عُرفت بنضالها من أجل حقوق الإنسان، وارتبط اسمها في المغرب بنضالها من أجل الكشف عن مصير معتقلي تازمامارت الرهيب. عاندت السلطات المغربية في عز بطشها، ووهبت جزءا كبيرا من حياتها للنضال من أجل حرية التعبير بعد أن ارتبط مصيرها بمصير أبراهام السرفاتي والرفاق، وتوجت مجهوداتها بنشر كتاب «صديقنا الملك»، لجيل بيرو، الذي هيأت مادته الخام والذي أحرج نظام الحسن الثاني، فكانت بداية العد العكسي للإفراج عن سجناء تازمامارت. هي كريستين دور السرفاتي، التي وإن كانت بلغت اليوم عقدها الثامن، فهي ما تزال تحافظ على بديهة وذكاء كبيرين، وما يزال حبها للمغرب وشعورها بالانتماء إلى هموم الناس ومعاناتهم لم ينضبا. عاشت حياة صاخبة، لم ترتكن فيها أبدا، للجمود. ناضلت، شاكست، تضامنت وكتبت. سنوات العمر تقدمت بها، إلا أنها تأبى الخضوع لجبروت العمر كما رفضت دائما جبروت البشر. كريستين، التي تعيش اليوم بمراكش مع زوجها أبراهام السرفاتي، تتحدث ل«المساء» بقلب مفتوح. - سبق لك أن التقيت ندية ياسين، ابنة زعيم «العدل والإحسان»، لماذا؟ < التقيتها بعد دخولي إلى المغرب لأتعرف عليها وأحيط بما تحمله من أفكار وأعرف حركة «العدل والإحسان»... وعندما عدت من لقائي معها، قلت لأبراهام: «لو كان لقائي معها امتد لساعة أخرى لأصبحت عضوا في الجماعة (تضحك)»... أدركت أنها امرأة ذكية ومقنعة في كلامها. - هل من موقف من الحركة الإسلاموية؟ < أنا مع الإسلام ضد الإسلاموية. لكنني دائما مع حقوق الإنسان. وأذكر، هنا، أنني وأبراهام كان لنا موقف يدافع عن وضع الإسلاميين عندما قاموا بإضراب عن الطعام... وقد أثار هذا الموقف رد فعل إيجابي من أحدهم ... هنا، أعود إلى موقف عاتبني عليه الرفاق المغاربة في فرنسا لأنني دافعت عن أبناء أوفقير. فدافعت عن موقفي بناء على أن الأطفال لا ذنب لهم في ما اقترفه الكبار. وأضفت أنه حتى في حال سقوط الحسن الثاني بين يدي زعماء ثورة ما ومعاملته معاملة تتنافى وحقوق الإنسان، فإنني كنت سأدافع عنه. فحقوق الإنسان حقوق كونية. وأريد التركيز على شيء مهم هنا، وهو أن موريس دريان (كاتب وسياسي فرنسي، توفي هذا العام) كان صديقا كبيرا للحسن الثاني وكان يدعم كل ما كان يقوم به الأخير، كما أنه كان عضوا في الأكاديميتين الفرنسية والمغربية، وكان يتلقى منحة مقابل عضويته في الأكاديمية العلمية المغربية بينما لا يتلقى شيئا من الأكاديمية الفرنسية. موريس هذا قال أمام الملأ إن حقوق الإنسان ليست حقوقا كونية وإن الحكم على حقوق الإنسان في المغرب ليس كما الحكم على نظيرتها في فرنسا، وإن هنالك خصوصيات بين حقوق الإنسان! ألم يكن هذا عدوا للمغرب.. أليس هذا تناقضا كبيرا؟ - ماذا عن التعامل الذي يعامل به الإسلاميون المغاربة اليوم، هناك حديث عن تجاوزات حقوقية شبيهة بتلك التي عرفتها أنت خلال سنوات الرصاص؟ < أنا أقول إنه عندما نبارك كل ما يرتكب ضد الإسلاميين، حتى من قبل بعض النخبة، فهذا ليس من حقوق الإنسان في شيء. يجب التعامل معهم كبشر أولا، وليس انطلاقا من أفكارهم. - أليست لديك معطيات سرية وخاصة عن عهد الملك محمد السادس تصلح لتأليف كتاب آخر مع جيل بيرو؟ < (تضحك) لست بحاجة، اليوم، إلى أن أطلب أي شيء كان من جيل بيرو حول المغرب. لكنني أتوق، مثلا، إلى معرفة حقيقة ما جرى في مقر الديستي بتمارة، وهل هنالك مكان ما في تمارة سمح المسؤولون الأمنيون فيه لأنفسهم بأن يعاملوا المعتقلين، كيفما كانت انتماءاتهم، معاملة منافية لحقوق الإنسان... وإذا كان الأمر كذلك، فأنا مستعدة للاحتجاج بما أستطيعه. لكن لا يمكنني أن أعرف الحقيقة. صحيح أن شكلي تغير، وإن كان الناس ما يزالون يتعرفون علي، لكنني لم أتغير على مستوى علاقتي بنفسي وبمبادئي. - كيف هي علاقتك برجال المخزن الجدد؟ هل سبق لك أن التقيت فؤاد عالي الهمة، مثلا؟ < (تضحك)، نعم. قبل ذلك دعني أحكي لك طرفة حدثت بحضور رجال سياسة فرنسيين. عشية عودتنا، أنا وأبراهام، إلى المغرب سنة 1999، التقيت ليونيل جوسبان (الوزير الأول الفرنسي الأسبق). جوسبان أراد التأكد من حقيقة وجود مجلس استشاري لحقوق الإنسان بالمغرب. وخلال حديثه مع الوزير جون بيير شوفانمون (وزير الداخلية في حكومة جوسبان) قال له: «اسمع، لا تخبر الشرطة بأي شيء، لا أريد أن تلتصق بي قضية أخرى مثل قضية المهدي بنبركة...» (تضحك). كان يخشى أن تكون عودتنا مجرد توهيم وألا نصل نهائيا إلى المغرب (تضحك). - وكيف كانت إجراءات العودة إلى المغرب؟ < كانت إجراءات توهيمية توخت السرية. فقد كان علينا أن نسلك طريقا ثانويا إلى مطار أورلي، وأن نستعمل بطاقات سفر مزورة بحضور سفير المغرب وأمنيين فرنسيين كبار... كل هذه الإجراءات الغريبة جعلتني، في لحظة من اللحظات، أشك في العملية كلها. أذكر أن سفير المغرب آنذاك، حسن أبو أيوب، هو الذي تعاون مع أشخاص آخرين على حمل أبراهام المُقعد في كرسيه وإدخاله إلى الطائرة. ورغم كل هذه الإجراءات الاحترازية، استطاع بعض الأشخاص أن يتعرفوا علينا، لكننا كنا، حينها، قد ركبنا الطائرة. ولم يعلن عن خبر عودتنا إلا بعد أن أقلعت الطائرة، أي خلال تحليقنا في السماء كما كان مبرمجا، نفس الشيء حدث عندما طُرد أبراهام من المغرب نحو فرنسا.. لم يعلن عن الخبر إلا عندما كانت الطائرة تحلق في الجو. وفي مطار الرباطسلا، تساءلت إذا ما كنا، فعلا، في مطار الرباط أم في مكان آخر! بعد ذلك، جاءنا شخص، وتوجه نحو أبراهام ليقول له: «سيدي، أنا مدير ديوان جلالة الملك، وقد جئت لاستقبالكم في بلدكم».. كان الشخص هو فؤاد عالي الهمة. كانت تلك هي المرة الأولى التي أتعرف فيها عليه. وبعد استقرارنا بالمحمدية، كان يزورنا خلسة، بين الحين والآخر، ليطلع على أحوالنا ويعرف ظروفنا... لكنه، ربما كان يأتي، أيضا، لمراقبتنا تحت غطاء السؤال عنا، أو ربما كان يفعل ذلك من باب الطيبوبة. لست أعرف. - ألم تلتقه مرة أخرى خارج مدينة المحمدية؟ < التقيت به في لقاء نظمه حزبه «الأصالة والمعاصرة» بمراكش، كنت دعيت إليه بالصدفة من قبل صديقة لي. لم أكن أتوقع أن ينتبه إلى وجودي. إلا أنه جاءني وقدم إلي التحية وسألني عن أحوالي... ومن حسن حظي أن أفلت هذا المشهد من المصورين (تضحك)... - هل من رأي لك في هذا الحزب؟ < لا أستطيع أن أحكم عليه لأنني لا أعرفه جيدا. كل ما أعرفه أنه يستقطب إليه الشخصيات من كل مكان. لكن المهم هو تحقيق إنجازات سياسية مهمة... لا أعرف ما إذا كان سيفعل ذلك أم لا. أما الأشخاص الذين يصلون إلى مناصب السلطة اعتمادا فقط على خصالهم الشخصية وفضائلهم، فلست أدري... مارك أوريل (الإمبراطور الروماني والفيلسوف) كان يقول: «لا شيء مما هو إنساني أستغربه»! - هل تعتقدين أن حياتك كانت ستأخذ مجرى آخر لو لم تلتق أبراهام السرفاتي أم تُراك كنت ستعيشين نفس الحياة مع أي شخص آخر؟ < لا أعتقد، بل كنت سأكون دائما مناضلة تدافع عن حقوق الإنسان. ثم إنني لم أكن دائما متفقة مع أبراهام في جميع مواقفه السياسية. فقد كانت تربيته السياسية شيوعية، بينما أنا لم أنتم أبدا إلى أي حزب. إلا أنني يسارية، وهو ما يعني بالنسبة إلي الاعتناء بالناس الذين يحتاجون إلى العناية، وليس منح الأغنياء مزيدا من الأموال، كما يفعل ساركوزي، اليوم مثلا، في فرنسا.