ما الذي يدفع إجراء حوار ما، أعني الحوار الأدبي؟ ما هي خلفياته من الجانبين: المُحاوِر والمبدع؟ ولأي غاية أو غايات؟. أسئلة أطرحها على نفسي كلما أردت إجراء حوار ما مع الكتاب أساسا. أعيد طرحها عبر هذا التيار، لأثير سؤال الحوار فقط، وإذا ضاقت السبل والصدور، فإنني أطرحه على نفسي، ولا ألزم به أي محاور أرضا أو سماء. لا ينكر أحد أن الحوار مع المبدعين، يعتبر من أساسيات الكتابة نفسها، باعتبارها تقدم إضاءات مختلفة، منها على سبيل التمثيل: علاقة الكاتب بالنوع الذي يكتب ضمنه كطريقة ورؤيا للذات والعالم. وعلاقة الكاتب بقنوات تصريف الفعل الإبداعي من كتاب ومؤسسات، بما فيها المؤسسة الأدبية، هذا فضلا عن علاقة الكاتب بالعلائق التي يثيرها الأدب هنا والآن. بهذا، فالحوار لا يقدم فقط كلمة الكاتب، بل بصمة المحاور من خلال زاوية نظر ما، تقتضي هندسة الأسئلة والتي ليست لدفع الأديب ليتحدث؛ بل لوضعه أمام نفسه في المرآة التي تقتضي الفكرة والرأي الهادئ. يغلب ظني، أن الحوارات من أصعب أشكال الكتابة أولا، فطرح الأسئلة يقتضي الإحاطة بتجربة الكاتب وتفاعلاتها المختلفة والإصغاء إلى ما يعتمل فيها على كافة الجوانب. فالحوارات الأدبية ليست مناسباتية أو آنية، بقدر ما ينبغي أن تكون مفتوحة على المستقبل، تقدم إضاءات المبدع، فالحوار بهذا المعنى، يدفعه ليتحدث عما يكتبه ويتأمل بدوره في مفاصل تجربته، ليقدمها للقارئ كشهادات وآليات يمكن اعتمادها كمساعد ومؤنس للولوج إلى عتمة النص. في هذا السياق، أجريت مجموعة من الحوارات وعرفت من خلالها الكثير، فوضع إطار ملائم للحوار لكي ينتسب إلى المرحلة وإلى الثقافة، ليس بالأمر الهين كما ينظر ويمارس الكثير؛ لأن المبدع ليس سلعة ينبغي عرضها والطواف بها، بل إبداع ومواقف وحالات وكمون أيضا. وقليلة هي الحوارات التي تدفع المبدع، ليتدفق لبسط أفكار، قد تتطور إلى آراء أو قناعات.. وجميل هنا أن أضع أداة الحوار للنقاش في تداخل بين الذاتي والموضوعي معكم، دون تكتم على شيء ما. وكم هي جميلة تلك الكلمات المرفوقة بالحوارات التي قمت بها من طرائف وأسرار.. والتي أحتفظ بها في سرير قلبي الذي يسع كل الأحبة. صحبة تجعلك تتوغل أكثر في الحوار كأداة لها عمقها، وليس أسئلة مصفوفة في برودة تقتضي إسعافا حراريا. في هذه الحالة، تكون معرفة الحوار وليدة بحث ما، قد تجعل منه مرجعا يؤخذ، ورهانا يرفع، ورأيا يناقش، لخلق حراك مرغوب فيه. ضمن هذه الصورة للحوار الفعال، ظلت بعض الأقوال عالقة وأنا أستحضر الحوارات التي أجريتها إلى حد الآن ،أذكر الكلام الذي قاله القاص أحمد بوزفور حول التجريب والقصة القصيرة جدا، والشهادة التي أدلى بها الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام حول الشعر المغربي المعاصر والتجربة الصوفية، والكلام الذي أدلى به الشاعر إدريس علوش حول قصيدة النثر وحراس القصيدة... وطبعا حوارات أخرى دقيقة وعميقة أجرتها ثلة من الأسماء تسعى إلى أن تخلق إعلاما ثقافيا مهما كان الأمر، حوارات خلقت تلك السباحة الممكنة في الثقافة المغربية والعربية الحديثة. وعليه فالحوار في تقديري ينتزع في لحظة ما، كوقفة تأمل في الزمان والمكان. لكن غالبا ما ترمي هذه الحوارات حجرها الكريم في بركة آسنة؛ ولا أحد يأبه لحرارة رأي ولتأمل هادىء يمكن أن يخلق بعض الانعطافات. فالعمليات التي تقوم بها الآن بعض الوجوه الجميلة من حوارات وملفات ونقد هي في تقديري أشكال عديدة لتقديم العمل الأدبي للقراء، والإنصات إلى المبدع وهو يحدث نفسه ومكتوبه على مرأى من العالم. وهي عمليات تطرح أكثر من سؤال حول المؤسسة الثقافية والعمل الجماعي الذي بإمكانه توثيق تلك الحوارات، ومنحها الطابع العلمي المتداول. على أي، مهما كانت الحوارات، فإنها على قدر من الأهمية للإقامة في السؤال الذي بإمكانه أن يجدد الحوار نفسه كآلية أدبية، ينبغي أن تستند على حقيقة الأدب أولا، وليس شيئا آخر دون قوة رمزية وهواء أصلي.