يوم خامس يوليوز الماضي، اندلعت أعمال عنف بين قومية هان وقومية الإيغور المسلمة بإقليم شينغ يانغ أو المعروف تاريخيا بإقليم تركستان الشرقي. تدخلت السلطات الأمنية بحزم ووجهت فوهة بناديق ودباباتها إلى المسلمين واتهمت بإشعال نار الفتنة خاصة وأن المسلمين هناك يحاولون منذ سنوات الانفصال عن الصين وتكوين كيان خاص بهم على غرار النزعات الانفصالية الأخرى خاصة لدى سكان التبت. سلطت الأحداث الدامية التي جرت مؤخرا بإقليم شينغ يانغ الصيني الأضواء على وضع المسلمين في هذا الإقليم بشكل خاص، وفي الصين بشكل عام. الأحداث تولدت بعد المواجهات، التي دارت بين قومية هان والمسلمين من قومية الإيغور، والتي خلفت مقتل ما يقرب من 184 شخصا وقرابة ألف جريح. حاصرت السلطات الصينية الإقليم، ونشرت به المزيد من القوات، وشددت لهجتها ضد من اعتبرتهم مثيري الشغب. كما اتخذت السلطات الأمنية الصينية إجراءات إضافية لإحكام السيطرة على الموقف في الإقليم، بعد وقوع أخطر أحداث عرقية منذ ستين عاما، حيث نشرت المزيد من القوات وأغلقت العديد من الطرق التي تؤدي إلى أحياء يتركز بها المسلمون من أصول تركية، بل إن السلطات الأمنية الصينية قامت يوم الجمعة الماضي بمنع إقامة الصلاة بمساجد الإقليم تخوفا من تجدد المواجهات. ووجهت الصين أصابع الاتهام إلى جهات خارجية، وبشكل خاص إلى المعارضة الصينية ربيعة قدير سيدة الأعمال التي تعيش في منفاها بالولايات المتحدة، والتي تتهم من جانب بكين بالتسبب في إشعال الاضطرابات الأخيرة، غير أن ربيعة قدير نفت تلك الاتهامات. يكاد القارئ المغربي يجهل أي معطى بشأن المسلمين في الصين، وبخاصة بإقليم شينغ يانغ، وكذا قومية الإيغور التي كانت طرفا أساسيا في الأحداث الدامية التي شهدها مؤخرا هذا الإقليم الموجود شمال غرب الصين. الإسلام بالصين تعد الصين من أوائل البلدان التي دخل إليها الإسلام، وبعد أن مضى على انتشاره فيها أكثر من 1300 سنة، أصبح عقيدة مشتركة لدى عشر أقليات قومية سنأتي على ذكرها فيما بعد. دخل الإسلام إلى الصين بطريقتين: الطريقة الأولى عبر فتح تركستان الشرقية في العصر الأموي، في منطقة كاشغر. فقبل أن ينتهي القرن الهجري الأول، وصلت غزوات قتيبة بن مسلم الباهلي الحدود الغربية للصين، وعلى الرغم من أن الفتوحات الإسلامية لم تتوغل في أرض الصين، فإن طريق القوافل بين غرب آسيا والصين، كان له أثره في انتشار الإسلام عن طريق التجار في غربي الصين، ولقد عرف هذا بطريق الحرير كما أن مجاورة الإسلام في منطقة تركستان بوسط آسيا للحدود الغربية للصين كان لها أثرا في بث الدعوة في غرب البلاد . أما الطريقة الثانية التي دخل بها الإسلام إلى الصين، فكانت عبر البحر، وتمثلت في نقل الإسلام إلى شرق الصين، ففي نهاية عصر الخلفاء الراشدين، وبالضبط في عهد عثمان بن عفان، وصل مبعوث مسلم إلى الصين في سنة 21ه، ثم توالت البعثات الإسلامية إلى الصين حتى بلغت 28 بعثة في الفترة بين سنتي (31ه -651 م) و(184 ه 800 م)، وتوالت على الصين عبر هذا المحور البحري البعثات الدبلوماسية والتجارية، وأخذ الإسلام ينتشر عبر الصين من مراكز ساحلية نحو الداخل . خلال أكثر من ألف سنة بنى المسلمون الصينيون من مختلف القوميات كثيرا من المساجد الكبيرة والصغيرة. وحسب بعض الإحصائيات، فإن عدد المساجد في الصين يبلغ الآن أكثر من 30 ألف مسجد، علما بأن بعضها ذو تاريخ عريق، وبعضها رائع الهندسة وتعد من الآثار التاريخية في الصين. بني أول مسجد في الصين، وفق بعض المعطيات، في عهد أسرة تانغ (618-907م)، وهو مسجد هوايشينغ (الحنين إلى النبي) بمدينة قوانغتشو، وهناك رواية تقول إنه شيد على يد الصحابي سعد بن أبي وقاص الذي جاء إلى الصين لنشر الإسلام. من هم الإيغور؟ منطقة شينغ يانغ تعرف تاريخيا ب«تركستان الشرقية»، ومصطلح «تركستان» يتكون من مقطعين: «ترك» و«ستان»، ويعني أرض الترك، وهي تنقسم إلى «تركستان الغربية» أو آسيا الوسطى التي تشغل الثلث الشمالي من قارة آسيا، وتحدها من الشرق جبال «تيان شان»، ومن الغرب «جبال الأورال»و«بحر قزوين»، ومن الشمال سلاسل جبلية قليلة الارتفاع، ومن الجنوب هضبة، أما الجزء الشرقي المعروف بتركستان الشرقية أو المعروف حاليا باسم منطقة شينغ يانغ، فتحدها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية، هي: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيستان، ومن الجنوب: أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق أقاليم التبت الصينية. ويتعرض إقليم شينغ يانغ للتطهير العرقي والتهجير حتى تقل نسبة المسلمين فيه، الذين كانت نسبتهم تصل إلى أكثر من 95 % من نسبة السكان، ولكن بعد الممارسات القمعية والتطهير العرقي والتهجير المستمرة قلت هذه النسبة، إذ تصل في الوقت الحالي إلى 60 في المائة. وكانت تتمتع قديمًا بأهمية كبيرة في التجارة العالمية، فكان طريق الحرير المشهور يمر بها، ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية. تعرض المسلمون في هذا الإقليم على امتداد قرون لضغط الجيران الكبار الروس والصين. فكان يتعرض لهجمات الروس من الغرب، وتارة لهجمات الصينيين، إلى أن تم ضم الإقليم إلى الصين عام 1881، وأطلق عليه اسم المقاطعة الجديدة. ولكن هذا لا يمنع من بروز نزعات انفصالية عن الصين، ودخل المسلمون في صراعات دامية مع السلطة المركزية. ولا يمكن فهم ثقافة شينغ يانغ ومجتمعها واقتصادها وحياتها ككل بمعزل عن جيرانها، لأن حدودا جغرافية مع عدد من البلدان. الباكستانيون التجار لم يأتوا بتجارتهم فحسب، بل بعاداتهم الإسلامية أيضا. وهم الذين قدموا الحجاب في أسواق قشغر، كما أن جيرانهم الروس قدموا عادات وتقاليد أخرى. القوميات المسلمة في الصين تمتلك لغتها الخاصة، غير أن هناك خطرا كبيرا يحدق بتلك اللغات، والمهددة بالانقراض، على غرار اللغة العربية، لغة القرآن، حيث تمارس مؤسسات الحكومة الصينية التعليمية بشكل تدريجي حظرا على تلك اللغات. فقد فرضت بعض القواعد القسرية لإغلاق المدارس التي تدرس اللغة العربية، وبعضها تحول إلى مستشفيات. ارتبط تعليم اللغة العربية بالدين الإسلامي وبشكل خاص ببناء المساجد حيث كانت تشكل مدارس لتعلم لغة القرآن. وكان هذا الأمر منذ عهد جيا جينغ من أسرة مينغ (1522 و1566 م) على يد رجل دين وعالم مسلم من قومية هوي في مقاطعة سانشي يدعى خو دنغ تشو الذي ولد عام 1922 وتوفي عام 1597. كان في البداية يدرس الدين واللغة العربية بمنزله قبل أن يقرر الانتقال إلى المسجد، وفيما بعد انتقلت هذه الطريقة إلى باقي الأقاليم التي كان تضم المسلمين. غير أنه بعد الثورة التي وقعت عام 1911، بدأ المسلمون في الصين في بناء مدارس حديثة تدرس اللغة العربية إلى جانب الصينية، ومن بين تلك المدارس نذكر المدرسة الابتدائية الإسلامية الأولى من الدرجة الثانية في العاصمة سنة 1908، ومدرسة سيهجين في شاويانغ عام 1906، كما تشكلت جامعات صينية تدرس اللغة العربية وآدابها، ويتخرج منها طلبة يجيدون لغة الضاد ويعملون في دواليب الدولة أو في السفارات الصينية في الخارج. بالرغم من هذا الأمر، فإن اللغة العربية مازال يهددها الانقراض في الصين في ظل تنامي النزعة القومية الصينية وتحبيذ تدريس اللغة الصينية على حساب اللغات ولهجات القوميات الأخرى. القوميات المسلمة لم يتم إجراء أي إحصاء دقيق لعدد المسلمين في الصين قبل عام 1949، وهي السنة التي رأت فيها الجمهورية الشعبية الصينية النور. حسب بعض الدراسات، فإنه في صين عام 1935، كان هناك نحو 50 مليون مسلم. وهناك من قال: كان في الصين 80 مليون مسلم في تلك الفترة، وظل هذان الرقمان كثيري التداول في العالم. الصين دولة متعددة القوميات، تتعايش فيها 56 قومية مثل قومية هان ومان ومنغوليا وهوي والتبت وتشوانغ ومياو ويي... إلخ. ويشكل تعداد قومية هان 94 % من أبناء الشعب الصيني، بينما يشكل تعداد القوميات الأخرى التي تسمى بالأقليات القومية في الصين 6 %. ومن بين هذه القوميات الست والخمسين 10 قوميات تعتنق الإسلام، هي قومية هوي ( 8.6 ملايين نسمة) وقومية الإيغور (8 ملايين نسمة) وقومية القازاق (1.11 مليون نسمة) وقومية دونغشيانغ ( 374 ألف نسمة) وقومية القرغيز ( 142 ألف نسمة) وقومية سالار ( 88 ألف نسمة) وقومية الطاجيك (34 ألف نسمة) وقومية الأوزبك ( 14.5 ألف نسمة) وقومية باوآن ( 12 ألف نسمة) وقومية التتار ( 4.8 آلاف نسمة). ومجموع عدد أبناء هذه القوميات أكثر من 17.597 مليون نسمة. وتنتشر القوميات المسلمة الصينية بشكل أساسي في منطقتي شينغ يانغ ونينغشيا ومقاطعات قانسو وتشينغهاي وشنشي. وانتشار قومية هوي واسع نسبيا، حيث توجد في مدينة بكين ومقاطعة خبي ولياونينغ وآنهوي وشاندونغ وخنان ويوننان بأعداد كبيرة، إضافة إلى المناطق سابقة الذكر، أما في المناطق والمقاطعات الخمس سابقة الذكر، فكثافة السكان المسلمين قليلة، ذلك لأن مساحتها شاسعة، ولكن السكان المسلمين يحتلون نسبة معينة في مناطقهم حتى أن بعض القوميات المسلمة تحتل نسبة كبيرة نوعا ما. فالمسلمون في منطقة شينغ يانغ مثلا يشكلون حوالي 60 % من سكانها. تركيا تتدخل قومية الإيغور لها روابط مع الأتراك، إذ قيل إن تركيا لها علاقات دينية ولغوية مع الإيغور، حيث يعتبر المواطنون الأتراك إقليم شينغ يانغ الحدود الشرقية للعرق التركماني ويعيش الآلاف من المهاجرين الإيغور في تركيا. هذه الروابط اللغوية والعرقية هي التي تفسر موقف تركيا بشأن الأحداث الدامية التي وقعت مؤخرا بالإقليم. فقد كان موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حادا إزاء ما يقع بالإقليم، إذ وصف ما حدث بأنه «إبادة جماعية» مع ما تعنيه هذه العبارة من الخطورة، ودعا السلطات الصينية إلى التدخل لمنع سقوط مزيد من القتلى. وتحدث أردوغان عن «مشكلة» في تفهم موقف الحكومة الصينية، واتهمها بأنها تقف موقف المتفرج. وأضاف: «على الإدارة الصينية التي تتحسن علاقاتنا بها بشكل مستمر أن تظهر قدرا من الحساسية». وكرد فعل أولي قد يحدث شرخا ديبلوماسيا بين تركيا والصين بعدما تحسنت هذه العلاقات في المدة الأخيرة، خاصة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي عبد الله غول إلى الصين الشهر الماضي، ليكون أول رئيس تركي يزور الصين منذ 15 عاما، أعلنت تركيا بعد الأحداث أنها ستمنح تأشيرة دخول لزعيمة الإيغور ربيعة قدير التي قالت مؤخرا إن أنقرة رفضت مرتين منحها تأشيرة الدخول. كما تظاهر المئات من الأتراك بعد أداء صلاة الغائب، التي أقيمت ترحما على أرواح الضحايا، وأحرقوا الأعلام الصينية في كل من أنقرة وإسطنبول. أهم الأحداث الدامية التي شهدها إقليم شينغ يانغ < مظاهرات وقعت سنة 1997 للمطالبة بحرية ممارسة الشعائر الدينية مع بداية شهر رمضان في مدينة غولدجا (تسمى باللغة الصينية يننيغ)، مما دفع بالسلطات الأمنية والجيش إلى قمع هذه المظاهرة بالقوة، وهو ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى والمئات من الجرحى. < اعتقال تسعة وعشرين ناشطا إسلاميا بتهمة محاولة القيام بمظاهرة مناهضة لبكين، وفي 28 يناير 1999 تم إعدام 2 منهم. < إصابة 5 من الإيغور يوم 12 فبراير 1999 واعتقال 150 شخصا في عاصمة الإقليم أورومتشي على خلفية إطلاق شعارات تطالب بالانفصال. < يوم 21 يوليوز تم إعدام رجلين لأسباب مجهولة، وخلال ذلك الصيف تم اعتقال العشرات، خصوصًا في منطقة خوتان بسبب ممارسة شعائر الدين الإسلامي. < عملية تفجيرية يوم رابع غشت في كاشغار بالقرب من مركز للشرطة تودي بحياة 16 شخصا. <عملية تفجيرية يوم تاسع غشت 2008 في كوكا بالقرب من مركز للشرطة تودي بحياة 19 شخصا. < عملية تفجيرية يوم ثاني أبريل 2009 ضد سيارة في أورومكي تودي بحياة منفذها وإصابة اثنين كانوا في السيارة. < يوم خامس يوليوز 2009، شهد الإقليم مظاهرات أودت بحياة أكثر من 140 شخصا.