يبدو أن القنوات الرقمية الأرضية (TNT) في فرنسا تعيش نشوة الاحتفال بإنجازاتها كل يوم تقريبا! هذا ما توحي إليه البلاغات والتقارير التي تصدرها بين الحين والآخر مؤسسة «ميديامتري» المتخصصة في رصد حجم متابعة الجمهور لبرامج تلك القنوات. والأكيد أن هاته الأخيرة لا تفوت الفرصة لتحتفي بالنتائج المحققة، كما هو الحال بالنسبة لبلوغ قناة «Direct8» العتبة الرمزية للمشاهدة في الثاني من دجنبر 2008، وتنظيم قناة «Gulli» للجزء الأول من أمسية الاحتفاء بتحقيق رقم قياسي في معدل المشاهدة في السادس عشر من دجنبر 2008، وفي الثلاثين من دجنبر من نفس السنة، احتلفت قناة «NRJ» بسنتها القياسية... لكن السؤال الذي يطرح يكرر نفسه بقوة هو: هل تؤدي كل هاته الاحتفالية وظيفة تواصلية؟ من جانبهم، يعتبر المنتجون أن الاحتفاء بإنجازاتهم «فرصة رائعة لا يمكن تفويتها»، كما أن المناسبة تصبح ملائمة «لتقديم برامج تتميز بحيطة أقل، وكذا ضخ دماء تجديدية في القنوات، واستقطاب منشطين جدد، وإعداد برامج جديدة...». ومن بين آخر الملتحقين بركب ال (TNT)، نجد قنوات خرجت من رحم شبكة الإنترنت أو من المؤسسات الإشهارية، تمكنت من استغلال هذه التقنية الجديدة من أجل إحداث شركات إنتاجية خاصة بها، فهذه التجربة تعتبر بالنسبة لها مدرسة حقيقية تتيح لها إمكانية شحذ أسلحتها ودخول عالم إنتاج برامج ذات تكلفة أقل. وكانت النتيجة لهذا التحول فقدان القنوات المسماة ب «التاريخية» لحصص مهمة من الوصلات الإشهارية، مما اضطرها إلى اللجوء إلى المنتجين العاملين بقنوات (TNT)، يقول الرئيس المدير العام لمؤسسة «العين الثالثة للإنتاج»، «بيير أنطوني كابطون»: «إن لجوء تلك القنوات الكبرى إلى مؤسسات إنتاجية كمؤسستنا دليل أن تلك القنوات على تمام الثقة من أننا نستطيع تزويدها ببرامج عالية الجودة وبتسعيرة أقل». وقريبا ستنتج هذه المؤسسة أول برنامج خاص بقناة... «France2». نفس الشيء ينطبق على «جون-بينوا جيلي»، المدير العام لمؤسسة «ليوني للإنتاج»، التي أشرفت على إنتاج أول شريط لفائدة قناة «NRJ12» بعنوان «لن يكون ممكنا». حيث أكد «جون-بينوا» أن مؤسسته ستشتغل مع قناتي «TF1» و«M6»، اللتين تريدان الاستفادة من «خبرة مؤسسته في الإنتاج المنخفض التكلفة» المطبقة على قنوات (TNT). وأضاف: «عندما اشتغلنا على (لن سكون ممكنا)، أخبرتنا قناة «NRJ12» أنها رصدت للشريط ميزانية تترواح ما بين 150 و200 ألف أورو، ولقد قبلنا ذلك العرض، وتمكنا من التعامل مع الأمر بوسائلنا المتوفرة. إن اشتغالنا لحساب قنوات (TNT) يفرض علينا تبني نهج اقتصادي جديد من خلال إيجاد الحلول لتدبير الأمور. إن هذا اختبار جديد وضعنا أمام ضرورة التصرف في حدود الأفكار التي يتم اقتراحها علينا. لقد تعلمنا كثيرا من هذا الأمر، وكبريات القنوات تدرك هذا الأمر جيدا». في البداية لم تكن المؤسسات الكبرى للإنتاج تعير أهمية لقنوات (TNT) منذ ظهورها قبل أربع سنوات. لكن المعطيات تغيرت اليوم، والأرقام تؤكد ذلك. فمنذ مارس 2005 إلى اليوم، انتقل عدد قنوات (TNT) بفرنسا من 18 قناة إلى 36 قناة، كما أن 87% من سكان فرنسا يتوفرون على جهاز خاص بالتقاطها. لكن هذا لا يعني أن هذه القنوات «الصغيرة قد تفوقت على القنوات «التاريخية» في فرنسا (TF1، France2، France3، Canal+، M6، France5 وArte)، إذ لا تزال هاته الأخيرة تسيطر على 73.9% من السوق مقابل 12.7% للقنوات «الصغرى»، التي حققت رغم ذلك نجاحات تحسب لها، فقبل بضع سنوات، لم تكن يتوفر سوى جزء يسير من الأرصدة المالية، واكتفت حينها بتقديم برامج سبق أن تم عرضها، وتعمل على إعادتها، وبالتدريج شرعت في بث أشرطة قديمة على حساب الإنتاجات الجديدة، ونفس الشيء بالنسبة للسلسلات، قبل أن تنطلق في عرض إنتاجات خاصة بها كما هو الحال بالنسبة لشريط «لن يكون ممكنا» على قناة «NRJ13». كما أن بعض برامج التسلية والألعاب أخذت مكانتها في أوساط المشاهدين. ومما لا شك فيه، أن هذه الانطلاقة المتصاعدة لقنوات (TNT) حملت معها مشاريع جديدة سترى النور خلال هذه السنة، بما في ذلك النشرات الإخبارية ذات التوقيت الثابت، وإدراج برامج نقاش وتنشيط مستنسخة من بعض البرامج البريطانية والأمريكية الناجحة.