تتجه أنظار الأحزاب الثمانية الكبرى التي استطاعت حصد ما معدله 89.3 في المائة من المقاعد الانتخابية إلى خوض معركة جديدة بعد انتهاء معركة يوم الاقتراع الجمعة 12 يونيو الجاري، ويتعلق الأمر بتشكيل المجالس البلدية، وعقد التحالفات الممكنة بما تقتضيه المصالح المشتركة. ويرى الخبراء أن النظام الانتخابي الذي اختاره المغرب منذ استحقاقات 1997 التشريعية بتبني نظام اللائحة لأول مرة، يساهم بشكل كبير في صنع الخارطة السياسية بالبلاد على مقاييس معينة سواء على المستوى التشريعي أو المحلي، من خلال محاربة البلقنة الحزبية، وتيسير مساطر العمل الجماعي، بالإضافة إلى صياغة تحالفات مبنية على تقاطعات مشتركة تسمح بإيجاد انسجام على مستوى التسيير. وبغرض تحقيق هذه الأهداف، حسمت الحكومة بعد سلسلة نقاشات ساخنة بين المعارضة والأغلبية في البرلمان، في صيغة نظام الانتخابات الذي أطر استحقاقات الجمعة 12 يونيو. وبحسب الإحصائيات الرسمية فقد توزعت الجماعات المحلية على 221 جماعة حضرية، و1282 جماعة قروية، حيث تم انتخاب أعضاء مجالس الجماعات التي لا يتجاوز عدد سكانها 35 ألف نسمة عن طريق الاقتراع الفردي، فيما انتخب أعضاء مجالس الجماعات التي يفوق عدد سكانها 35 ألف نسمة، وأعضاء مجالس الجماعات الحضرية المقسمة إلى مقاطعات عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي حسب قاعدة أكبر بقية. ومن هذا المنطلق، فإن الاقتراع الفردي هم 1411 جماعة منها 142 جماعة حضرية و1269 جماعة قروية، في الوقت الذي هم فيه الاقتراع باللائحة 92 جماعة منها 13 جماعة قروية و73 جماعة حضرية و6 جماعات حضرية مقسمة إلى 41 مقاطعة جماعية. أما مجموع الدوائر الانتخابية فقدر عددها ب22 ألفا و210 جماعات منها 20 ألفا و672 دائرة عادية، و1538 دائرة إضافية. حسن قرنفل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، أكد من جانبه في اتصال مع «المساء» أنه لا يوجد أي نمط اقتراع في العالم «بريئ» من استهداف صنع خارطة سياسية معينة تتوخى تحقيق أهداف الذين يقفون وراء بلورته. ويضيف قرنفل أن تبني نظام اللائحة في المغرب نجح في الحد من البلقنة الحزبية وخلق الانسجام المطلوب على مستوى المجالس البلدية، حيث يساهم عدم تشتت الأصوات بين الأحزاب في صنع خارطة جماعية واضحة المعالم. وقد أشار وزير الداخلية شكيب بنموسى خلال إعلانه النتائج النهائية للانتخابات، إلى أن 8 أحزاب فقط من أصل 30 شاركت في اقتراع 12 يونيو نجحت في الفوز ب 89.3 % من المقاعد، وهو ما حد عمليا من ظاهرة تشتت الأصوات بين الأحزاب التي يتسبب فيها الاقتراع الفردي، وكان يشكل عرقلة لعمل المجالس الجماعية بسبب كثرة التنظيمات المتناقضة المبادئ والأهداف والممثلة داخل المجلس. وبالنسبة لقرنفل فإن تبني الاقتراع الفردي في الدوائر القروية التي يقل عدد سكانها عن 35 ألف نسمة كان ضروريا للتناغم مع ضوابط العمل السياسي في القرى حيث تنتشر الأمية، وتتحكم العلاقات الشخصية في العملية الانتخابية برمتها، وهو ما يجعل من فرض نظام اللائحة غير منسجم مع هذا الواقع. وحول شكاوى عدد من الأحزاب من أن الرفع من عدد الدوائر في القرى يستهدف صنع خارطة سياسية معينة بعيدا عن الرقابة الحزبية، يشرح أستاذ العلوم السياسية أن تلك الشكاوى تنتمي إلى فترات سابقة «إذ إن الأحزاب فشلت خلال السنوات الأخيرة في ترسيخ أقدامها بالقرى، في وقت لا تضع فيه الداخلية أية عراقيل أمامها لفتح فروع لها بالبوادي، ومن ثمة فالأحزاب يجب عليها أن تعترف بهذا الواقع وتتحمل مسؤولية فشلها». ويضيف المتحدث أن الحكومة تضع الضوابط القانونية التي تأخذ مسارها الطبيعي حيث تكون الفرصة أمام الأحزاب للتصويت والتعديل والمعارضة داخل البرلمان، وما يتم تبنيه من قوانين يجب على الجميع الاعتراف بها لتسيير العملية السياسية بشكل سليم. وما لفت انتباه المراقبين هو أن حزب العدالة والتنمية نجح في حصد أكبر النتائج داخل المناطق الحضرية الكبرى، واستطاع احتلال المرتبة الأولى في كل من مدن الدارالبيضاء ووجدة والقنيطرة وتمارة وأبي الجعد والعرائش وشفشاون والرشيدية، في الوقت الذي حصد فيه الأغلبية المطلقة في عدة دوائر منها وادي زم والقصر الكبير وتويسيت وسيدي الطيب وأرفود. بينما استطاع حزب الأصالة والمعاصرة حصد أهم النتائج في الدوائر القروية التي تم فيهاالتصويت بحسب مقتضيات نظام الاقتراع الفردي.