عُرفت بنضالها من أجل حقوق الإنسان، وارتبط اسمها في المغرب بنضالها من أجل الكشف عن مصير معتقلي تازمامارت الرهيب. عاندت السلطات المغربية في عز بطشها، ووهبت جزءا كبيرا من حياتها للنضال من أجل حرية التعبير بعد أن ارتبط مصيرها بمصير أبراهام السرفاتي والرفاق، وتوجت مجهوداتها بنشر كتاب «صديقنا الملك»، لجيل بيرو، الذي هيأت مادته الخام والذي أحرج نظام الحسن الثاني، فكانت بداية العد العكسي للإفراج عن سجناء تازمامارت. هي كريستين دور السرفاتي، التي وإن كانت بلغت اليوم عقدها الثامن، فهي ما تزال تحافظ على بديهة وذكاء كبيرين، وما يزال حبها للمغرب وشعورها بالانتماء إلى هموم الناس ومعاناتهم لم ينضبا. عاشت حياة صاخبة، لم ترتكن فيها أبدا، للجمود. ناضلت، شاكست، تضامنت وكتبت. سنوات العمر تقدمت بها، إلا أنها تأبى الخضوع لجبروت العمر كما رفضت دائما جبروت البشر. كريستين، التي تعيش اليوم بمراكش مع زوجها أبراهام السرفاتي، تتحدث ل«المساء» بقلب مفتوح. - هل تذكرين بعض المواقف الخلافية مع أبراهام؟ < لا يمكنني أن أتذكر الكثير منها. لكن هنالك، مثلا، موقفه من عبد الرحمان اليوسفي حينما قبل ترؤس الحكومة في عهد الحسن الثاني. أبراهام لم يكن راضيا عن هذا الموقف السياسي، لأنه كان يرى أن اليوسفي لن يغير شيئا، بينما عبرت عن سروري بتلك الخطوة وتفاءلت بها. كذلك، لم أكن راضية، بالضرورة، عن مواقف حركة «إلى الأمام»... - ألم يسبق لك أن فكرت في معانقة ديانة زوجك؟ < أبدا. أنا بروتستانتية ومازلت على اعتقادي. لكن الحبر الذي أشرف على عقد قراني مع أبراهام سألني عن السبب الذي يجعلني أعتني بأبراهام بينما لست من ديانته، فقلت له إن البروتستانتيين تعرضوا في القديم للقمع على يد الملكية في فرنسا، فاخترت أن أكون دائما في صف المقموعين. - ما هي، في رأيك، أهم السمات الشخصية التي يمتاز بها أبراهام؟ < الاستقامة والنقاء، إذ لم يكن أبدا فاسدا. كما أنه رفض التعويض عن سنوات الاعتقال. المال لا يعني له شيئا، كما أنه لم يلهث يوما وراء الشرف أو المجد أو الثروة.. وهي أشياء أحبها فيه. - ما هي تفاصيل يومك مع أبراهام علما بأنه مقعد ومريض؟ ما طبيعة العلاقة بينك وبينه؟ < هنالك دائما رابط قوي بيني وبينه. صحيح أنني لم أعرف معنى للحب. تساءلت طوال حياتي عن ماهية الحب، إلا أنني لم أعرف الجواب (تضحك)، بينما أعرف معنى الارتباط بشخص ما. بالنسبة إلى اليومي، فأنا أداعب أبراهام كل يوم، أمرر يديّ على ركبتيه دائما لتدفئتهما قليلا، لأنه لا يحركهما، أحاول أن أرفع من معنوياته كأن أقول له إنه كان هو الرابح في نهاية المطاف، وإنه يعيش في بلده، حرا -وهو الطموح الذي طالما راوده- وأنه أسهم في تغيير وتقدم المغرب... ويرد علي بابتسامة معبرا عن رضاه عما أقوله... - هل لك أن تعددي بلسانك الكتب التي ألفتها حتى الآن؟ < كتابي الأول الذي تحدثت عنه سابقا والذي يحمل توقيعا مستعارا كان هو « لقاء مع المغرب»، «موريطانيا»، «تازمامارات.. معتقل الموت في المغرب»، الذي عانيت كثيرا خلال إعداده من البحث المضني عن خارطة للمغرب يظهر عليها اسم تازمامارت، إلا أنني تمكنت من ذلك بعد جهد جهيد في المعهد الوطني للجغرافية بفرنسا، و«ذاكرة الآخر» بمشاركة من أبراهام السرفاتي، وهو الكتاب الذي أصبح ينشر في المغرب، و«رسالة المغرب»، الذي مازال لم يسمح له بالدخول إلى المغرب، إلا أنه ينبغي أن أعمل على إدخاله، وهو أول كتاب أؤلفه بعد عودتنا إلى المغرب على عهد الملك محمد السادس... - وما السبب في منعه؟ < مقدمته كتبها إدوي بلينيل، الناشر الذي تبنى كتاب «صديقنا الملك»، وبلينيل يعود إلى هذا الكتاب في تقديمه ل«رسالة المغرب». وهو الأمر الذي يبدو أنه يمنع الكتاب من الدخول إلى المغرب. طلب مني أن أسقط المقدمة من الطبعة الموجهة إلى المغرب، لكنني رفضت، فتلك المقدمة هي، بالنسبة إلي، جزء من العمل كله... (هنالك كتب أخرى ألفتها كريستين دور السرفاتي). - ألا تعتقدين أن قرار المنع يُتخذ من قبل أشخاص مرعوبين اتقاء لعقاب محتمل ولا يُتخذ على مستوى عال...؟ < أنا متأكدة من ذلك. هنالك أشخاص يخشون ويخافون من ظلهم، فيمارسون الرقابة على أنفسهم أولا قبل أن يمارسوها على غيرهم... سأحكي لك طرفة أضحكتني حتى سالت دموعي... حدث أن مواطنة فرنسية تقيم بالمغرب طلبت أن يُبعث إليها من فرنسا بكتاب حكايات للأطفال معروف يسمى «حكايات بيرو» بمناسبة احتفالات أعياد رأس السنة، إلا أنها لم تتوصل أبدا بالكتاب، فاحتارت في الأمر وظلت تتساءل عن السبب قبل أن تكتشف أن أحدا ما انتبه إلى اسم «بيرو» على الكتاب، فظن أن الأمر يتعلق بجيل بيرو (صاحب كتاب «صديقنا الملك»)، فمنع الكتاب من الوصول إلى وجهته دون أن يتأكد من أن الكتاب ليست فيه إلا صور وحكايات للأطفال الصغار! - هل فكرت في كتابة سيرتك الخاصة؟ < أبدا... ولن أكتبها، لأنني أخشى كثيرا الكلام عن نفسي. إنه أمر يخيفني. ربما يكتبها أحد ما بعد موتي. - هل من ذكرى أو حدث خاص ارتبط بتأليفك رواية «امرأة إجوكاك»، التي ظهرت في المغرب عن منشورات «طارق»؟ < كتبت هذه الرواية في خضم شوق وحنين كبيرين إلى المغرب، أي عندما كنت ممنوعة من الدخول إليه. هي خليط ذكريات عن والدتي وعن مراكش وأبنائي... بالمناسبة، اتصل بي ناشر ألماني وعرض عليّ طبعة ألمانية.. قبلت العرض، إلا أنهم اشترطوا أن أزيد في أحداث القصة حتى لا تبقى نهايتها حزينة. ذهلت لهذا الشرط وقلت إن الرواية معروضة في المكتبات بصيغتها النهائية، فكيف لي أن أغيرها؟ ردوا علي بأنها عادة سائدة وجار بها العمل، وإن كافكا نفسه فعل ذلك! فغيرت القصة، وطبعت الرواية في ألمانيا بنهاية جديدة بعدما اقتحمت من جديد عالمها وحياة أشخاصها... وعندما عرضت على منشورات «طارق» النسختين، فضل مسؤولوها النسخة الفرنسية. - يمكن القول إنك تخلصت من ضغط النشاط الحقوقي من خلال تأليفك هذه الرواية... < نعم، وقد كانت هذه الرواية بمثابة عزاء لي عن بعدي عن المغرب. - وماذا عن ساركوزي، رئيس فرنسا؟ < لا أحبه. هو شخص يعمل لمصلحة الأغنياء ولنفسه فقط، له أناً متضخمة... ارتكب أشياء قبيحة. - هو الرئيس الأول من نوعه في فرنسا الذي جاء بسلوك مخالف لما كان سائدا... < نعم، ثم إن جاك شيراك مازال يحتل الرتبة الأولى بين الفرنسيين من حيث الشعبية. - ألا ترين أنه بات يشكل خطرا على الجمهورية وعلى القيم الديمقراطية؟ < ربما...