كل المؤشرات تتجه إلى أن تاسع انتخابات جماعية يعرفها المغرب ستفرز مجالس جماعية بتحالفات غريبة وهجينة تطغى عليها الحسابات السياسية الضيقة، مما سيؤجل حلم المغاربة بمجالس منتخبة تستجيب لتطلعاتهم. فمباشرة بعد الإعلان عن النتائج وضعت معظم الأحزاب السياسية المغربية البرامج التي خاضت بها الحملة الانتخابية جانبا، وتخلت مؤقتا عن التراشق الكلامي وتبادل الاتهامات بالفساد بحثا عن كسب ود بعض الهيئات التي حصلت على نسبة من المقاعد من شأنها ضمان كرسي الرئاسة، خاصة في المدن الكبرى، وتجنب المعارضة التي أصبحت سلعة غير مرغوب فيها. تحالف في بعض المناطق يجمع بين الاتحاديين وحزب العدالة والتنمية أو بين الاستقلال والأصالة والمعاصرة رغم العداء المعلن والحروب الصغيرة التي لم تخمد نيرانها بعد، ورفض لهذا التحالف في مناطق أخرى، وحديث صريح لبعض القيادات الحزبية عن أن تحالفات ما بعد الانتخابات تبقى هشة وقابلة للتغيير في أي لحظة، مع وضع خطوط حمراء وترك المجال مفتوحا للاستثناءات! الباحث محمد ضريف يرى أن تحالفات الأحزاب المغربية خلال الانتخابات الجماعية كانت محكومة بمعايير لا علاقة لها بالبرامج أو بالإيديولوجيات، ومن هذه المعايير عدد المقاعد المحصل عليها، سواء كان للحزب وزن سياسي أم لا، ثم موقف هذه الأحزاب من بعض المسؤولين السابقين وهو ما تجسد في مدن الرباط وسلا ومراكش، إضافة إلى معيار ثالث يتعلق بخصوصيات كل جماعة قروية أو حضرية واحتياجاتها في بعض القضايا التي تكون طاغية، وتدفع إلى التفكير في تكوين تحالف بين أشخاص مرتبطين بهذه الجماعة. عدد من المؤشرات التي سبقت الانتخابات الجماعية كانت تعطي صورة واضحة عما سيكون عليه المشهد بعد الإعلان عن النتائج، حيث وجدت عدد من الأحزاب نفسها غير قادرة على تغطية الكثير من المناطق لتستنجد بأشخاص دخلوا غمار السياسة ساعات قليلة قبل انتهاء أجل إيداع الترشيحات، فيما تهافتت أخرى على استقطاب الأعيان لضمان الأصوات الموالية لهم، وهو ما يطرح أيضا مسألة الانضباط الحزبي بعد أن اضطرت بعض الأحزاب كالأصالة والمعاصرة إلى طرد بعض المنتخبين بعد عقدهم تحالفات ذات طابع شخصي، فيما فضلت أحزاب أخرى إغماض عينيها لتفادي وقوع انشقاقات في المكاتب الإقليمية، في الوقت الذي انقسمت فيه أحزاب أخرى إلى تيارين يسعى كل منهما إلى تحقيق تحالفات تقوده إلى تولي المسؤولية، سواء على صعيد المجالس أو المقاطعات. وفي سياق متصل فإن عددا من المتتبعين للمشهد السياسي المغربي يرون أن نظام الاقتراع باللائحة الذي يمنع أي حزب من الحصول على أغلبية مريحة، وحصر الترشيح لرئاسة المجالس على وكلاء اللوائح، سمح بعودة قوية لعدد من الممارسات غير القانونية وسط حياد تام لوزارة الداخلية، كما سيؤدي لاحقا إلى استنساخ التجارب السابقة وتكوين مجالس مبلقنة تكرس الاختلالات العميقة التي عانى منها تسيير الشأن المحلي، وهنا يشير ضريف إلى أن اختيار نمط الاقتراع باللائحة يعكس غياب إرادة حقيقية للسير إلى الأمام وإعطاء التعاقد الموجود بين الناخب والمنتخب بعده الموضوعي. ويبقى من المؤكد أن طبيعة التحالفات التي أنتجتها الاستحقاقات الجماعية ل 12 يونيو ستؤثر بشكل خطير وواضح على أداء المجالس المنتخبة حيث سيظل الصراع على التفويضات مفتوحا، وسيتحول الحساب الإداري للجماعات إلى مناسبة لبعض المنتخبين من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو الدخول في حملات انتخابية سابقة لأوانها على حساب الساكنة، وهو ما سبق للمجالس الجهوية للحسابات أن نبهت إليه. المعطى الجديد في انتخابات 12 يونيو تمثل في نسبة المقاعد التي حصل عليه حزب الأصالة والمعاصرة وهو ما ساهم بشكل كبير في خلط حسابات باقي الهيئات السياسية التي سعت وسط ارتباك كبير إلى البحث عن أي صيغة للتحالف بغض النظر عن التوجه السياسي والبرامج التي تم تقديمها للانتخابات مع الكثير من الاجتهاد في إيجاد المبررات، وهي البرامج التي تبقى، حسب ضريف، مجرد وعود ونوايا أمام دور وزارة الداخلية القوي باعتبارها سلطة وصية على المجالس، والتي لم تقم لحد الآن بالتطبيق الفعلي لمفهوم المواكبة الذي قامت بالترويج له.