الجزائرية " سارة قطاف " على صفحتها في الفيس بوك بيتين هما الأول والثالث منها: ليتَ لي أن أعيش في هذه الدنْ يا سعيداً بوحْدتي وانفرادي ليْس لي مِن شواغل العيش ما يصْ رفُ نفسي عن استماع فؤادي . هذان البيتان دفعاني إلى مراجعة القصيدة في " أغاني الحياة " فإذا بي بعد قراءتها أمسك قلمي وأخط على ورقة الأبيات التالية التي لا أدري أهي رد على الشاعر أبي القاسم الشابي أم هي محاولة لإيقاظ الصديقة سارة من رومنسيتها : يا أبا القاسمِ الذي يتَمنَّى لوْ نأَى في الحياةِ عنْ كلِّ نَادِ وقَضى عمْرَهُ غريباً وحيداً وبعيداً عنْ صُحبةِ الأندادِ أنتَ لنْ تستطيعَ في الغابِ عيْشاً مثل وحشٍ ، أوْ أيِّمٍ في حِدادِ لنْ تطيقَ انعزال راهبِ ديْرٍ أبداً لا ، أوْ عِيشةَ الزهادِ فإذا ما قضيتَ في الغابِ شهْراً سترى الشَّمسَ كتْلةً منْ سوادِ والفراشاتِ كالخفافيشِ قُبحاً والأزاهيرَ ذات لوْنٍ رمَادي والعصافير سوف تُلقي ضجيجاً وتصير الأشجارُ مثل الجمادِ وستحْيا كميِّتٍ دونَ قبْرٍ أوْ مريضٍ يحتاجُ للعُوَّادِ ويكونُ القُنُوطُ شرَّ رفيقٍ وستصْبو للعيْشِ بيْنَ العبادِ كيْ ترى في عيونِ سلمى جمالاً وترى الحُسْنَ في ابتسامِ سُعادِ *** *** أيها الشاعرُ الرُّمَنْسيُّ جدّاً لا تهاجرْ إلى خريرِ الوادي ليس عدْلاً أنْ تهجوَ الشعْبَ هجواً يتَشفَّى بهِ جميعُ الأعادي قدَرُ الشاعرِ النَّبيِّ نضالٌ وعنادٌ ما بعْده مِنْ عنادِ فاتركِ الغابَ للقرود وأيْقِظْ بأغاني الحياةِ روحَ الجهادِ في ضمير الشعبِ الذي نامَ عمْراً وسيصْحو منْ بعد طولِ رقادِ كي يعيشَ الحياةَ حُرّاً كريماً غاضباً ساخطاً على كلِّ عادِ مَنْ أراد الحياةَ هبَّ شُجاعاً قاذفاً نارَهُ بوجهِ الفسَادِ.