بعد عدة فحوصات للكار (الماء، الزيت، لفرانات..)، دار الحديث بين الشيفور ولكريسون في موضوع الدالكو، وقرر الشيفور أن يغيره لما تصل الحافلة إلى طنجة. «إلى وصلنا» رد لكريسون. «فمك لحسو كلب» أجابه الشيفور وأفلست العائلة بالتمام بزفافه الذي سارت بذكره الركبان من لمذاكرة إلى القلعة! أتذكر جيدا إعلان زواجه الذي صدر في إحدى الصحف الوطنية في الصيغة التالية: «زفت الآنسة المصونة رحمة العرجوني يوم السبت إلى عش الزوجية الذي يحرسه بوزكري الأغضف. وبهذه المناسبة التي يضع فيها الشاب حدا لسنوات العزوبة والتلاويط، يتقدم الأهل والأصدقاء بأحر التهاني وعبارات التبريك، راجين من الله أن يوفق العريسين في حياتهما الزوجية ويجعلهما وردا وفرحا ويرزقهما من لدنه السكينة والطمأنينة وأبناء طيبين. إنه سميع مجيب». وفي ليلة الدخلة، ناضت قربالة حيث إن العروس لم تكن مصونا في أي شيء. الحصيل رحل بوزكري كسير الخاطر إلى فرنسا وسان دونيه بالتحديد، حيث تقيم جالية مغربية لا بأس بها وهناك اشتغل سكليس (مصلح دراجات). طاق..طاق..طاق، ضربت الباب ضربات متلاحقة لإعلان حضور مهم وتأكيد سلطة الزائر شكون؟ Qui est là. بحسب صوته الخاتر. - حل وقل للضاوية راني تانتسناها...وكما لو كانت في انتظار المهدي المنتظر، فتحت الضاوية الباب، سحبت الشانطة، وخرجت لتتقدمني. أقسمت الضاوية ثلاثا أن تعود إلى المغرب في الحافلة وبس! تشاورت مع راسي ونحن في الميترو، وقبل أن أحسم في مرافقتها أم لا، عددت لها مخاطر السفر على حافلات عوجاء، تتجاوز عادة حمولتها الوزن القانوني ويسوقها شيفورات دايخين خليقة. أجابتني: «اللي ليها ليها..كل نفس ذائقة الموت». وعليه توجهنا إلى محطة الكيران الواقعة في جانفيلييه. والمحطة نسخة محسنة لكراج علال لكن مع رائحة المازوت الممزوجة برائحة الشوا، وبعض من الوسخ، ثم ما تنساوش النفخة ديال لكريسون، الذي ألقى نظرة جانبية على الضاوية قبل أن يتوجه إليها: «تبارك الله شحال هازة.. !!». أجابته من الطاق طاق إلى السلام عليكم: «الله يهزوك إلى غبيلة». وتدخل أحد الحمالة: «راحنا في فرنسا والكذوب حرام»، ليفسر للضاوية أن لكريسون يقصد وزن الباليزات وليس شيئا آخر..انتفضت فيه الضاوية : «شكون كاليك شحال في الساعة يا عينين النعجة؟». وكادت تنوض قربالة لولا تدخل الشيفور الذي نهصر لكريسون وطلب من الضاوية المسامحة، واعدا إياها بمكان مريح. كل ذلك تحت ناظري كأنني غائب عن المعادلة. فما كان مني سوى أن ارتميت على رقبته. ولما شعرت أن لكريسون يحاول مهاجمتي من الخلف، سددت له ضربة من تحت الحزام. ولما أشعرني شخص بأن صفارة البوليس تقترب، أطلقت قبضتي. اختفى لكريسون ومن دون أن نتناقش في الموضوع اتفقنا حسي مسي أن نطمس المشجارة في حالة ما تدخل البوليس. «لمضاربة؟ ما قادين عليها آخوي! وتعرفون أن المغاربة هنا في فرنسا لا يزعجون الدجاج على بيضه. المغاربة الله يعمرها دار!! «هذا ما كنا سنردده على مسامع البوليس، لكن نواح الصفارات ابتعد في اتجاه الأتوستراد المؤدية إلى سان دونيه. وما كان على الشيفور سوى أن طلب المسامحة مرة أخرى وعادت تقريبا المياه إلى مجاريها. بعد عدة فحوصات للكار (الماء، الزيت، لفرانات..)، دار الحديث بين الشيفور ولكريسون في موضوع الدالكو، وقرر الشيفور أن يغيره لما تصل الحافلة إلى طنجة. «إلى وصلنا» رد لكريسون. «فمك لحسو كلب» أجابه الشيفور. استوى هذا الأخير على كرسي من الجلد وفي حدود التاسعة والنصف (وكنا تأخرنا زهاء الساعة)، وضع أمامه كأسا بقهوة يقترب لونها من القطران. ضغط على لكسيراتور ثلاث مرات اندفعت على إثرها الدخاخن لتلف فيما بعد الحافلة بكاملها. «فينكم أيها البيئيون؟ «تنخم السائق، بزق من النافذة، مشط راسو، ولم تغادر الحافلة الكراج إلا بعد ستة وستين كشيفة. ما أن ولجنا الأوتوستراد حتى دفع السائق بكاسيت إلى جوف آلة الفيديو التي انبعث منها صوت كمنجة كارحة تعيط يا ليل، عرفت منها الضاوية جرات الستاتي !! وتوجهت إلى الشيفور بالشكر والحبور. ثم سألتني: «آشنو اللي احسن: الطيارة ولا الكار؟». فيما كانت فرنسا تعرض أمام ناظرنا إنجازاتها الصناعية والفلاحية على امتداد الأفق، رافق بعض من الركاب لعيوط والشيخات. من رويشة إلى أولاد البوعزاوي، مرورا بأولاد عكيدة.. !! لكن في حدود الثالثة صباحا، وكنا قد تجاوزنا مدينة بوردو، تحرق الدالكو يا لحباب !!» نزل الركاب إلى قارعة الطريق، البعض لتحريك الدورة الدموية والبعض الآخر لتدخين سيجارة. بين الشيفور ولكريسون ناضت قربالة على الدالكو، حيث لجآ إلى الأيدي بعد الشتم من تحت الحزام إلى أن تدخل بعض الركاب لنعل الشيطان وتفريقهما. أين المفر الآن في هاذ لخلاوات؟ ابتعدت قليلا إلى الخلف عن الحافلة وشرعت في القيام بالأوتوستوب إلى أن توقفت سيارة شيفروليه مكشوفة أمرني سائقها أن أصعد إلى الخلف. - أنا ذاهب إلى بوردو، سأنزلك هناك.. شكرته على هذه الالتفاتة وقلت له إن ذلك يناسبني..وأنا خلف البيك آب أرتعش من البرد، قر قراري على عدم العودة إلى المغرب. ما أن وصلت إلى مدينة بوردو، حتى هتفت لرضا بنشقرون أخبره بقراري وأطلب مساعدته للحصول على كونترا. بعد اسبوع، كنت حارسا بأحد المعامل الكيماوية في منطقة إيسي ليمولينو، وضربت النح لمدة ثلاث سنوات بالتمام والكمال. أكتفي ببعث حوالة بريدية إلى العائلة من دون أن أترك العنوان ولا أهتف. لكن في أحد الأيام، هيأت الحقيبة، حجزت بطاقة السفر وقلت في خاطري أنه آن الأوان لعقد صلة الرحم مجددا مع البلاد والعباد.