تعرضت شبكة البرامج بالقناتين الرئيسيتين لمجموعة من الاختلالات التي مست بالأساس البرامج الثقافية والفنية، حيث ألغي بعضها من الخريطة كليا ودون سابق إعلان، أو تم إدراجها في ساعات بث متأخرة بعد منتصف الليل. البرامج الرياضية بدورها أصيبت بأنفلونزا التشطيب، وتوقفت عجلات بعضها، وحول الفيلم الروائي حديث قد يطول. عود على بدء: برنامج «بين السطور» الذي كان يبث مرة في الشهر يتناول الإنتاجات الأدبية في مجال النشر والكتاب، لم يعد يظهر له أثر منذ شهر تقريبا، كان سبقها تقديم عادل حجي معد ومقدم البرنامج حلقة جميلة صحبة الفقيد عبد الكبير الخطيبي الذي غادرنا إلى دار البقاء. «شدى الألحان» برنامج يهتم بالتراث الموسيقي الأندلسي الغرناطي الذي يعده الباحث الموسيقي عبد السلام الخلوفي و تقدمه ماجدة اليحياوي بمستوى عال استنادا على إعداد أدبي رصين يبرز من خلال المراجع والوثائق المعتمدة وطبيعة الضيوف المدعوين لمناقشة موضوع الحلقة مع السعي نحو التبسيط مما خلق تجاوبا مع الجمهور الذي تصالح مع جزء من ذاكرته الثقافية. هذا البرنامج طوح به إلى ما بعد منتصف الليل، ولم يكن برنامج «نماذج» أكثر منه حظا، حيث ثم إلغاء بث حلقة آخر اثنين من شهر أبريل المنصرم وتأجيلها إلى يوم الجمعة من ماي الجاري إلى وقت متأخر من بعد منتصف الليل. وفي باب «مختفون» نتساءل عن مصير برنامج «رواق» بالقناة الأولى إذ لازالت مجموعة من علامات الاستفهام تطرح حول ملابسات اختفائه من خريطة البرامج القديمة، برنامج شكل نافذة للمهتمين والتشكيليين للتعرف على أبرز المعارض الفنية والتجارب الإبداعية التي تتم مقاربتها، في ضوء ملف نقدي متخصص يساهم فيه مختصون وينشطه الناقد الفني أحمد الفارسي. فهل يعني هذا أن هذه مقدمة لتغييب البرامج الثقافية والفنية كلية من خريطة قنواتنا التلفزية خطوة، خطوة، على درب برنامج «الموسيقى في الحياة» وهو برنامج تراثي كانت تبثه القناة الثانية منذ مدة ويتعلق بالمغرب العميق والمغمور، إذ تم توقيفه بشكل مفاجئ بعد أن راكم منذ ولادته سنة 1997 إحدى وثمانين حلقة همت المغرب بأكمله من الريف إلى ثغور الصحراء، وكان مبرمجا إلى وقت قريب ثمان حلقات جديدة حول المغرب الشرقي (وجدة، فكيك، جرادة، بوعرفة إلخ..) إذ قام معد الحلقات بإجراء عملية استطلاع لمناطق التصوير، والاتصال بالساكنة، لكن القناة حسب المعد لم تتحمل مسؤوليتها الأدبية وقد تم إنتاج إحدى وعشرين حلقة حول ممر تازة لم يبث منها إلا القليل، ولا زال أغلبها حبيس أدراج المكتبة السمعية عند الكلم 7. وعليه، نطرح السؤال أين تصرف الميزانيات التي تخصص لمختلف القنوات وبالأساس الأولى والثانية؟ وأين هو طموح هاتين القناتين في إنتاج معدل شريطين كل شهر؟ فهل بإمكان التلفزة أن تتطور بإعادة نفس الإنتاج كل شهر؟ وما جدوى زخم القنوات الأولى والثانية والثالثة والرابعة إلى السادسة وصولا إلى المولود الجديد، في ظل ما يسمى بالانفجار الإعلامي بما يسمى قطبا عموميا؟ في القطب العمومي، كما هو سائد في الدول المتقدمة إعلاميا كفرنسا، تكون هذه القنوات في خدمة المواطن وليس في خدمة الدولة، سواء فيما تعلق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية أو الثقافية والرياضية، وإن فكرت في أنماط السيطرة والتوجيه فهي تعتمد على تطوير الأساليب ونطاق المحتوى وطرائق العرض.