المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال (بوريطة)        هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام        وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اطمئنوا؛ لن يسقط النظام في إيران
نشر في هسبريس يوم 04 - 07 - 2009


صناديق الاقتراع لا تتحدث مرتين ""
ليس ما نكتبه اليوم عن الأحداث التي رافقت نتائج لانتخابات الإيرانية مجرد احتجاج يغفل الحاجة إلى نمو سياسي تستكمل به الديمقراطية نفسها في إيران وفي غير إيران. هذا مشوار مشروع وضروري ، وهو في إيران مطلب حضاري ومهمة ثقيلة ملقاة على المعنيين بتطوير الفكر السياسي الإسلامي الذي يشكل الفلسفة السياسي التي يقوم عليها الحكم في إيران اليوم. وثقوا تماما إن الإيرانيين لوحدهم قادرين على خلق هذا الجدل البنّاء متى تركوا لحالهم دون أن يحشر العالم أنفه في مشهدهم السياسي الذي تقف وراءه ثورة عظمى وتجارب لا زالت تتراكم باضطراد. أن يصطك الشارع الإيراني ديمقراطيا وضمن الحراك الاجتماعي والسياسي السلمي هو أمر مطلوب وحتمية من حتميات الاجتماع السياسي طرا. وفي إيران التي أسس نظامها فقيه كبير يؤمن بالاجتهاد ويحرض عل استدخال عامل الزمان والمكان في التطوير الفقهي ، لا يمكننا الحديث عن نظام معصوم يقوده المعصومون. لو نسب الولي الفقيه العصمة لنفسه في إيران لكان ذلك مؤشرا كافيا لعزله لأن ذلك بخلاف العدالة كشرط في ارتقاءه ذلك المنصب. لا وجود لمعصومين في إيران بقدر ما يوجد مجتهدون ومؤسسات دستورية للرقابة والضبط وهي تستحضر منطق الشروط والتنسيب. وهذا النقاش الداخلي حينما يجري على المستوى الفقهي العالي يكون مفهوما . وهو نقاش مؤجل حتى الآن حيث هناك تحرش بإيران يستهدف وحدة شعبها كما يستهدف أمنها وسلمها الأهلي. وهنا لا بد أن يجري النقاش باللغة والمفاهيم والنظرات التي يقتضيها منطق الصراع الاستراتيجي. هناك مؤامرة كبيرة تحاول التأثير على الشارع الإيراني لأهداف ليست هي مطلب الإصلاحيين الرئيسي. وهي الاستهدافات التي تتعّدى إيران نفسها لتجهز على ما تبقى من قلاع المقاومة والممانعة في المنطقة التي تواجه تآمرا إقليميا ودوليا لا يخفى على أحد. وهنا تفرض الظرفية الراهنة عدم تضخيم الاستشكال الفلسفي على حساب اليقظة الاستراتيجية التي تسعى لتقويض أسس النهضة التي لا يمكن إلا أن تكون جدلا من داخل معاقل الممانعة للمشاريع الهيمنية والاستراتيجيات التدخلية. إذن ما الذي يجري اليوم في إيران؟
لقد عودتنا الانتخابات الرئاسية الإيرانية على ضرب من الفرجة والحيوية في مجال إقليمي عابس ديمقراطيا. كما يبدو قاحلا من أي حدث انتخابي جدي. فحجم المشاركة لا يضاهى ودرجة النزاهة ظلت أمرا مشهودا حتى من قبل المراقبين الغربيين. ترى ما الذي تغيّر؟! حينما كان المتبارون على كرسي رئاسة الحكومة المقبلة يتناظرون ويقدمون برامجهم وأفكارهم ، كان الغرب وإسرائيل وعرب الاعتدال قد عيّنوا الرئيس الإيراني المقبل سلفا. بل هناك من تحدث عن فوزه بالانتخابات قبل أن تغلق صناديق الاقتراع. هذا الشكل من التدخل في الشأن الإيراني الداخلي والتغليط الممنهج للرأي العام ، له ما يبرره في الغرب. حيث إن الديمقراطية خارج مجاله الفريد لم تعد جزءا من السياسة الغربية. وقد بدا الأمر واضحا حينما خطب أوباما في القاهرة حينما أعلن عن عزمه عدم التدخل في القضايا الداخلية للنظم العربية والإسلامية. لكن الانتخابات الإيرانية أظهرت كيف أن الحرب الالكترونية لعبت دورا أساسيا في تحريض الشارع الإيراني والتلبيس على الرأي العالم العالمي. لكن ما ليس مفهوما هو انخراط عرب الاعتدال في هذه المعركة الخاسرة بنوع من البهلوانية الإعلامية ، وهم من لا زالوا في حالة مطارة لأفراد عزل لم يفعلوا سوى أن رفعوا نداءا بتمكينهم من حقوقهم التي لو قيست بحقوق الحيوان في الغرب المتباكي اليوم على الديمقراطية الإيرانية ، لرجحت كفة حقوق الحيوان. المؤسف كذلك أن مرشحين اثنين هما مير موسوي وكروبي سقطا في هذه الخدعة الإعلامية القذرة. وظنوا أنهم يملكون أن ابتلاع الشارع الإيراني برمته ببيعه بعض الكلام الإصلاحي وبناءا على مزاعم لم يثبتوها حتى الآن. وهؤلاء يدركون أن الغرب راهن عليهم من باب التحريض والنفخ في شخصياتهم التي لم يكن لها امتداد جماهيري ولا قدرة على مواجهة الأغلبية الساحقة التي انتخبت نجاد وناصرت النظام. يدرك هؤلاء أنهم يتبادلون الخدمات بطريق أو بآخر مع خصوم إيران الدوليين والإقليميين، كما يدركون أن هذه هي فرصتهم الأخيرة للانخراط في مثل هذه اللعبة التي استغفلت الشارع الإيراني. قبيل الانتخابات قرأنا بعض الحوارات التي أجرتها بعض صحافة الاعتدال مع أمثال كروبي ومير حسين. كانت الرسائل واضحة. لقد رددوا كل ما تردده قوى الاعتدال. واستغلوا إعلامها الساذج للانتصار في انتخابات لا أحد يحسم فيها سوى الشعب الإيراني وليس صحافة الاعتدال ومراكز التأثير والتحرش بالشارع الإيراني. فمن خلال جملة الشعارات التي رددها أنصار موسوي وكروبي، راهن هؤلاء على سياسة عرب الاعتدال وما تطلبه إسرائيل من إيران. يكفي أن إسرائيل ندبت حظها العاثر عند سماع نبأ فوز نجاد بالانتخابات فيما كانت تراهن على فوز موسوي. كانت شعاراتهم لا سيما ما أوحوا به لصحافة خصوم إيران: إعادة النظر في دعم المقاومة والحوار بشأن الملف النووي وإصلاحات هي في النتيجة ادخار بضعة دولارات تصرف على قضايا سيادية. وهذا شكل من الريع السياسي الذي يقايض على حلول تنموية مغشوشة بسيادة الأمة واستقلالها ومكتسباتها الإستراتيجية. وقد نسي هؤلاء أن الشعب الإيراني حينما عاقب في الانتخابات السابقة الإصلاحيين وجاء بنجاد إنما فعل ذلك لأسباب تتعلق بالإصلاحات والتنمية والعدالة وليس لأجل تدبير الملف الخارجي. إنهم يحاربون نجاد بما كان سببا في فوزه المرة الأولى والثانية. لم يعد هؤلاء يرون أهمية لصوت الفقراء في إيران. بعضهم اختزل إيران في شريحة اجتماعية تقطن شمال طهران. فاز نجاد بأكبر نسبة من الأصوات. وبذلك هزم ثلاثة مرشحين. واحد منهم هو مير موسوي، توهّم أن الفوز سيكون من نصيبه. ترى ما الذي أفقدهم صوابهم حتى كرسوا الفوضى ولم يحقنوا الدماء البريئة من الإصلاحيين وعناصر النظام ؟ فقبل 4 سنوات كان نجاد قد هزم التيار الإصلاحي وأظهر كيف لمهندس أفندي ينتمي إلى الطبقة الثانية للثورة أن يهزم ركنا من أركانها كالشيخ رافسنجاني. كان حينئذ الإصلاحيون قد تغلغل?وسعهم في أجهزة الدولة . وكانوا يملكون الإدارة والمال والنفوذ حتى أنهم ارتكبوا تجاوزات في الانتخابات السابقة للحؤول دون وصول نجاد إلى الرئاسة. لكنه مع ذلك هزمهم ابن الحداد الذي عرف كيف يستميل أغلبية الفقراء إلى صفه. ولا يخفى أن السيد نجاد فاز يومها في الانتخابات للأسباب التي أمكنه الفوز بسببها في الانتخابات هذه السنة. إنهم أغلبية الفقراء الذين وحدهم يشكلون معيارا لقياس حجم الخدمات الاجتماعية التي قدمتها حكومة نجاد ، حتى وهي تمارس نضالها الخارجي وتباشر مشروعها النووي.
كانت إيران تدرك أن هناك شارعا إصلاحيا له وجهة نظر أخرى في تدبير ملفات الداخل والخارج. وكانوا يعتبرون أن التباري ممكن أن يأتي بشخص إصلاحي مثلما أتى يوما بالسيد خاتمي. ولا أحد كان يملك أن يتنبّأ بنتائج الانتخابات غير مير موسوي ووسائل الإعلام الخارجية بما في ذلك الإسرائيلية. ولم يكن في وارد السلطات الإيرانية أن الوصولية السياسية لبعض المحسوبين على الإصلاحيين يمكن أن تستغل حتى الحالة الغوغائية لبعض العناصر الدخيلة على المشهد الانتخابي والتي لها أجندة تفوق مطالب الإصلاحيين. يكفي أن 8 عناصر من الباسيج قتل بالرصاص. إذن هناك عناصر تخريبية حملت السلاح في وجه السلطات. ولا يمكن لحركة احتجاج إصلاحية أن تحرق وتدمر الممتلكات الخاصة للمواطنين قبل أن تجهز على الممتلكات العامة للدولة. الإصلاحيون يدركون أن الأمور بلغت حدا من الالتباس كان ينتظر منهم تغيير قواعد اللعبة لتفويت الفرصة على من يريدون ركوب موجة الاحتجاجات لتصفية الحساب مع النظام. وهو النظام الذي اختاره الشعب الإيراني عبر استفتاء عام ومباشر منذ 30 سنة. ترى متى كانت الانتخابات فرصة للتخريب؟ حينما اختار الشعب الإيراني نظامه السياسي وصوت على الدستور، كان في عزّ ثورته واندفاعه ولم يكن مكرها على شيء. لسبب بسيط أنه لم تكن هناك دولة قوية بالمعنى الذي يمكنها أن تفرض على الشعب أي شيء. قول الشعب الإيراني نعم للجمهورية الإسلامية وللدستور والمؤسسات بنسبة 98 في المائة ، يعني أن الأمور تمأسست وتدسترت . وأحيانا ينسى هؤلاء أن نظام ولاية الفقيه هو يستقي مقوماته من الفقه الشيعي الذي يدين به الشعب الإيراني. وهو لا يمثل الغرابة التي تبديها مواقف الأجانب تجاه الفكرة. والجنبة التي ينتقد بها خصوم ولاية الفقيه من الشيعة هذا النظام لا تلتقي مع الجنبة التي ينتقد بها خصوم ولاية الفقيه من غير الشيعة هذا النظام. وفي أصل المسألة كل الزعماء العرب يملكون من الصلاحيات الدستورية وغير الدستورية ما يجعلهم متحكمين على النفوس والضمائر. على من تضحكون؟! إن ما يتحدث عنه الإصلاحيون يتصل بمطالب تتعلق بالحريات الخاصة. هنا بيت القصيد . وهنا تتحرك ماكينة الجدل الفقهي والفكري والسياسي في إيران لتطوير نظامها الداخلي . وفي ظنّي أن ها هنا يكمن التحدي. فالإيرانيون والمحافظون تحديدا مطالبون بمزيد من الاجتهاد في هذا المجال الذي تقدموا فيه خطوات على صعد لم يجاريهم فيها المجتمع العربي لا سيما في القطاع النسائي. فالمرأة الإيرانية حاضرة في كل القطاعات وبالغة كل المستويات. وفي ظني أيضا ستهزم خصومها لو انكبت على دراسة برامج ومشاريع إصلاحية تتعلق بالحريات الخاصة. لأن هذا هو وحده ما يشكل ثقبا لتسلل الخطر. ففي ذلك حتما ما يؤهلهم للفوز بجبهة داخلية متماسكة لتحدي حرب الصورة والإعلام الذي هو تحدي للمنظومة الأخلاقية للمجتمعات العربية والإسلامية الأخرى. وإيران اليوم ستستفيد من هذه الأحداث لتطوير حلول ناجعة تخص الحريات الخاصة من شأنه أن يمنحها من القوة ما لا يمنحه إياها التقنية النووية. علينا أن لا ننسى أن المشكلات التي تعترض النظام الإسلامي في إيران هي أصلا ما يعترض الفكر الإسلامي من تحديات تنتظر اجتهادات وتخارجات فقهية عالية، وليس لأن النظام الإيراني هو المسؤول عنها. في العالم العربي لا يطبق النظام الإسلامي بصورة شمولية ومع ذلك توجد مشكلات على صعيد الحريات. في الفقه الإسلامي ممكن أن نجتهد ونطور ونجدد لكن في الأعراف والأذواق والأمزجة السياسية المترهلة لا مجال للتغيير.
لقد تحدثت صناديق الاقتراع في إيران وعينت الفائز. العرس لم يكتمل ، لأن ثمة مفسدين أرادوا أن يعكروا الأجواء. وهم بالمناسبة جبناء لأنهم لم يعرفوا بأنفسهم واندسوا في جمهور الإصلاحيين المسيّس قبل أن تفضحهم غوغائيتهم. هناك توافق موضوعي بين الموتورين من النظام أصلا وبين الخاسرين الذين لم يتمتعوا بالروح الرياضية لاستقبال الهزيمة دون ضوضاء. لكن أغرب ما في الأمر هو دعوتهم إلى إلغاء نتائج الانتخابات والبدء في أخرى لا أدري من طمأنهم بالفوز فيها. وفي الديمقراطيات الجادة أو تلك التي تريد أن تصبح جادة لا تتحدث فيها صناديق الاقتراع إلا مرة واحدة. فمن له المصلحة في أن يجعلها تنطق مرتين؟
هنا في إيران تكلمت صناديق الاقتراع . على الأقل تكلمت حيث لا تتكلم في المحيط العربي، لا سيما من يتزعم اليوم الكذب على الرأي العام بأن قلبه مع حرية الشعب الإيراني. يتباكون على الضحية "ندا" التي قتلتها رصاصة انطلقت من سلاح من العيار الخفيف مما لا يستعمله الحرس الثوري. يتباكى عليها إعلام لم ينبس ببنت شفة حيال القهر الذي تعانيه النساء في بعض دول الاعتدال العربي حتى أنها منعت من حق السياقة والرّد على التلفون. وهي هناك في حكم الإماء . هنا صناديق الاقتراع تكلمت أفضل مما تنطق في البلاد العربية لا سيما التي انخرطت في خطاب التشفي والتشويه والإساءة. لكن هنا عندنا الصناديق " ما بتتكلم عربي". لو خلي الإيرانيون وأنفسهم لوجدوا طريقا لحل مشكلاتهم بسهولة. المشكلة أن التشويش على الانتخابات الإيرانية أتى من الداخل والخارج. دوليا كان المناخ أسوأ بالنسبة لهذه الانتخابات. إقليميا حاول أنصار 14 آذار الإقليميين أن يكرروا المحاولة نفسها مع إيران. لكن إيران دولة قوية ومنيعة لا يستطيع المال السياسي أن يعبث بمشهدها كما يمكن أن يحدث في لبنان أو أي بلد لا يتوفر على دولة قوية. ولذا اكتفوا بالتشويه الإعلامي في أكبر محاولة للاستغباء والتحايل على ذكاء الرأي العام. لأن للرأي العام سؤال واحد بسيط: كيف يمكن لإعلام ينطلق من كيان لا تنطق فيه صناديق الاقتراع مطلقا أن ينتقد كيانا تنطق فيه تلك الصناديق أفضل نطق حير الديمقراطية الغربية التي لا تستطيع أن تقنع 40 مليون ناخب أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع. وفي كل مرة نحب أن نذكر بهذه المفارقة، لكن لا حياة لمن تنادي. فهي حرب إعلامية رخيصة أفقدت المعنى والمنطق وظيفتهما وأهميتهما. وأحيانا وجب أن نعذرهم ، لأنهم لا يحسنون قراءة الظاهرة الانتخابية لأنهم لم يأنسوا بها. فأربعين مليون ناخب يتقدم إلى صناديق الاقتراع يعتبر في اللغة الديمقراطية أن الشعب يمارس السياسة بحيوية بالغة، وبأن الشعب مؤمن بنظامه ويؤمن بجدوى الانتخابات.
إذن ، هل هو انتحار الثالوث أم استقواءه؟
أقصد بالثالوث ، شخصيات ثلاث هندست بعناية وتخطيط مسبق لكل هذه الفوضى التي تحتضنها اليوم شوارع طهران وساحاتها الكبرى مثل خيابان ولي عصر وميدان ازادي. وهم كما لا يخفى ، وبالترتيب الذي يحفظ الأهم والمهم : الشيخ رافسنجاني والسيد خاتمي والسيد مير حسين موسوي. لقد استعملوا حتى الآن جميع أوراقهم لاستدامة الفوضى وإيقاف الحياة في بعض شوارع طهران. ترى هل هم أقوياء إلى هذا الحجم الذي أوحى للإعلام المضلل الخارجي بأن هناك انقساما من داخل النظام ومن أن الشيخ رافسنجاني قد يقلب الأمور؟
لا أعتقد ذلك. وكل عارف بتوزيع القوى والنفوذ والمصداقية داخل الجمهورية الإسلامية سيدرك بكل بساطة أننا أمام منتحرين ، شعروا بالخيبة وهم ينظرون إلى ذلك الشخص المتواضع ابن الحداد يهزمهم جميعا ويفوز برضا الشعب ورضا قائد الثورة معا. أصبحت كراهيتهم شخصية للسيد نجاد وهم في مبالغاتهم لتحقير أدائه يثبتون أنهم يغالطون ليس الإيرانيين فقط الذين عبروا عن رأيهم عبر الاقتراع ، بل يغالطون العالم الذي يتابع أداء نجاد ويدرك أن الأمر يتعلق بنهج يخفي داخل صلابته ذكاء سياسيا كبيرا على الأقل ارتقى بإيران إلى مديات لم تعرفها إبان حكم الإصلاحيين.
إن الشيخ رافسنجاني شخصية مهمة جدا في إيران . وشخصيا كنت أفضل لو رشح نفسه هو وفاز في الانتخابات. وهو في نظري أهم من السيد خاتمي وأذكي في سياسة البلاد. غير أنه سيخسر رصيده وتاريخه إن هو جارى هذه اللعبة التي تسعى لتقويض النظام في ظرفية صعبة. ولعله مما يبعث على الارتياح أنه عبر عن موقفه الايجابي من النظام والدور الحاسم لقائد الثورة. ومثل هذا الموقف الإيجابي أبداه المرشح الثالث للانتخابات حسين رضائي من خلال سحبه شكوى ضد نتائج الانتخابات من مجلس صيانة الدستور وتحدث عن ما هو أهم من الانتخابات اليوم: التحرش بالنظام والخطر على الكيان من التحديات الخارجية. هناك إذن أولويات. لكن مثل هذه الأولويات لم تهم مير موسوي وهو يرفض اللجنة الخماسية ويصر على مزاعمه التي لا تثبت شيئا سوى أن تمنح فرصة للخصوم الإقليميين والدوليين في زرع الفتنة داخل إيران. وكنت أتمنى شخصيا لو استمر السيد خاتمي في ترشيح نفسه ولم يتراجع في الآونة الأخيرة لصالح مير موسوي ، لأنه على الأقل يمكن أن يتناغم تناغما مختلفا مع خطاب اوباما والمعطيات الجديدة، بلياقة ثقافية قد لا تخدم الملفات الإيرانية الساخنة بالضرورة بقدر ما تخدم سمعة شخص الرئيس المثقف. وأما مير موسوي فلا نعرف عن أدائه شيئا . ولا نعرف متى يكون محسوبا على المحافظين ومتى يكون محسوبا على الإصلاحيين؟ ولكن ، كان من المفروض أن يتحرك الإصلاحيون بشكل مختلف عبر قنوات اتصال أخرى تجعل عهد نجاد الجديد يختلف في النهج والأداء والسياسة عما اعتبر أخطاء في أدائه السابق. وكان بالإمكان أن يساهم الاصلاحيون في التأثير على سياسة الرئيس عن طريق قيادة الثورة وبوسائل ووسائط مختلفة. وكل هذا ممكن في إطار ما تتيحه قواعد اللعبة السياسية في إيران. ليس مير موسوي هو من سيفرض التغيير على العالم وعلى أمريكا. بل التغيير في الخارج هو الذي يفرض على إيران تغييرا في نهجها بوصفه تعبيرا عن رد فعل طبيعي تجاه الحصار المفروض على إيران منذ قيام ثورتها.
يمكننا بعد هذا الهياج المفتعل أن نتحدث عن الباب المسدود أمام لغة الشارع. فلم يكن خطاب مرشد الثورة السيد علي خامنئي يوم الجمعة في مسجد جامعة طهران رسالة عادية للأطراف المتنازعة حول نتائج الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لقد كان خطابا فصلا جعل الوضع يختلف بين ما قبل الخطاب وما بعده. محاولة أولية لإرضاء جميع الأطراف وانتقاد جوانب من الأداء شمل الجميع بلا استثناء. كان ذلك قدرا كافيا لتكريس منطق الأبوة للقائد الأعلى الذي يخول له الدستور الفصل في مثل هذه النزاعات بالقول الفصل ، بوصفه قائدا للجميع. وهاهنا تكمن إحدى كبرى وظائف ولاية الفقيه: حفظ النظام العام. المهزومون في الانتخابات طعنوا في نتائجها ورددوا اتهامات عارية من أدلة ملموسة حتى الآن. وأكثر من ذلك اعتبروا أن القيادة انحازت للرئيس نجاد. كان من المفترض أن يضع خطاب السيد خامنئي حدا للغة الشارع. غير أن بعضهم استهواه الإصرار العبثي على متابعة لعبة يدركون أن الباب مسدود أمامها ولا بد في نهاية المطاف من الرضوخ إلى القانون. في إيران كما في بلاد الدنيا، هناك نظام وقوانين ودستور يعبر عنهما بوضوح. وجميع الفرقاء يدركون حدود صلاحيات الجميع.
تتحدث وسائل الإعلام بكثير من التحيز وكثير من التشويه لما يجري في إيران. إن وجود عدد من المتظاهرين في الشوارع يمارسون العنف ضد قوى الأمن ويتلفون الممتلكات العامة كما يدمرون ممتلكات المواطنين الخاصة هو حدث مقلق جدا. غير أن إيران حتى الآن لم تعلن حالة الطوارئ العامة ولا زالت تتعاط مع الحدث بكثير من ضبط النفس. حيث في خرجات مسالمة في أي دولة عربية يمكن أن يصبح الأموات أكثر من الأحياء. لا أحد يتحدث عن سقوط النظام العراقي أو اليمني أو السوداني وهو يشهد حربا أهلية وتفجيرات يومية ، بقدر ما تحدثت وسائل الإعلام لبعض العرب عن سقوط النظام الإيراني لمجرد أن انخرط عشرات من المخربين ضمن حركة الاحتجاج الإصلاحية. يدرك الاصطلاحيون أن الذين ينزلون إلى الشارع ليسوا من مشرب واحد. هناك أناس لا يحملون أفكار الإصلاحيين ولا أجندتهم. ففتح الشارع مناسبة لخروج الخفافيش من جحورها. أعني قوى التطرف الحقيقي والإرهاب الذي تمثله ميليشيات خلق التي كانت ولا زالت تؤمن بالعنف والإرهاب طريقا وحيدا لتغيير النظام من أجل نظام شمولي حديدي يشبه نظامهم العسكري المصغر. والمطلعون على الشأن الإيراني يدركون ما سبب القطيعة النهائية بين الإمام الخميني وجماعة خلق. لقد رفض الإمام الخميني طريقتهم العنيفة التي تمثلت أيام الثورة بقتل المدنيين وتخريب المحلات والقتل العشوائي والتصفيات الجسدية والفوضى. وإذا كانت بعض عناصر خلق اندست في الحركة الاحتجاجية للإصلاحيين ، فلا ننسى أن منظمة خلق نفسها رشقت يوما مقر الرئاسة في عهد خاتمي بصاروخ كان يستهدف حياته. غير أن الإصلاحيين يسكتون على هذا الوضع ويحاولن توسيع دائرة الاحتجاج بالاعتماد على كل هذه الطوابير كي تضاف إلى حركتهم التي تملك رؤية مشروعة للإصلاح، لكنها لا تمثل تيار الأغلبية كما أظهرت نتائج الانتخابات. ولا يملك هؤلاء الجرأة لانتقاد الحالة الغوغائية للمندسين في الحركة الاحتجاجية رغم عدم شرعيتها، لأنها تطالب بخلاف القوانين وبخلاف ما حسمت فيه صناديق الاقتراع. يخشى الاصطلاحيون إن هم وجهوا النقد لهؤلاء المندسين أن لا يظهر شارعهم بهذا الحشد المغري للضغط على خصومهم.
مارك بار ديكتاتور.. هكذا رفعت الشعارات في شوارع طهران دون أن تسمي من هو الديكتاتور. لكن من هو الديكتاتور ياترى؟ ستكشف شعاراتهم في شوارع أوربا أنهم يقصدون قائد الثورة. والعجب أن الذي يقود هذه المظاهرات في الخارج هم من جماعة خلق وخصوم النظام. في نظام الجمهورية هناك انتخابات رئاسية حيوية. وهناك إمكانية دستورية لعزل قائد الثورة ومراقبة أعماله. لكن من يراقب أعمال مسعود رجوي ومن يملك عزله من تنظيمه الإرهابي الذي يريد أن يفرضه على شعب لا يأبه بدعوته؟!
المهزومون انتخابيا يثورون ضد القانون ويخلطون الأوراق ويستغلون حتى أعداء النظام في توسيع دائرة الاحتجاج في الشوارع. الاصلاحيون غير واضحين تماما. سبب هذا الإلتباس هو ضعفهم وعدم قدرتهم على الامتداد خارج الطبقات الميسورة للبورجوازية المتوسطة. هل يريدون قلب النظام؟ هل يريدون فرض رأيهم بالضغط والفوضى؟ إنهم على كل حال أقلية مهما هتفوا في الشوارع. ماذا يريدون إذن؟. طبعا هم يدركون أنهم إذا قالوا لا نريد النظام الذي عاشوا في كنفه ومارسوا السلطة في ظله لسنوات، سيواجهون ردة فعل ثورية من قبل الأغلبية الضابطة للنفس حتى الآن . هناك تقصير من المحافظين وخدعة من الإصلاحيين. لنفترض أن نتائج الانتخابات الأخيرة ألغيت بالفعل، وشرع في انتخابات جديدة وأشرفت عليها لجان حيادية وتمت في جو من الشفافية والنزاهة ثم فاز نجاد بالأغلبية الساحقة. ماذا سيكون وضع الخاسرين بعد خسرانهم الثاني. الأفضل أن يتنحوا بماء الوجه قبل أن ينتحروا بفضيحة. لا شك أن الإصلاحيين سيظلون فاعلين رئيسيين في المشهد السياسي الإيراني. وهم كمعارضة اليوم يمكن أن يشكلوا عنصرا إيجابيا لتطوير أداء الحكومة. لأن هذا هو دور المعارضة في النقد والاعتراض . لا شك أن أخطاء كانت قد حصلت في عهد السيد نجاد، الذي يبدو أكثر تواضعا وتقبلا للنقد ، لأنه ليس ديكتاتورا وإنما يعبر عن رأيه وموقفه بالكثير من الجدية والوضوح. يمكن لإيران أن تحول هذه الأحداث إلى عنصر إيجابي ورصيد من قيم مكتسباتها يشهد بأدائها الديمقراطي . فما حدث هو دليل حيوية الشارع السياسي الإيراني وليس أزمة بالمقاييس التي ينطق بها إعلام الخصم الموتور. إن الانزلاق لو حدثت في إيران فهذا ليس في صالح دول المنطقة. لذا قلنا : اطمئنوا ، فلن يحدث في إيران إلا ما سيسيء الخصوم الذين افتقدوا منطقهم كاملا. هناك تمنيات من قبل بيريز وإحدى دول الاعتدال التقت موضوعيا على هذا الخطاب الشامت في إيران. قالوا نتمنى أن نستيقظ يوما ولا نجد هذا النظام. ونتمنى أن يختفي قبل اختفاء مشروعه النووي. لا ندري بعد فوز نجاد كيف سيقنعونه بأن يغير رأيه في شرعية وجود إسرائيل بعد أن تمنى بيريز عدم وجود النظام الإيراني. هذا طبيعي أن يصدر من عدو يدرك مدى ما قدمته إيران للمقاومة الفلسطينية واللبنانية . لكن ما بال عرب الاعتدال؟! لا بد أن يوجد سقف للكراهية. وغريب كيف تصبح الإساءة من دون هدف بل لمجرد الشماتة والكراهية الغبية التي تجعل الدول تفكر بمزاج الأشخاص وتفاهاتهم وشعورهم العارم بعقدة النقص تجاه إيران. كنت أتمنى من هذه البلاد العربية الشامتة أن تتعلم كيف تواجه غليان الشارع الاحتجاجي من دون إعلان طوارئ. في مسيرة احتجاجية مليونية في مثل هذه البلاد كم تتوقع أن يسقط بين عشية وضحاها؟!
لقد كانت الانتخابات الإيرانية كبيرة في شروط إقليمية ودولية سيئة. ليس شيئا أكثر تهديدا اليوم في إيران من التهديد ضد الديمقراطية الإيرانية. إنها مهددة إقليميا ودوليا. وهذا واضح حد الجلاء. فخصومها الإقليميون ليسوا ديمقراطيين ويكرهون الانتخابات. وأما خصومها الدوليون فهم يكرهون الديمقراطية حينما تجري وراء البحار حيث تكون عقبة ضد نفوذهم. هنا يمكننا القول أن ما يحدث في إيران هو مشكلة أخلاقية وليس أزمة سياسية. أطراف هذه المشكلة قوى داخلية استغلت الشارع والتظاهرة الانتخابية للانزلاق إلى ما يستهدف أصل النظام عبثا. وقوى إقليمية تدرك أن حملتها الإعلامية لا يمكن أن تغير شيئا لأنها غير معتبرة عالميا ومشكوك فيها عربيا. وأطراف دولية تستغل الحدث للضغط والتدخل. لم يعد أساتذة الديمقراطيين غربيون اليوم ، فالمهمة العبثية وكلت لأدعياء الديمقراطية في الداخل ولخصومها التقليديين في المنطقة ممن كانت ولا زالت الانتخابات في ثقافتهم السياسية عبث وخطيئة وهي على كل حال من اللاّمفكر فيه. هم يعادون إيران، لذا سيكرهون كل ما لديها من الديمقراطية حتى التقنية النووية. لا وجود هنا للمروءة السياسية. كنت أتمنى على قيادة عرب الاعتدال أن تظهر للرأي العام أسباب هذه الشماتة الساذجة من الأحداث الإيرانية ، وتترك عنها الحديث عن الانفتاح والديمقراطية وحقوق الإنسان، لأن ملفها في هذا المجال هو الأسوأ على الإطلاق. يدرك ذلك الغربيون قبل العرب.الذين عرفوا قراءة المشهد دوليا هم الأمريكيون. وفي المنطقة هناك البحرين وقطر والإمارات وعمان وتركيا نأوا بأنفسهم عن غوغائية الاعتدال العربي. سيكون النظام الإيراني بالنتيجة هو الأقوى في المنطقة، أكثر قوة مما كان. إذن لم كل هذه الكراهية والشماتة؟! إذا كان لا بد من نصيحة إلى عرباننا ، فإنني أعتقد أنهم بإسرافهم هذا يسلكون على خلاف مصلحتهم. فإيران نجاد هي أرحم بالعرب من غيرها. تذكروا أن مطالب التيار الإصلاحي هي مطالب القومجية الفارسية التي تعيدنا إلى سابور الفارسي خالع الأكتاف الذي كان يقول لعرب الجزيرة العربية فيما كره المسعودي في مروج الذهب : إنني أخلع أكتافكم لأنكم تزعمون أن لكم دولة. مطالبهم واضحة: المصالحة مع أمريكا ولعب دور شرطي المنطقة على أسس تناقض مطلب الشعوب العربية وربما في مرحلة أخرى الانخراط في مواجهة المقاومات المشروعة. وإذا كان شارع موسوي الإصلاحي هو شمال طهران، فإنني أتحدى أي شخص من عرب الاعتدال أن يمشي في شوارعها وأزقتها بدشداشته العربية دون أن يضرب على الظهر أو يرجم بالحجارة. الإسلامية الفارسية هي أفضل الجسور لعلاقة عربية إيرانية سوية. فالقومجية الفارسية التي تختفي وراء الإصلاحيين يمكنها أن تسقط في كل المخططات الأمريكية للمنطقة ، واحتقار العرب مما يجعل عرباننا يترحمون على نبل الإسلامية الفارسية المتأثرة بالثقافة العربية. وفي كل الأحوال أقول: اطمئنوا عربان الاعتدال المفلس، لن يسقط النظام الإيراني. ويمكنكم أن تهزموه فقط وفقط حينما تقدموا لنا نموذجا ديمقراطيا ناجحا وانتخابات رئاسية وتشريعية وجماعية حقيقية. فإذا لم تفعلوا ولن تفعلوا، فكفى ثرثرة وضحك على الذقون!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.