يرى تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي، أن الأزمة التي تعرفها إيران حاليا تعكس خفايا الصراع المحتدم بين التيار الإصلاحي والمحافظ، وأضاف أن مستقبل الصراع لم يحسم بعد لهذه الفئة أو تلك، وتكمن الخطورة الكبرى في أن الصراع ليس ظرفيا، وأشار إلى أن ثورة الأنترنت جعلت العالم يتابع بالصور فصول .الاحتجاجات عبر الهواتف النقالة ومواقع الأنترنت - كيف تقيمون أسباب الأزمة الإيرانية الحالية؟ < مر على ثورة 1979 حوالي ثلاثة عقود، وكل ثورة لها سقف معين من العطاء تصل بعدها إلى منحنى التراجع ثم ربما الانهيار، وقد لاحظنا هذا في العديد من الثورات آخرها الثورة الشيوعية التي استطاعت أن تستمر لعدة عقود ثم تبين في منتصف الثمانينيات أن الرئيس غورباتشوف إنما يحاول فقط الحفاظ على الوضع القائم في مواجهة تيار جارف يطالب بالتغيير. بعد أن تمكنت الثورة في إيران، في إطار اختيار تيوقراطي، من التغلغل في وسط المجتمع الإيراني وضبط الأوضاع ومراقبتها، لاحظنا كيف أن مرحلة إعادة الأوضاع إلى طبيعتها بدأت تظهر مع وصول المعتدلين إلى الحكم عقب انتخاب خاتمي سنة 1997، إلا أن هذا الأخير لم يتمكن عبر ولايتين من تغيير الأوضاع وجعلها في مستوى طموحات الطبقة الوسطى والمثقفين والمهيمنين على دواليب الاقتصاد، وهذا ما أدى إلى تراجع شعبيته في الولاية الثانية. عاشت إيران هذه الأوضاع ولم تتمكن مجموعة المعتدلين من الهيمنة على مقاليد الأمور، فجاءت آثارها واضحة في التصويت على موسوي. وقد اعتقد الكثيرون من سكان طهران من المثقفين والمتفتحين على الرأي العام الغربي والشباب والنساء أن تصويتهم على موسوي قد يكون كافيا لتغيير الأوضاع، لكنهم تناسوا أن الأرياف والبوادي الإيرانية تعج بالمؤيدين لأحمدي نجاد والمتشبثين بمبادئ الثورة وبولاية الفقيه. تم تجاهل رد فعل الشارع الإيراني في البوادي والأرياف وفي جانب الحرس الثوري والمحافظين أكثر المتشبثين بالنظام القائم، وبالتالي هذا التطور الذي ظهر مع الأزمة جاء نتيجة لوجود تيارين يتصارعان: تيار محافظ يسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم المتمثل في ولاية الفقيه وحكم آية الله، وفريق ثان يتطلع نحو الغرب ويتأثر بثورة الأنترنت ويتعامل مع العالم في إطار ما يسمى بالقرية الشمولية. إذا كانت الثورة في إيران قد جاءت على أشرطة الكاسيط من باريس، فإن الأنترنت ومواقع تويتر والفايسبوك هي التي تؤثر الآن في الرأي العام. - كيف ترون مستقبل الصراع بين المحافظين والإصلاحيين؟ < سيكون من الصعب جدا على أي محلل رزين أن يستشرف المستقبل ويؤكد هذا الخط أو ذاك، لكن من خلال مراقبة تطور الأحداث تبين أن الأمور خرجت عن مسارها المعتاد، وفي الأيام الأولى كان يبدو واضحا أن الاحتجاجات ترتبط بالانتخابات والتزوير، لكن سرعان ما تحول اتجاهها إلى منعطف خطير وهو معارضة ورفض رموز الثورة الإيرانية، فقد كان خطاب آية الله علي خامنئي الذي تميز بلاءاته الثلاث في رفض مراجعة الانتخابات، ورفض مسيرات الاحتجاج في الشوراع والتمسك بأحمدي نجاد كمرشح فائز لا رجعة فيه، كان ذلك بمثابة حمام بارد نزل على المتظاهرين وغير مسار الصراع من نقد لميكانيكية الانتخابات إلى نقد لرموز النظام، وإذا ما استمرت الاحتجاجات فقد تصبح آثارها خطيرة جدا إذا تطورت المسيرات من مجرد مسيرات تعبر شوارع طهران إلى اعتصامات كبرى واحتجاجات في باقي المدن الإيرانية حيث لن يتمكن رجال حرس الأمن الثوري من السيطرة عليها. مستقبل الصراع لم يحسم بعد لهذه الفئة أو تلك، بل إن الخطورة الكبرى تكمن في أن الصراع ليس ظرفيا، فلقد انقسم المجتمع الإيراني إلى فريقين، أحدهما يندد بنتائج الانتخابات ويطالب بكشف التزوير والآخر يتشبث بالمؤسسة الدينية وبولاية الفقيه ويعتبر أن التغيير سيكون من صالح الغرب. - هل هناك فعلا تدخل بريطاني كما تدعي طهران؟ < علينا ألا ننسى أن المجتمع الدولي أصبح أشبه بالقرية الشمولية، وأتى آية الله الخميني من منفاه الباريسي ليقود الثورة في إيران، فاليوم قد يطيح الأنترنت والشبكات الالكترونية المتعددة بهذا النظام. لقد أصبح العالم مفتوحا على الجميع، وإيران التي كانت قلعة مغلقة على سكانها أصبحت عن طريق الحوار الإلكتروني تنفتح على العالم وتتلقى كل الرسائل، كما أن صور ما يجري في الاحتجاجات تنقل عبر الهواتف النقالة إلى كل القنوات الدولية. ما تعتبره إيران نوعا من التدخل الخارجي في شؤونها جاء موجها بالأساس نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا، وهذا التوجه مرتبط بالآلة الإعلامية قبل كل شيء، وقد ذهب الأمر بعيدا بالإيرانيين إلى حد طرد مبعوث قناة البي بي سي الدولية من طهران ومنعه من نشاطه هناك، لكن ماذا سيفعلون بالمواطنين الإيرانيين الذين يوجهون إلى قناة الجزيرة وباقي القنوات الأخرى صورا مفجعة عن طريق هواتفهم النقالة والفايسبوك. يحاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما التزام الحياد والمحافظة على مركزه التفاوضي حول السلاح النووي، لذا لم يوجه أي نقد إلى الساسة الإيرانيين، باستثناء كلمة واحدة قالها فيهم مخاطبا الإيرانيين: العالم يراقب ما يقع، ولم يعط أية تصريحات أخرى لكي لا يقطع العلاقة مع الإيرانيين. ما نلاحظه من تصريحات على لسان الرئيس الفرنسي ساركوزي وباقي المسؤولين الغربيين هو رد فعل كان مباشرا لما يعرفه الشارع الإيراني من تطورات، والزعم بوجود تدخل أجنبي بطريقة مباشرة تنقصه في اللحظة الراهنة الحجة الدامغة على وجوده. ليست هناك أية أسلحة توجه إلى المعارضين من الخارج، ليس هناك أي دعم مفتوح لحركة المعارضة من طرف قوى أجنبية، والوسائل الإعلامية لا يمكن أن نعتبرها اليوم تدخلا في الشؤون الداخلية، وحتى المنابر التي أصبحت ترتفع في الغرب لنقد النظام الإيراني تتذرع بحجة أساسية وهي أنه عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان ووجود قتلى في الشارع أثناء التظاهرات السلمية، فإن ذلك لم يعد يتعلق إطلاقا بشأن داخلي محض، بل بإحدى قضايا حقوق الانسان التي تخضع لمراقبة المجتمع الدولي. - ما هي خفايا الصراع بين رفسنجاني وخامنئي؟ < علينا أن نتذكر أن رفسنجاني اتخذ خطا معارضا لآية الله خامنئي وللخط المتشدد في السلطة، وأصبح رفسنجاني يدعم بشكل واضح اختيارات الرئيس السابق خاتمي وينتقد أحيانا بشكل لاذع مواقف أحمدي نجاد في القضايا الداخلية والدولية، وسار خطه في نفس اتجاه آية الله منتظري الذي هو من بين محركي الثورة الإيرانية سنة 1979 والموضوع تحت الرعاية الإجبارية في مدينة قم. ويبدو أن كل هذه الرموز القوية للثورة الإيرانية أصبحت تخلق الآن نوعا من التحالف في ما بينها، فالتحالف الآن بين موسوي المرشح غير الفائز ورفسنجاني وخاتمي أصبح تحالفا واضح المعالم للجميع، وهو تحالف ليس ضد خامنئي فقط، بل أيضا ضد مواقف الحرس الثوري. - كيف سيصبح موقع إيران في الشرق الأوسط إذا ما تمت زعزعة نظام الحكم بها؟ < إيران قوة مركزية في المنطقة لا يستهان بها، والوضع بها الآن يدعو إلى الترقب والحذر لأن الغرب يراهن على وصول موسوي إلى الحكم، وأعتقد أنه حتى في حالة نجاحه، فلن يحدث تغيير جذري لأن خاتمي الإصلاحي لم يغير شيئا. النظام الإيراني خاضع للمؤسسة الدينية وتواؤم المرجعية الدينية مع الديمقراطية. الأزمة الآن لا تعني نهاية النظام ولن تؤثر على مركز إيران. - هل إسرائيل هي المستفيدة أكثر من الوضع الحالي في إيران؟ < أجل، كلما ساء الوضع شعرت اسرائيل بالراحة. وتطالب الحكومة الإسرائيلية البيت الأبيض بالتنديد بالعنف الذي يواجه به النظام المحتجين، رغم أنهم يقومون بالأفظع في حق الفلسطينيين. تحاول اسرائيل أن تدفع أمريكا إلى التشدد في استخدام السلاح وضرب المنشآت النووية الإيرانية، ورغم ذلك تفضل الإدارة الأمريكية لغة الحوار والتفاوض. - الاحتجاجات في الشوارع الإيرانية كانت في نظركم احتجاجا على تزوير الانتخابات أم سخطا على قيم التشدد التي يكرسها التيار المحافظ؟ < إنها تعكس في الواقع رفض التشدد أكثر من احتجاجها على التزوير. سكان طهران ملتفون حول موسوي وصوتوا لصالحه، وتناسوا أن الأرياف والقرى وعناصر الحرس الثوري متشبثة بنجاد الذي تجد أن لديه القدرة على التواصل مع المواطن العادي...