أين تصرف الميزانيات التي تخصص لمختلف القنوات وبالأساس الأولى والثانية؟ وأين هو طموح هاتين القناتين في إنتاج معدل شريطين كل شهر؟ وهل بإمكان التلفزة أن تتطور بإعادة نفس الإنتاج كل شهر؟ فما جدوى زخم القنوات الأولى والثانية والثالثة والرابعة إلى السادسة وصولا إلى المولود الجديد، في ظل ما يسمى بالانفجار الإعلامي ضمن قطب عمومي؟ القطب الإعلامي العمومي كما هو سائد في الدول المتقدمة إعلاميا كفرنسا، تتوجه فيه هذه القنوات لخدمة المواطن والدولة بشكل متوازن ودون بهرجة وتلميع لهذه الأخيرة، وبنهج سياسة القرب المتعلقة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية أو الثقافية والرياضية، وإذا فكرت في أنماط السيطرة والتوجيه فهي تعتمد على تطوير الأساليب ونطاق المحتوى وطرائق العرض، مع تبني تسلية مقبولة لا تخلو من جاذبية، كما تستحضر أيضا نباهة المتفرج بضمان الجدية والعمق في برامج أخرى. فكيف يستقيم الحديث عن قنوات وطنية بدون إنتاج وطني؟ وأين نحن من صناديق الدعم التي أعدت لهذا الشأن، وإذا كانت تريد أن تظل خارج المحاسبة، وفي أن تظل خراطيم الإشهار متحكمة في سياستها التحريرية، فما على الدولة إلا تحرير الفضاء البصري، بالترخيص لقنوات خاصة وأن تتخلى عن ضريبة الماء والكهرباء وتلك الصناديق، وفي ضوء هذا الوضع فليتنافس المتنافسون! أما إذا كانت الدولة ترغب في تعزيز ولاء المواطنين لها وفي أن تلعب هذه القنوات دور الموجه الإيديولوجي للمجتمع وفي أن تصون هويته الثقافية ومذهبه الديني وأمنة السياسي إلخ، فهذا يحتاج منها إلى عقلنة سياسية لهذا المرفق العمومي بما يدعم الديمقراطية في التسيير وفي إشراك المواطن في طرح الأسئلة الكبرى المرتبطة بالشأن العام، وبالاستجابة لحاجياته الثقافية والروحية.. عوض أن تتحوط قنواتنا التلفزية عن إبراز العيوب وما يعتري الواقع الاجتماعي والسياسي من تمزقات وتجاوزات ودوس للقانون وتزوير وتدليس ورشوة وهلم أمراضا، تستدعي استحضار المواطن كأداة وككيان فاعل في حلها، عوض رؤية أحادية تصدر عن وجوه قليلة من أًصحاب الامتيازات باسم البرامج الحوارية، أو خيط أبيض يمحي سوادا علق بقلوب الأحباب ونسي أن يصالح المواطن مع الإدارة بمختلف قطاعاتها ومنها عمنا التلفزيون الذي لم يعد يجد من الأخبار إلا الجرائم والاغتصاب، وإذا أرادت القناتان أن تعرفا نسبة المشاهدة الحقيقية فعليهما أن تقارنا نفسيهما بالفضائيات العربية والأجنبية. سبع قنوات لا تشفي غليل المواطن، وهي سبع بوجه واحد، فعوض أن تتجه كل قناة إلى فئة من الجمهور نجدها تتجاذب فيما بينها نفس البرامج المكرورة، خاصة بعد التحاق الثانية بالأولى، فهل نتوفر على قناة عامة وأخرى متخصصة حتى وإن حملت اسم الرياضية أو السابعة. إنه واقع يعبر عن الإرباك والعجز في التدبير وإدارة قنوات ولدت ميتة. فكيف لقنوات تعميمية أو خاصة أن تعيش بدون أفلام؟ فقد برهنت الإحصائيات على المستوى الدولي أن الأفلام هي المادة التي تجتذب الجمهور مقارنة بالبرامج الأخرى، وفي هذا السياق فطنت الشركات الكبرى كما بعض القنوات التلفزيونية الأوربية وبالخصوص القنوات الإيطالية إلى إنتاج أفلام خصيصا للتلفزيون، وأصبح لهذه الشركات أقسام خاصة بالسينما وبالتلفزيون، والمغرب لا يشكل استثناء في هذا الباب، حيث ومنذ انطلاق القناة الأولى سنة 1962 والأفلام تبرمج بطريقة منتظمة، وكانت في الأعم تتجاوب مع الجمهور، ونذكر أنه في السبعينيات اشتكى موزعو الأفلام بالمغرب من التلفزيون المغربي حتى لا تتم برمجة الأفلام خلال يومي السبت والأحد، وحتى لا تؤثر هذه البرمجة على الإقبال الجماهيري إزاء القاعات، وهذا ما يفسر التنافس الحاد الذي كان سائدا آنذاك، إذ بإمكان الجمهور، على غرار جماهير دول العالم الثالث، أن يستمتع بالمجان بقنوات تلفزية مشفرة بفك شفرتها، وبالحصول على أقراص مقرصنة، لكن هذه القنوات التي استأنس بها الجمهور منذ زمان وألف خصوصيتها تعود إلى إعادة برمجتها مع أن المشاهد لم تعد تغريه بقدر ما يغريه الجديد الذي عجزت البرامج المختصة بالسينما بدورها عن برمجته، أما بالنسبة للأفلام المغربية، فقد كان حريا بالقناتين دعم وترويج الأفلام المبرمجة بالقاعات، بإقرار فقرات خاصة يتم من خلالها استدعاء الطاقم الفني والتقني والإعلان عنها ما دامت متواجدة بالقاعات، لكن ما نلاحظه تخصيص عشر وصلات يمكن بثها خلال يوم واحد وساعة واحدة، وبالتالي يمكن للجمهور تناسي وجود أفلام مغربية بالقاعات السينمائية. إن المغرب يشكل حالة خاصة في حظيرة الدول العربية وحتى الغربية، فحين تم إنشاء صندوق خاص بالإنتاج الوطني الدرامي، يتم تمويله عن طرائق الضرائب المفروضة في فاتورة استهلاك الماء والكهرباء، ويشرف عليه وزير الاتصال إدارة وتسييرا بشكل مباشر، ويدر أموالا باهظة لدعم الإنتاج الوطني. نجد هذا الإنتاج يتقلص إن لم نقل يتوقف نسبيا، لتكتفي القناتان بالإعادة المكرورة هي أيضا، وبقليل من الإنتاجات الحديثة، الأمر الذي يتناقض مع الدعم الذي تتلقيانه سنويا من هذا الصندوق.