حملة تطهير عرقي جديدة ضد المسلمين في إقليم شينجيانج "" إن الصين تسير علي خطي صربيا في إبادة المسلمين، فما يحدث حالياً من أعمال عنف في إقليم شينجيانج أشبه بحملة تطهير عرقي جديدة ضد المسلمين، وهذا ما ألمحت إليه صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير لها في 7 يوليو حيث ألقت باللوم علي قومية "الهان" التي ينتمي إليها أغلبية سكان الصين فيما يحدث حاليا من انتهاكات ضد الإيغور المسلمين. ووفقا للصحيفة، فإن قومية "الهان" تعتبر الآن العنصر الجوهري في توحيد سكان الصين مع تراجع الايديولوجية الشيوعية، ورغم أن الإيغور المسلمين لم ينتفضوا علي الشيوعية، لكن تذويب قوميتهم قسرا هو ما يزيد الاضطرابات. وتابعت " قومية الهان التي تشكل 90 في المائة من السكان تهدف إلي إقناع كل الصينيين بأنهم عائلة عرقية واحدة وترفض أي انشقاق من جانب الأقليات، لكن هذا الأمر ينكر علي الصين تنوعها الثقافي والإنساني ويعمي بصيرة بكين عن الحقوق التي يتعين عليها الاعتراف بها". وخلصت الصحيفة إلي القول إن أعمال العنف في مدينة أورومتشي عاصمة إقليم شينجيانج يجب أن تؤدي إلي تغيير إلا أن النتيجة المحتملة علي عكس ما سبق وهي الإنكار والقمع والابتعاد أكثر عن الحقوق الأساسية للأقليات والعرقيات المختلفة . وكان أكثر من 156 شخصا قتلوا وأصيب أكثر من ألف آخرين بجروح في أعمال العنف التي اجتاحت مدينة أورومتشي في 5 يوليو، وامتدت بعد ذلك إلي مدينة كاشغار في إقليم شينجيانج ذي الأغلبية المسلمة، وذلك في ثاني اضطرابات عرقية كبيرة تشهدها الصين خلال 18 شهرا، حيث قتل العشرات في مارس 2008 في احتجاجات لرهبان بالتبت يطالبون بحقوق أكبر للبوذيين. وبدأت أعمال العنف عندما طالب متظاهرون مسلمون بالعدل لإثنين من أبناء جلدتهم قتلا في يونيو الماضي إثر شجار مع صينيين من "إثنية الهان" في مصنع قرب شنغهاي جنوبي الصين، إلا أن قوات الشرطة استخدمت القوة لتفريقهم، كما تدفق مئات من إثنية "الهان" علي وسط مدينة أورومتشي حاملين الهراوات والسكاكين، الأمر الذي أدي إلي اندلاع اشتباكات دامية أسفرت عن مقتل وإصابة المئات من المسلمين، بالإضافة إلي اعتقال 1434 شخصا منهم . ورغم المسؤولية الواضحة للشرطة الصينية وإثنية "الهان" في تنفيذ ما وصف بالمذبحة ضد المسلمين، إلا أن وسائل الإعلام الصينية الحكومية سارعت إلي اتهام المتظاهرين المسلمين بتدمير الحواجز التي وضعتها الشرطة في الطرقات وحرق السيارات والمحال التجارية، كما عرض التليفزيون الصيني صورا لأفراد من إثنية الهان والدماء تنزف منهم جراء قيام الإيغور بالاعتداء عليهم. ولم يقف الأمر عند ما سبق، حيث اتهمت الحكومة الصينية الانفصاليين الايغوريين الناشطين خارج البلاد بتدبير وتنظيم هجمات منسقة ضد صينيين من قومية "الهان" والتي تشكل أقلية في إقليم شينجيانغ الذي تسكنه أغلبية مسلمة. كما وجهت حكومة إقليم شينجيانغ اللوم فيما حدث من أعمال عنف إلي الايغورية ربيعة قدير، وهي إحدي زعامات الايغوريين، وتعيش في منفاها في الولاياتالمتحدة. واتهم رئيس حكومة الإقليم نور بكري رئيسة مؤتمر الإيغور العالمي ربيعة قدير بأنها كانت وراء تجييش الإيغوريين وتحريضهم وتحدث عن اتصالات هاتفية أجرتها مع أشخاص في الصين من أجل التحريض وعن مواقع استعملت لنشر الرسائل التحريضية. وزعم أن التحقيقات الأولية تظهر أن العنف كان من تدبير وتنظيم "المجلس العالمي للايغوريين" الذي تتزعمه ربيعة قدير وأن التحريض علي العنف وتنسيقه كان يدار من الخارج. إلا أن المنفيين من الايغوريين نفوا صحة ما سبق، وأكدوا أن الاحتجاج كان سلميا وتحول إلي ضحية لعنف الدولة، حيث فتحت الشرطة نيران أسلحتها بشكل عشوائي علي مظاهرات سلمية وتحدث رئيس "الجمعية الإيغورية للتعاون مع تركستان الشرقية" عبد الحكيم تكلامكان خلال تصريحات له من اسطنبول عن أكثر من 600 قتيل وآلاف الجرحي والمعتقلين في الأحداث، قائلا إنه من الصعب رسم صورة دقيقة للوضع بسبب ما سماه التعتيم الإعلامي الصيني علي ما يحدث هناك. وحملت ربيعة بدورها في بيان إلكتروني الأمن الصيني مسؤولية ما حدث، قائلة إنه بالغ في قمع احتجاج سلمي لطلبة من الإيغور، كما تحدث ديل شات راشيت المتحدث باسم مؤتمر الإيغور العالمي من منفاه بالسويد عن غضب يتزايد منذ مدة طويلة، قائلا إن الإيغور تعبوا من المعاناة في صمت. ولعل إلقاء نظرة علي وضع قومية "الإيغور" قد يدين الحكومة الصينية أكثر وأكثر، فالإيغور المسلمون يشكلون إحدي الأقليات في الصين ويزيد عددهم علي ثمانية ملايين نسمة . وبالنسبة لإقليم شينجيانغ فهو يضم حوالي 10 ملايين نسمة ويقع علي بعد 3270 كيلومترا غرب بكين، وتسكنه أغلبية مسلمة من الإيغور تتحدث التركية، بالإضافة إلي مسلمين من قوميات أخري وأعداد محدودة من قومية "الهان " وهو غني بالمعادن والنفط ويقع علي حدود ثمانية من جمهوريات آسيا الوسطي وتطلق عليه قومية "الايغور" جمهورية تركستان الشرقية. ويسعي بعض الإيغوريين في الإقليم إلي الانفصال عن الصين ويشكو ناشطون من الإيغور من التضييق علي الحريات الدينية للمسلمين وتشجيع الصين لعرقية الهان علي الاستقرار في إقليمهم، حيث باتوا ينافسون السكان المسلمين في الفرص الاقتصادية، ولذا يرغب بعض سكانه المسلمون في الاستقلال والتحالف مع الدول المسلمة في آسيا الوسطي. ورغم أن الإقليم شهد اضطرابات في العقود الماضية مع الشرطة وعرقية الهان، لكنها لم تكن بحجم الاضطرابات الأخيرة وهو الأمر الذي فسره البعض باتساع الهوة الاقتصادية بين الهان والإيغور في الإقليم . ويحذر كثيرون من أن قمع الإيغور لن يمنع عودة الاضطرابات للإقليم، كما أنه حتي وإن نجحت السلطات الصينية في إعادة الهدوء هناك، إلا أنها لن تنجح بسهولة في لملمة جراح المسلمين دون إجراءات جذرية لتحسين أوضاعهم وضمان ممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة، ويبدو أن الدعوات الدولية لإجراء تحقيق مستقل في أعمال العنف بالإقليم هي بداية مواجهة جديدة بين الصين والغرب فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة وأن قضايا التبت وتايوان مازالت تشكل صداعا مزمنا يؤرق مضاجع بكين ، هذا بالإضافة إلي أن استمرار قمع المسلمين يهدد بتوتير العلاقات بين بكين والعالم الإسلامي ويضيع عقودا من التعاون المثمر بينهما في المحافل الدولية وفي مواجهة هيمنة الغرب مسلمو الإيغور يصل عدد المسلمين في الصين حاليا إلي أكثر من 100 مليون نسمة أي حوالي 7% من السكان ، ووصل الإسلام إلي الصين عن طريق محورين أولهما عن طريق البر وفيه انتشر الإسلام بالصين من الغرب عن طريق فتح تركستان الشرقية " إقليم شينجيانج حاليا " في العصر الأموي، حيث إنه قبل أن ينتهي القرن الهجري الأول وصلت غزوات (قتيبة بن مسلم الباهلي) الحدود الغربية للصين، وعلي الرغم من أن الفتوحات الإسلامية لم تتوغل في أرض الصين، إلا أن طريق القوافل فيما بعد بين غرب آسيا والصين كان لها أثرها في انتشار الإسلام عن طريق التجار في غربي الصين ولقد عرف هذا بطريق الحرير. أما المحور الثاني لانتشار الإسلام في الصين فكان عن طريق البحر وتمثل في نقل الإسلام إلي شرقي الصين، حيث إنه في نهاية عصر الخلفاء الراشدين، في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وصل مبعوث مسلم إلي الصين في سنة 21ه، ثم توالت البعثاث الإسلامية علي الصين حتي بلغت 28 بعثة في الفترة بين سنتي (31ه -651 م) و (184 ه - 800 م)، وتوالت علي الصين عبر هذا المحور البحري البعثاث الدبلوماسية والتجارية وأخذ الإسلام ينتشر عبر الصين من مراكز ساحلية نحو الداخل. ويتوزع المسلمون في الصين علي عشر قوميات هي الإيغور والقازاق وهوي والقرغيز والطاجيك والأوزبك والتتار ودونغشيانغ وسالار وباوآن، ومعظم مسلمي الصين من أهل السنة ويتبعون المذهب الحنفي، بينما يتبع المسلمون من قومية الطاجيك المذهب الشيعي. وتعتبر قومية "هوي" أكبر القوميات الإسلامية، ومجرد ذكر الكلمة يعني في الصين الانتماء للإسلام، وبالنسبة لإقليم شينجيانج فهو منطقة تتمتع بالحكم الذاتي لقومية الإيغور ويشكل سدس مساحة الصين وكان طريق الحرير البري يقطع شينجيانج من أقصاه إلي أقصاه، مما جعله همزة وصل مهمة بين الشرق والغرب، وقبل أكثر من ألفي سنة، كان الصينيون يسمونه شييوي (المنطقة الغربية)، وفي زمن أسرتي مينغ وتشينغ(1368 - 1911م)، تحول الإسم إلي هويجيانج وقبل مائة سنة تقريبا أخذ اسم "شينجيانج". وتؤكد وقائع التاريخ أن الإسلام دخل شينجيانج مع وصول التجار المسلمين إليها، عندما راجت التجارة بين الصين وبلاد العرب في فترة أسرتي سوي وتانغ (581 - 907م). وفي قلب مدينة أورومتشي، عاصمة شينجيانج، توجد عشرات المساجد وفي كل قرية بجنوبي شينجيانغ يوجد مسجد واحد علي الأقل مع وجود جامع كبير لصلاة الجمعة لكل عدة قري، ويبلغ عدد المساجد في شينجيانغ أكثر من عشرين ألف مسجد، بمتوسط مسجد واحد لكل أربعمائة مسلم تقريبا، من بينها أكثر من ثمانية آلاف جامع كبير مناسب لأداء صلاة الجمعة. وبالنسبة لوضع المسلمين بصفة عامة في الصين فإنه اختلف من فترة تاريخية لأخري، فخلال حكم المغول من 676ه -1286م، 769 ه -1377 م، نهض المسلمون نهضة سريعة، وزاد نفودهم وشغلوا مناصب عديدة في الدولة وتقلد أحد زعماء المسلمين شمس الدين عمر عدة مناصب منها حاكم ولاية يونان في سنة (673 ه - 1274م) وعمل أثناء حكمه علي تثبيث أقدام المسلمين بهذه الولاية وكذلك عمل أولاده الذين تولوا مناصب مهمة بالدولة، وبلغ عدد الحكام المسلمين 30، وتولي المسلمون حكم 8 ولايات، وكانت الصين مقسمة حينئذ إلي 12 ولاية. وفي عهد المنشوريين، تغيرت أوضاع المسلمين، فكان عهد ظلم واستبداد وذلك لجهل الموظفين المنشوريين بعادات المسلمين وظهرت عدة انتفاضات في شمال الصين وتركستان الشرقية وفي ولاية يونان راح ضحيتها الآلاف من المسلمين، ورغم ذلك فإنه في هذه الفترة (1279 ه -1862م) ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلي اللغة الصينية. وبالنسبة للعهد الجمهوري (1329 ه -1911م)، أعلن نظام الحكم آنذاك أن الأمة الصينية تتكون من خمسة عناصر يشكل المسلمون إحداها، وكان علم الجمهورية يتكون من خمسة ألوان، للمسلمين اللون الأبيض، ونال المسلمون حقوقهم بعد أن عانوا الظلم ثلاثة قرون وناصر عدد كبير من أبناء المسلمين بالصين فكرة تأسيس الجمهورية بقيادة الدكتور صن يان سن وانتموا للحزب الوطني الحاكم (الكومين تان)، وحكم أبناء المسلمين أجزاء عدة من الصين ذات أغلبية مسلمة حكما ذاتيا وذلك بعد سقوط الامبراطورية في بداية القرن العشرين ولكنهم كانوا يتبعون الحكم المركزي ببكين فيدراليا. وعندما تكالبت القوي الأجنبية مثل اليابان وانجلترا والولاياتالمتحدة علي الصين ومن ثم دخول روسيا البلشيفية علي الخط تقطعت أوصال الجمهورية وأصابها الضعف وتفشي الفقر بحكم الصرف علي الحروب التي خاضوها ضد اليابان وإخراجها، الأمر الذي جعل البسطاء يؤمنون بالفكر الشيوعي للتخلص من الفقر والقضاء علي الطبقية بالمجتمع الرأسمالي وبدأت الحرب الأهلية تطحن بين حلفاء الكفاح ضد اليابانيين وهم الجمهوريون والشيوعيون، وأبلي أبناء المسلمين بلاء حسنا وأبدوا مقاومة عنيفة ضد الثورة الشيوعية وقيادتها بزعامة الشيوعي ماوتسي دونج وبعد سقوط الجمهورية وتمكن الحزب الشيوعي من تملك مقاليد الأمور بالصين (1369 ه - 1949 م) وانسحاب القائد العسكري للحزب الوطني لخارج الأرض الصينية وبالتحديد لجزيرة تايوان، تم إعدام وسجن وتعذيب الغالبية العظمي من قيادات المسلمين وحكامهم وعلمائهم وهدمت مساجدهم وأهينوا في دينهم كانتقام لعدم وقوفهم مع الحزب الشيوعي أثناء الحرب الأهلية، الأمر الذي جعلهم مطاردين من قبل الجيش الشيوعي، مما استدعي هروب أعداد كبيرة منهم لخارج الصين كتركيا، كما لجأ للدول العربية معظم المسلمين من أصول عربية. إلا أنه مع عام (1389 ه - 1978م) بدأت الدولة الصينية مرحلة جديدة من التعامل مع المسلمين، حيث أصدرت قانونا ينص علي عدم انتهاك أعراف وعادات أبناء الأقليات القومية وأعادت فتح المعهد الإسلامي كما أعادت إصدار مجلة ( المسلمين )، بالإضافة لاستئناف بعثات الحج، وإعادة فتح المساجد المغلقة وهي أكثر من 1900 مسجد في تركستان الشرقية وحدها، و(40327) مسجداً في كل أنحاء الصين، هذا بجانب إعادة العطلات الإسلامية، وساهمت الحكومة أيضا بنفقات إصلاح بعض المساجد وسمحت بدخول أعداد من المصاحف من الدول العربية وفي سنة (1400 ه - 1980م) أرسلت الجمعية الإسلامية الصينية مندوبين عنها لحضور المؤتمر الإسلامي في باكستان كما عقد مؤتمر إسلامي في تركستان الشرقية وأعلن عن مشروع لطبع القرآن الكريم والكتب الدينية، إلا أنه سرعان ما عاد التضييق علي المسلمين وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وسقوط الشيوعية، كما زاد التضييق بعد أحداث 11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة وربط الغرب بين الإرهاب والإسلام، إلا أن الحقيقة التي لن تستطيع الصين أن تهرب منها هي أن الإسلام جزء لايتجزأ من تاريخها ولذا فإنه لا مناص أمامها من المساواة في معاملة مواطنيها من كل القوميات والعرقيات. (مركز معلومات الراية)