مباشرة بعد الإعلان عن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية، شهدت المدن الإيرانية موجات اعتصامات دامية احتجاجا على نتائج الانتخابات التي أعادت التيار المحافظ إلى السلطة في ولاية ثانية. قبل 12 يونيو لا أحد كان يتوقع أن يحدث هذا التحول العاصف في إيران، كما أنه لا أحد كان ينتظر أن يحصل شيء ما في الداخل. وجد الإيرانيون أنفسهم في هذه الانتخابات يختارون بين محمود أحمدي نجاد الذي يعادي الغرب علانية، ومير حسين موسوي الذي أكد أنه يريد إنهاء عزلة إيران والتحدث إلى أمريكا. خرجت المظاهرات في شوارع العاصمة طهران، وأعقبتها مظاهرات عمت غالبية المدن الإيرانية التي خرج فيها مؤيدو موسوي والتيار الإصلاحي محتجين على إعادة تجديد الثقة في نجاد، وحصلت مواجهات بين سلطات الأمن والمتظاهرين، خلفت مصرع أزيد من عشرة أشخاص. وبينما يلتف التيار الإصلاحي خلف المرشح حسين مير موسوي، يجد نجاد إلى جانبه دعم المرشد الأعلى للثورة، علي خامنائي، وخلفه شبكة قوية تتشكل من الحرس الثوري وميليشيات الباسيج.. عندما أراد آية الله روح الله الخميني أن يقود ثورته، التي أطاحت بالشاه رضا بهلوي قبل ثلاثين عاما، سدد الضربات الأولى إلى الحوزات العلمية قبل أن يتوجه إلى قصر الإمبراطور، ولكي يصفي حسابه مع العلماء المناوئين له ولفكرة ولاية الفقيه اتهمهم بأنهم أتباع «الإسلام الأمريكي»، ودعا طلبة الحوزات إلى التمرد عليهم، مدركا أن كراهية أمريكا ستكون كافية لتوسيع دائرة مؤيديه، وهذا ما حصل. وهكذا اندلعت النيران داخل الحوزات قبل أن تشتعل في الشوارع. شبح الخميني بعد ثلاثين عاما على نجاح الثورة الإسلامية في أكبر بلد شيعي في العالم، وعشر سنوات على رحيله عاد شبح الخميني مجددا، لكن هذه المرة ليس كرمز ضد الاستبداد بل كعنوان له. فالفريقان اللذان يواجهان بعضهما البعض في الشارع، منذ نتائج الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو الجاري، يتقاتلان من أجل انتصار واحدة من فكرتين: الأولى تقول إن الثورات تكبر وتشيخ وتحتاج إلى عملية تجميل، والثانية تقول إنه ينبغي الحفاظ على نصاعة الثورة بحجة التبرك بتراث الأجداد. وبينما يتذرع الفريق الأول بالشرعية الديمقراطية ويطالب بإعادة الانتخابات التي يطعن في نتائجها، يتهمه الفريق الثاني بأنه يريد تقديم الثورة على طبق من ذهب للولايات المتحدة وبريطانيا، معتبرين بأن النزعة الإصلاحية التي تدافع عن شرعية الانتخاب والاختيار الديمقراطي هي محاولة لفرض «إسلام أمريكي» جديد على الإيرانيين. خصوم نجاد قبل 12 يونيو لا أحد كان يتوقع أن يحدث هذا التحول العاصف في إيران، كما أن لا أحد كان ينتظر أن يحصل شيء ما في الداخل. فجميع الأعين كانت مصوبة نحو الخارج فقط، إلى حد أن إيران اختصرت كلها في خطب وتصريحات محمود أحمدي نجاد عن إسرائيل وأمريكا والمشروع النووي الإيراني. وقد تعامل الإعلام الدولي كله، خلال ولاية نجاد الماضية، مع إيران ككتلة صماء موحدة في الداخل ضد جميع الأخطار الخارجية، لأن جميع العناوين كانت تدور حول المشروع النووي والعلاقات مع أمريكا والموقف الإيراني من القضية الفلسطينية ودور طهران في لبنان، غير أن ما حصل بعد الانتخابات الرئاسية قلب جميع العناوين وأظهر إيران كبلد يموج بالتحولات الداخلية، كما أظهر أن المجتمع الإيراني لا يساير كله سياسات نجاد، بل أكثر من ذلك أن هناك تيارا واسعا من مختلف الشرائح الاجتماعية بات يشكو من التعب بسبب استمرار نفس النظام كما رسمه الخميني قبل ثلاثة عقود، شهد خلالها العالم تحولات عميقة وسقطت خلالها أكبر الثورات في القرن العشرين هي الثورة السوفياتية وظهرت خلالها الصحون الهوائية وشبكة الأنترنت، فبدت الثورة الإسلامية في إيران مثل الجدة العجوز التي كبر أحفادها لكنها لا زالت تحافظ على نفس العصا القديمة التي كانت تستخدمها لتأديب أبنائها. لقد اندلعت المظاهرات، التي لم تشهد إيران مثيلا لها منذ الثورة، عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، وحصول أحمدي نجاد، وفقا لوزارة الداخلية الإيرانية، على النسبة الأكبر من الأصوات، مقابل منافسيه الاثنين، رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، مرشح الإصلاحيين، ورئيس البرلمان الأسبق محمد مهدي كروبي، اللذين رفضا الاعتراف بالنتائج الرسمية للانتخابات، وطالبا بإعادة فرز الأصوات في مرحلة أولى، قبل أن يعود موسوي إلى المطالبة بإعادة الانتخابات كلها، ويصف النتائج بأنها «سيناريو خطير»، بينما وصفها مهدي كروبي بالمضحكة. وفور الإعلا ن عن النتائج وتصريح موسوي بأنه لن يقبل بها، في تحد واضح للقيادة الإيرانية، خرجت المظاهرات في شوارع العاصمة طهران، وأعقبتها مظاهرات عمت غالبية المدن الإيرانية التي خرج فيها مؤيدو موسي والتيار الإصلاحي محتجين على إعادة تجديد الثقة في نجاد، وحصلت مواجهات بين سلطات الأمن والمتظاهرين، خلفت مصرع أزيد من عشرة أشخاص، واعتقالات واسعة، وهو ما أعطى صورة عن بلد منقسم على نفسه، بعكس الصورة التي كان يتم تسويقها في الماضي. تيارات منقسمة الانقسام لم يحصل وسط الشعب الإيراني فحسب، بل داخل الأجهزة المسيرة للنظام ككل، وليس الدولة فقط. فالمرشد الأعلى للثورة، علي خامنائي، وخلفه شبكة قوية تتشكل من الحرس الثوري وميليشيات الباسيج(الشرطة المتطوعة لحفظ النظام في الشوارع التابعة للحكومة) والسلطة القضائية ومجلس تشخيص مصلحة النظام، باركت فوز نجاد بولاية ثانية، ورفضت الاعتراف بأن الانتخابات شابها التزوير، فيما ظهر في الصف المقابل رئيس مجلس خبراء القيادة هاشمي رفسنجاني، وهو الهيئة الأساسية في النظام الإيراني الذي يقوم بتعيين وعزل قائد الثورة الإسلامية في ايران، ويتألف من 89 عضوا يتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثمان سنوات، وإلى جانب رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، أول إصلاحي يحكم إيران في تاريخها الحديث عقب انتخابه عام 1997، ورموز التيار الإصلاحي والمثقفين. سيناريوهات الأزمة والمفارقة أن الحوزات العلمية التي قامت بالدور الأكبر أثناء الثورة الإيرانية عام 1979، لزمت الصمت تجاه الأحداث الخطيرة التي اندلعت في البلاد، وهو ما يفسر لجوء موسوي إليها، عندما وجه رسالة إلى رجال الدين في المدينة العلمية قم، يقول فيها إن تزوير الانتخابات خروج عن الشريعة الإسلامية، داعيا إياهم بصفة غير مباشرة إلى التدخل. غير أن مراقبين يرون أن تدخل رجال الدين اليوم أصبح مهمة صعبة، لأن الحوزات العلمية التي أسقطت الشاه تم تدجينها من قبل الثورة وتقليم أظافرها حتى تتجنب أن تنقلب عليها يوما. إن تدخلا من هذا النوع يعني حصول انقلاب في الفكر الشيعي كما ترسخ خلال السنوات الثلاثين الماضية، وإعادة النظر في صلاحيات وحدود الولي الفقيه، الذي أصبح بالنسبة إلى الإصلاحيين بمثابة «كنيسة» شيعية جديدة تجبر الجميع على الرضوخ لها. وفي جميع الأحوال، تبدو جميع السيناريوهات الممكنة للأزمة الحالية في إيران مليئة بالتحديات، مهما كانت طبيعتها. فالمرشد الأعلى للثورة، خامنائي، دق الإسفين الأخير في نعش الأمة الراهنة عندما أعلن في خطبته يوم الجمعة الماضي بأنه لن يرضخ للشارع، ما يعني أنه لن يتراجع إلى الوراء ويلبي مطالب المتظاهرين، وسيعتبر أي تراجع من هذا النوع بمثابة هزيمة حقيقية، مما سيفسر من قبل التيار الإصلاحي بتهاوي الحرس القديم وتراخي قبضته على النظام، واستمرار المظاهرات التي تتسع يوما بعد يوم سيقود إلى إراقة المزيد من الدماء وينتج عنه انقسام أكبر داخل المؤسسة العسكرية وأجهزة الحكم، ويبقى السيناريو الثالث وهو أن يقدم رفسنجاني على إقالة خامنائي، وهي صلاحية يمنحها له الدستور، وتعيين آخر مقرب إليه، وذكرت تقارير أول أمس أن رفسنجاني نجح في الحصول على تأييد 50 من أصل 80 عضوا في مجلس خبراء النظام، لإقالة خامنائي، وسيكون هذا السيناريو انقلابا أبيض من داخل الدستور نفسه، لكن النتائج التي سيقود إليها ستجعله انقلابا حقيقيا، في بلد يعيش على الرموز الدينية والسياسية أكثر مما يفعل ذلك عبر الصراع السياسي واللعبة الديمقراطية المجردة البعيدة عن الرموز. «جوجل» و«فايسبوك» يخلقان صفحات بالفارسية لنقل الاحتجاجات في إيران أعلن موقع «فايسبوك» الإلكترونى أكبر شبكة اجتماعية عبر الأنترنت عن تدشين نسخة منه تعمل باللغة الفارسية، كما أضافت شركة «جوجل» الأمريكية صاحبة أكبر محرك بحث في العالم اللغة الفارسية إلى خدمات الترجمة التى تقدمها عبر شبكة المعلومات الدولية. وتأتي تلك الخطوة من جانب الشركتين في تأكيد جديد على زيادة أهمية الأنترنت كوسيلة لنقل المعلومات بين إيران وجميع أنحاء العالم في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أثارت نتائجها احتجاجات عارمة من جانب أنصار المعارضة وتعرضت لانتقادات حادة في الدول الغربية. وذكرت مجلة «بي سي ورلد» المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات على الانترنت أن النسخة التجريبية من «فايسبوك» التي تعمل باللغة الفارسية متاحة حاليا لجميع مشتركي المواقع في جميع أنحاء العالم،، وذلك برغم أن السلطات الإيرانية حجبت هذا الموقع قبيل بدء الانتخابات الرئاسية. وقال إريك كوان المسؤول بموقع «فايسبوك» في مدونة على الأنترنت «إنه منذ الانتخابات الإيرانية والأشخاص فى جميع أنحاء العالم يتشاركون في الأخبار والمعلومات المتعلقة بنتائج الانتخابات وتوابعها بشكل متزايد عبر «فايسبوك». وأوضح كوان أن معظم تلك المحتويات مكتوبة باللغة الفارسية، ولكن الأشخاص يضطرون إلى تصفح الموقع باللغة الإنجليزية أو أية لغة أخرى، وهو الأمر الذي دفعهم إلى تدشين نسخة فارسية من الموقع. وعلى صعيد متصل، أعلنت «جوجل» عن إضافتها اللغة الفارسية إلى خدمات الترجمة التي تقدمها عبر الأنترنت، وقالت في مدونة على الأنترنت «إن تدشين تلك الخدمة «مهم بشكل خاص في الوقت الجاري مع الأخذ في الاعتبار الأحداث الدائرة في إيران حاليا، حيث أصبحت جوجل أداة إضافية يمكن للمتحدثين بالفارسية استخدامها في التواصل مباشرة مع العالم والعكس». وستتيح تلك الخدمة لجماعات المعارضة في إيران إمكانية الاتصال على نطاق أوسع مع العالم الخارجي عبر الأنترنت والمواقع الاجتماعية باللغة الفارسية.