رغم أن المنوعات تعد أقدم البرامج التلفزيونية، بجانب الأخبار إلا أن تعريفها وتشخيصها مازال يثير الكثير من الجدل لدى المهنيين، ومسؤولي القنوات التلفزيونية. فالتعاريف المقدمة لها لم ترفع اللبس الذي اكتنف هذا النوع من الإنتاج التلفزيوني، حيث عرفها البعض بأنها مادة أو مواد تلفزيونية تتميز بسمتين أساسيتين: أن تكون مصممة خصيصا للبث التلفزيوني، وتقدم عرضا يجمع مقاطع موسيقية وضربا من الترفيه. لقد تعود الجمهور على أن برنامج المنوعات التفزيونية هو عبارة عن عرض تلفزيوني يجمع الغناء والموسيقى والرقص. لعل التعريف الشامل لبرنامج المنوعات هو التالي: هو برنامج تلفزيون ترفيهي، تقدمه شخصية حية وجذابة، يبث في الغالب أثناء السهرة، حيث يعد، في نظر البعض، واجهة للفنانين الذين لم ينالوا حقهم من الإعلان أو الإشهار، ويشكل، في نظر الآخرين، مدخلا لاكتشاف المواهب المواهب الفنية. إن غموض تعريف هذا الصنف من البرامج استدعى مساعدة المشرعين لتوضحه، حيث رأوا أن برنامج المنوعات يتحدد بأنه يستعين بخدمات الفنانين في ظروف تختلف عن تلك التي تشترطها البرامج الرامية، والغنائية أو الكوريغرافية بمعنى أن هذا البرنامج لا يكتفي بنقل سهرات غنائية من خارج الأستوديو. المنوعات والبرامج المنافسة إن الغموض الذي يكتنف مفهوم برامج القنوات التلفزيونية لايعود الى قصور لغوي أو وهن رؤية نظرية، بل الى تطور المنتجات التلفزيونية التي أصبحت تتداخل معها أو تنافسها في الوجود في الشبكة البرامجية. ولعل الشكل البارز لهذه المنتجات يتمثل في الفيديو كليب، وبرامج تلفزيون الواقع، وبعض الألعاب التلفزيونية التي جعلت من الموسيقى والغناء أو الرقص مركز ثقلها. لقد ظهر الفيديو كليب في بداية الثمانينات في القرن الماضي كنتيجة للأزمة التي كانت تعاني منها صناعة الاسطوانات الغنائية، والتي كادت أن تقضي عليها (3) . وانعكست سلبا على مؤسسات إنتاج الموسيقى والغناء وبثهما: أستديوهات التسجيل، والمحطات الإذاعية، والقنوات التلفزيونية. فكل هذه المؤسسات كانت تجتر القديم من الأغاني والألحان التي لم تعد تجذب السوق. فجاء الفرج على يد الفيديو كليب الذي لم يقدم إضافات نوعية على صعيد مضمون الأغنية والموسيقي، بل جدد شكلها الذي أصبح مصورا وجذابا، ودفع المغنين والفنانين الى عدم الاكتفاء بالغناء، وأضحى يتطلب قدرا من التمثيل والتعبير بالجسد، والإيحاءات... تعود جذور شرائط الفيديو كليب إلى أفلام الروك التي انتشرت في الخمسينات من القرن الماضي. لقد كانت ميزانية الشريط الغنائي المصور زهيدة، و،يتم تصويره في اليوم الواحد، لكن بالتدريج ارتفعت ميزانيته، وأصبحت تضاهي ميزانية المواد الإعلامية، وبعض البرامج الدرامية رغم قصر مدة بثه. وأضحى تصويره يتطلب مدة أطول. ولم يعد الفيديو كليب يصور الفنان والفنانة وهي تغني، بل أصبح يسرد قصة أو حكاية مصورة يشارك في تشخيصها العديد من الأشخاص الذين يمثلون، ويرقصون، ويغنون، ويقومون بحركات بهلوانية. إن برامج الفيديو، التي كانت تبث كمواد قائمة بذاتها، أو بالاستعانة بمذيعة ربط، تحولت إلى نمط من الثقافة البصرية الذي يستند إلى تنوع زوايا التصوير، وتعدد حركة الكاميرا، واختصار شديد للقطة والمشاهد التلفزيونية، وإيقاع شديد يتماهى مع الرقص الذي يندمج في الموسيقى ليخطف البصر ويبهره ويمزج حشد من الألوان المختلفة والملابس ذات البهرجة المتنوعة التي تبدل في كل مشهد. لقد أثرت هذه الثقافة على العديد من البرامج، كما نلاحظ لاحقا. أما تلفزيون الواقع فقد غير جذريا العرض التلفزيوني، ودك الحدود بين الأنواع التلفزيونية المعروفة ليفرز نوعا هجينا. يضم جانبا من الألعاب والمسابقات التلفزيونية، والمواد الدرامية، والمواد الوثائقية التلفزيونية، والمواد الوثائقية المسجلة، والحديث الاستعراضي، الذي يتولى فيه مذيع أو صحافي مناقشة موضوع معين، مع ضيف أو عدة ضيوف قد يكونون من الفنانين والموسيقيين، أصبح ينافس برامج المنوعات في الشاشة الصغيرة، خاصة إذا كان الموضوع الذي يناقشه حساسا أو يملك استثنائية. وهذا لايعني أن برامج المنوعات لم تستفد من الإمكانيات التعبيرية والتواصلية التي تميز الحديث الاستعراضي. إن البرامج التلفزيونية ليست مادة جامدة ومصاغة بشكل نهائي ودائم، بل إنها عرضة للتطور والتجدد على صعيد المحتوى والشكل، وتطور أشكال التعبير التلفزيوني في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية قد أفرزت نوعا تعبيريا هجينا، مثل ما يعبر عنه مفهوم Infotrainment، الذي هو إدغام للإعلام والترفيه، ومفهوم Docufiction، أي النوع الذي هو يجمع الفيلم الوثائقي والمادة التلفزيونية الخيالية. فلم الإصرار على فرز برامج المنوعات التلفزيونية وسط سيل من الواد التلفزيونية المختلفة التي يتشابه بعضها إلى حد التماهي؟ للإجابة عن هذا السؤال يمكن القول إن تصنيف البراج التلفزيونية ليس ترفا يمارسه النقاد لتقويم الإنتاج التلفزيوني، لأن هناك جملة من الأسباب تدفع الى ذلك، يختلف وزن كل سبب من مجتمع إلى آخر، ومن نسق ثقافي إلى آخر، نحصرها فيما يلي: 1 بعض الدول تملك سياسة وطنية في مجال الإناج الثقافي والإعلامي وتحاول أن تجسدها عبر موسساتها الإعلامية والثقافية، حيث تضع جملة من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، مثل: النهوض بالثقافة الوطنية، وصيانة اللغة الوطنية وترقيتها، ونشر الأغنية الوطنية وتطويرها، وإحياء التراث الموسيقي الوطني ونشره. فمن المفروض أن تصب برامج المنوعات التلفزيونية في هذا الإتجاه، ولا تكتفي بعرض شرائط مسجلة للأغاني الأجنبية، لأن بعض الدول تمنح إعانات، بصيغ مختلفة، للقنوات التلفزيونية التي تساهم في تجسيد سياستها المذكورة. 2 تضع بعض الهيئات المستقلة المشرفة على تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني ومراقبة مضامينه شروطا لبث الإعلانات، وسقفا للإنتاج التلفزيوني، وأخر للبث، وفق الأنواع التلفزيونية المختلفة: المسلسلات والأفلام التلفزيونية، والأفلام الوثائقية، البرامج الإخبارية والسياسية، والمنوعات التلفزيوينة، والتي تقيم على أساسها كل قناة تلفزيونية، وتلفت انتباهها. 3 إن الإنتاج التلفزيوني يتمتع، ككل إنتاج فني وإيداعي، بحقوق المؤلف، فهناك إشكال في تصنيف برامج المنوعات، فهل تنطبق عليها شروط المادة السمعية البصرية، وتستفيد من حقوق المؤلف؟ أم أنها لاتصنف ضمن هذه المادة لأنها لاتسهر على إنتاج مادة موسيقية وغنائية لتقدم خصيصا في برنامج المنوعات التلفزيونية. 4 إن تصنيف المواد التلفزيونية يملك قمية اتصالية واجتماعية كبرى، لأن الصنف يتضمن تعاقدا ضمنيا بين منتج المادة ومستهلكها يتحدد، على أساسه، فعل المشاهدة، ترتسم أشكال التفاعل معه. فالجمهور يتعاطى مع الأخبار التلفزيونية على أساس أنها واقعية، ومع المواد الدرامية على أنها تتضمن بعدا خياليا أو تصوريا، ويتعامل مع برامج الترفيه على أساس أنها تسلوية. فهذا التعاقد هو الذي يجعل الجمهور يتقبل بعض المحتويات في هذا النوع التلفزيوني، ويستهجن بعضها. 5 تصنف الأنواع التلفزيونية بغرض «بيع مدتها الزمنية» للمعلنين. فاقتصاديو الإعلام يصنفون الإنتاج التلفزيوني إلى خانتين: برامج التدفق Programmes de flux ، وبرامج التخزين Programmrs de stock. فالنوع الأول يقتصر على البرامج التي تبث مرة واحدة ثم تفقد قيمتها بعد أن تستنفذ في أول بث، مثل: الأخبار التلفزيونية، ونشرة الأحوال الجوية والطقس، وبعض المباريات الرياضية، وبرامج البلاطو «الركح التلفزيوني». ويمكن توقيفها لبث لقطات إعلانية. بينما برامج التخزين فإن قيمتها لا تستهلك من أول بث، فهي برامج ذات قيمة بالنسبة، إلى المشاهدين تعزز التراث التلفزيوني وتدعم ذاكرة التلفزيون المرئية، يمكن أن يعاد بثها وفق الحاجة، فهي تملك قيمة اقتصادية، حيث تجد مكانتها في سوق المواد السمعية البصرية، وتنتمي إلى هذا الصنف: الأفلام الوثائقية، والأفلام التلفزيونية، والمسلسلات، وبرامج المنوعات، ويستجيب هذا النوع لقوالب «فورمات» الانتاج السمعي البصري، وهي: 26، 52 دقيقة، والاشكال الذي يثار ماذا لو خرجت برامج المنوعات من الصنف الثاني لتنتمي إلى الصنف الأول؟ المنوعات في شبكة البرامج التلفزيونية تزداد برامج التسلية والترفيه في القنوات التلفزيونية التجارية العربية، بشكل متزايد. ويشمل المفهوم الإجرائي للتسلية، في هذا المقام، برامج المنوعات وشرائط الفيديو كليب وكل البرامج التي تتشكل من الموسيقى والطرب ذات الطابع الاستعراضي. هذا مع الإشارة إلى أنها تبرمج في كثير من الأحيان بشكل اعتباطي حتى يعتقد بأنها تسد ثغرات في شبكة البرامج التلفزيونية. لعل منافسة برامج المنوعات في القنوات التلفزيونية العربية، لاتأتي من استشراء الفيديو كليب، والألعاب التلفزيونية فقط، بل تنجم، أيضا، عن تزايد عدد القنوات التلفزيونية المختصة في الموسيقى والرقص. فحسب بعض التقديرات بلغ عددها 119 قناة في السنة 2007 من مجمل القنوات التلفزيونية العربية التي بلغ عددها في السنة ذاتها 494 قناة، أي حوالي الربع. ناهيك عن منافسة القنوات التلفزيونية العالمية المختصة في المسويقى والغناء مثل MTV التي كان بثها يصل إلى المنطقة العربية عبر الاشتراك في حزمة قنوات «Show Time»، العربية، ثم أصبحت تبث برامجها من منطقة الخليج باتجاه الدول العبرية، والتي قال عنها نائب مديرها بأنها ستبث مزيجا من البرامج الدولية، والموسيقى العربية التي تعكس مختلف الأذواق. ربما مفهوم التنافس لايفي بالغرض، في هذا المقام، لأنه يختصر برامج المنوعات التلفزيونية في جانبها التجاري فقط، ويغفل الجوانب الأساسية الأكثر جدلا ، والتي يعبر عنها المسؤول ذاته، إذ يؤكد أن قناته ليست مجرد قناة موسيقية. إنها منبر للشباب يعكس مختلف جوانب الثقافة الشبابية. ويضيف قائلا: إنها لاتكفي ببث الأغاني والموسيقى بصرف النظر عن منبتها، بل تقدم المفاهيم البرامجية.