لا بد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يشعر بقلق متعاظم وهو يطالع التقارير الواردة عليه من أفغانستان، وتتضمن تصاعدا كبيرا في عدد الخسائر البشرية والمادية. فقد شهدت الأيام القليلة الماضية سقوط أربع طائرات تابعة لحلف الناتو، وكشفت القيادة العسكرية في أفغانستان عن سقوط خمسين قتيلا في شهر يونيو، معظمهم من الأمريكان والبريطانيين، وهو أعلى رقم للخسائر منذ بدء الحرب قبل ثماني سنوات تقريبا. أما شهر يوليوز الحالي فقد وصل عدد القتلى الأمريكيين فيه إلى ثلاثين جنديا. المسؤولون الأمريكيون يحاولون التقليل من أهمية هذه الأرقام وخطورتها، فتارة يدعون أن هذه الطائرات سقطت بسبب خلل فني، مستبعدين بذلك أي جهد للمقاومة الطالبانية، وتارة أخرى يتحدثون عن انتصارات كبيرة على الأرض في الهجوم الكاسح الذي تشنه قوات الناتو للقضاء على حركة طالبان في إقليم هلمند، مركز تواجدها الأساسي. ومثل هذا الأسلوب الذي يبرع فيه خبراء العلاقات العامة في الحكومات الغربية، ويتجسد في محاولة لي عنق الحقائق والتعتيم على الأخبار السيئة، لم ينجح في العراق، ومن غير المتوقع أن ينجح في أفغانستان. ففي بريطانيا، التي خسرت حتى الآن 184 جنديا في مواجهات دموية مع حركة طالبان، بدأت الصحافة توجه انتقادات شرسة إلى حكومة غوردون براون العمالية، وتطالب بسحب القوات تقليصا للخسائر، لأن هذه الحرب لا يمكن كسبها. حدوث تغيير في الرأي العام الأمريكي ضد الحرب في أفغانستان ربما يشكل أكبر ضربة للرئيس أوباما، فقد راهن الرجل على الانتصار في الحرب الأفغانية، وجعل هذه الحرب قمة أولويات رئاسته، ويبدو أن رهانه هذا أقرب إلى الخسارة منه إلى الربح. عدد قوات حلف الناتو في أفغانستان لا يزيد على سبعين ألف جندي، نصفهم تقريبا من الأمريكيين، ويشتكي قادة الوحدات العسكرية الأمريكية والبريطانية معا من عدم تجهيز هذه القوات بالمعدات الكافية. ولكن المسألة ليست في عدد القوات أو تجهيزها، وإنما في شراسة الخصم، ووعورة البيئة ميدان المواجهات، وعدم وجود الحوافز القوية لدى جنود حلف الناتو على القتال حتى الموت، مثلما هو حال حركة طالبان في المقابل. الاتحاد السوفياتي أرسل 115 ألف جندي إلى أفغانستان لمساعدة نظام كابول الشيوعي حينها على مواجهة تمرد المجاهدين والبقاء في الحكم، ولكن هذا العدد الضخم فشل في تحقيق المهمة، واضطرت القيادة السياسية السوفياتية إلى التخلي عن مكابرتها والاعتراف بالهزيمة، ومن ثم البدء في الانسحاب. قوات حلف الناتو ستصل قريبا إلى النتيجة نفسها، فالتقدم على الأرض في إقليم هلمند لا يعني الانتصار، وإنما الوقوع في مصيدة طالبان، لأن قوات المتمردين ليست قوات نظامية، وهي تنسحب لعدم قدرتها على المواجهة المباشرة لدبابات محمية من طائرات في الجو، ولكنها تعاود الهجوم بعد استقرار القوات المغيرة، وتلحق بها خسائر كبيرة. القيادة العسكرية الأمريكية في أفغانستان تعيش حالة من الارتباك، سببُه إدراكها المتزايد لعدم القدرة على كسب هذه الحرب، وهذا قد يفسر الهجمات الشرسة والعشوائية، سواء داخل أفغانستان أو على حدودها القبلية مع باكستان، وهي الهجمات التي تلحق خسائر كبيرة بالمدنيين، بسبب عدم إصابتها أهدافها الحقيقية، أو لقصفها مواقع مدنية على أنها مواقع لطالبان، بناء على معلومات استخباراتية خاطئة، وفي الحالين تأتي النتائج كارثية، حيث لا تنفع اعتذارات هذه القيادة المتكررة عن هذه الأخطاء. الأيام المقبلة ربما تكون أكثر سوءاً من حيث عدد الخسائر في صفوف قوات الناتو، الأمر الذي سيزيد من انتقادات السياسيين ورجال الإعلام، المعارضين لهذه الحرب والمطالبين بالانسحاب، ولذلك فإن كمية الأخبار السيئة بالنسبة إلى الرئيس أوباما ستزداد بوتيرة أعلى، مما سينعكس سلبا على شعبيته التي بدأت في الهبوط.