في الوقت الذي كانت فيه الأسرة الرجاوية تنتشي بفرحة الظفر بلقب البطولة الوطنية، وتزين سماء مركب محمد الخامس بألوان خضراء، وفي الوقت الذي تحدث فيه منشط الحفل عن بناة الصرح الأخضر، كانت أسماء رجاوية أخرى تعتقل سيول الدمع وهي تطلق زفرات الألم المنبعثة من دواخل الجسد المنهوك بلسعة الزمن وبجحود رفاق الأمس. عمر شكري، أحد مؤسسي الرجاء والرئيس الذي كان يدير الفريق أحيانا من دكة البدلاء، أقصي من دعوة الحضور في يوم العيد، ابنه كمال شكري شقيق بيتشو يروي ل«المساء» محنة الأسرة جراء جحود المسؤولين. - احتفل فريق الرجاء البيضاوي بلقب البطولة وتم تكريم مجموعة من الفعاليات التي أسدت خدمات للرجاء، كيف عشت هذا الحدث التاريخي؟ < لم أتقبل غياب والدي عن حدث كبير خاصة وأنه من مؤسسي الفريق، بل انتابني مرض من شدة الآلام التي ألمت بي عندما أقصيت عائلة شكري من الحفل، حاولت أن أقنع نفسي بأن الأمر مجرد سهو، وكلما جئت إلى المنزل أردد نفس السؤال هل بعث مسؤولو الرجاء دعوة إلى والدي كي يكون من بين الحاضرين في حفل التتويج? لكن الرد الصادم لم يتغير، وهو أنه لا دعوة ولا هم يحزنون، وفي صباح يوم الأحد ظل الأمل يراودني قبل أن أفقده نهائيا يوم المباراة، قلت في قرارة نفسي زوال يوم الأحد وأنا أحاول إقناع الذات: لا يمكن أن ينسوا عائلة شكري سواء الوالد المؤسس أو الشقيق اللاعب بيتشو الذي مات عاشقا للرجاء، لكن للأسف لم يتدارك المسؤولون الموقف وتركوا جرحا غائرا في نفسي وفي جوارح والدي البالغ من العمر أزيد من 80 سنة. لقد ضحى بماله ووقته من أجل الرجاء دون أي اعتراف، لقد تبين لي أن النسيان الذي طال بيتشو اللاعب قد انتقل إلى الوالد الرئيس السابق، لقد كان والدي من المؤسسين الأوائل قبل مجموعة من المسيرين الذين يكرمون، اسألوا أوزال وغيره من رموز الرجاء وسيقولون إن شكري كان نقابيا ومقاوما ومسيرا مرجعيا، للأسف لم يسبق لأوزال أن رفع السماعة للاستفسار عن الوضع الصحي لوالدي الذي يعيش آلامه في صمت. - كيف تقبل الوالد إقصاءه من الحفل؟ < شعرت بأن والدي يعيش حالة قلق داخلي، لكنه كان يخفي ذلك رغم أن ملامحه تظهر حجم معاناته، قلت له متسائلا: هل تلقيت دعوة من الرجاء لحضور الحفل؟ صمت طويلا قبل أن يغير الموضوع. - ربما كانت حالة سهو من طرف المسيرين؟ < كيف تريد أن يتذكروا شكري، وفي نهاية الأسبوع الماضي قام أحد مسيري الرجاء بمنع ظلمي وبينيني وعدد كبير من قدماء لاعبي الرجاء من إجراء مباراة ودية بمركب الرجاء بالوازيس؟ لا يمكن أن نتحدث عن حاضر الرجاء دون فهم الماضي، وبدون ماضي وحاضر لا وجود للمستقبل. هؤلاء يحرصون على مصالحهم الخاصة فقط، لقد أقاموا حفلا بمناسبة مرور 60 سنة على تأسيس الرجاء وأقصوا المساهمين في بناء الفريق، ما معنى هذا؟ لا أعرف كيف يفكر هؤلاء ولماذا لا يطلعون على تاريخ النادي! - لماذا اختفى شكري عن الأنظار ولم يعد يتابع مباريات الرجاء؟ < والدي اختفى لأن له كرامة، فحين شعر بأن المسؤولين لا يمنحونه الاعتبار اللازم تراجع إلى الوراء، لكن لو تلقى دعوة من الرجاء لحضر الحفل، بدليل أنه في سنة 2007، حين كان الفريق يعيش وضعا سيئا في الترتيب العام، ونودي على والدي للمشاركة في تأسيس مجلس للحكماء يتكون من الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة النادي، لم يتردد في قبول الدعوة وساهم في بناء هذا الكيان، وكنت آخذه إلى مقر الاجتماع بل وساهم ماديا حيث أعطاني شيكا من أجل دعم هذا الكيان وسلمته لعبد القادر الرتناني رئيس مجلس أو لجنة الحكماء، ولم يتخل عن الفريق في أصعب المواقف، لأنه يحب الرجاء ولا يرضى لها بغير التألق. - هل اتصلت بمسؤولي الرجاء من أجل استفسارهم حول أسباب الإقصاء؟ < ليس من شيمي أن أسأل الناس الذين يمارسون الإقصاء، لهذا فوضت الأمر لله وتأكدت أن هناك محاولة لإقبار إسم شكري سواء الأب الرئيس أو الولد اللاعب بيتشو. - وما هو السبب في نظرك؟ < أحيانا يدور في ذهني مبرر وحيد، فأجزم بأن انتقال مصطفى شكري من الرجاء البيضاوي إلى الوداد هو السبب الوحيد الذي جعل بعض المسيرين يغضبون من أسرة بيتشو، علما أن اللاعب كان عاشقا للفريق الأخضر حتى وهو يحمل ألوان الوداد، أذكر أنه في المباريات التي يخوضها بقميص الوداد كان يسألني وهو يهمس في أذني عن نتيجة الرجاء البيضاوي ويأسف إذا تعرض الفريق لهزيمة كما يسعد حين يفوز، وللتاريخ أقول إن بيتشو حين اشتد عليه المرض في السعودية كان يتصفح صور جميع لاعبي الرجاء الذين لعبوا إلى جانبه، لقد وجدت الصور وهي مبعثرة فوق سرير المرض بعد أن توجهت إلى السعودية لاستلام جثته. - مادمنا بصدد الحديث عن بيتشو، ماذا يمكن أن تقول حول الوفاة الغامضة لهذا النجم الكبير؟ < لقد توجهت على نفقة أسرتي إلى جدة حيث كان يقيم شقيقي بيتشو في إحدى المصحات، وأكد لي المسؤولون عن نادي الوحدة أن الوفاة ناتجة عن مرض السرطان، وأطلعوني على وثيقة تؤكد ذلك، كما طلبوا مني التوقيع على وثيقة أخرى كتب عليها أن الوفاة تمت بدون عنف، لم أفهم مغزى هذه العبارة، أزحت غطاء أبيض كان يغطي جسده ولم يتبين لي أي أثر للجروح أو عملية جراحية فوقعت، رغم أنهم قالوا إن العملية أجريت، ثم إنهم منعوني من دخول المصحة وبقيت في الانتظار وأجري التشريح الطبي دون أن أوقع على وثيقة الموافقة. - هل تلقيتم التعازي من الفريق السعودي؟ < لا أبدا لقد اكتفى المسؤولون بتسديد فاتورة إقامتي في فندق بجدة أثناء وجودي هناك من أجل تسلم الجثمان، بينما لاعب محترف له عقد رسمي أكيد لديه تأمين، للأسف لم يحضر أي مسؤول سعودي إلى مراسيم الدفن.